الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
إتفاق المصالحة الفلسطينية والاشتباك التفاوضي...حمادة فراعنة
إتفاق المصالحة الفلسطينية والاشتباك التفاوضي...حمادة فراعنة

 لم تمض ثلاثة أيام على توقيع اتفاق المصالحة الفتحاوية الحمساوية ( الأحمد والعاروري ) في القاهرة يوم 11/10/2017، حتى اجتمع وفد حماس برئاسة يحيى السنوار مع وفد التيار الاصلاحي لدى حركة فتح برئاسة سمير المشهراوي في القاهرة لسببين مُعلنين أولهما وضع المشهراوي ورفاقه في نتائج الاتفاق مع وفد الرئيس عباس، وثانيهما التأكيد على استمرارية العلاقة والتمسك بالتفاهمات التي سبق وأن توصلا اليها يوم 11 حزيران 2017، والعمل على تنفيذها، باعتبارها لا تتعارض مع اتفاق المصالحة بل ان المصالحة مكملة للتفاهمات وتتويج لها .

المصريون استعملوا ورقة النائب محمد دحلان ووظفوها لتحقيق غرضين الأول أنه شكّل أداة جاذبة لحركة حماس ونجح في تأدية وظيفته الوطنية والسياسية على أكمل وجه، والثاني مقابل الأول أنه شكّل أداة ضغط وتحفيز لحركة فتح حتى تُهرول نحو المصالحة، بعد أن كان أداة طاردة لها في تجربتين سابقتين سجل المصريون خلالهما فشلاً أول مرة يوم 8/11/2015، بين الرئيس السيسي والرئيس عباس، والثانية يوم 26/8/2016، بين وفد مكون من خمسة أعضاء: لجنة فتح المركزية مع وفد اللجنة العربية الرباعي ( مصر والأردن والسعودية والامارات )، ولهذا غير المصريون أولوياتهم دون أن يغيروا مُرادهم وأهدافهم وخطة عملهم، فكان اللقاء الأول ناجحاً في القاهرة بين يحيى السنوار ومحمد دحلان يوم 11/ حزيران يونيو 2017، وأثمر عن ورقة التفاهمات، وتم تجديده بعد شهرين يوم 11/8/2017، مما خلق توتراً وحافزاً وغطاء بين طرفي الانقسام بعد ذلك .

 

أهداف المصالحة

 

اتفاق المصالحة بين فتح وحماس، رسم معالمه جهاز المخابرات المصري حينما شرح مساعد مدير المخابرات خارطة طريق للرئيس أبو مازن في رام الله، حاملاً رسالة من الرئيس السيسي للرئيس الفلسطيني يوم 26/10/2015، تضمن دعوته لزيارة القاهرة وواضعاً بين يديه دوافع الدعوة الرئاسية وبرنامج العمل وجدول أعمال اللقاء يوم 8/11/2015 كما يلي :

هناك تحركات فرنسية أميركية لعقد مفاوضات فلسطينية اسرائيلية يجب أن نكون مستعدين لها وهذا يتطلب منك تحقيق هدفين :

الأول وحدة حركة فتح حتى تكون قوياً أمام حماس، والثاني المصالحة مع حماس حتى تكون قوياً أمام الاسرائيليين متحدثاً بوفد موحد باسم الشعب الفلسطيني .

فتلقى مساعد مدير المخابرات المصرية خلال زيارته الى رام الله اشارة واضحة وموافقة صريحة من الرئيس الفلسطيني لخارطة الطريق المصرية، وزار القاهرة فعلاً يوم 8/11/2015، وعبر عن دعمه لخطة الرئيس المصري قبل أن يعمل على افشالها، ومع ذلك لم يتخذ المصريون ردة فعل سلبية نحو الرئيس عباس فالمصلحة بالنسبة لهم، والمهم بالنسبة لهم الأمن المصري أولاً، وتحقيق المصالح القومية العربية وفي طليعتها فلسطين ثانياً .

ولذلك اعتقد المصريون أن توسيع المشاركة العربية في خطة المصالحة قد يكون أكثر فائدة، فأشركوا الأردن والسعودية والامارات بهدف توفير الغطاء والأمن والحماية وزرع الثقة لدى القيادة الفتحاوية، ولكن هذا التوجه لم يحقق الغرض المطلوب اذ فشلت أيضاً خطة الرباعية العربية يوم 26/8/2016، باللقاء مع خمسة من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح .

 

تغيير خطوات العمل المصري

 

فغير المصريون خطة عملهم، وبدلوا أولوياتهم دون أن يغيروا قناعاتهم، وهكذا توصلوا الى تفاهمات محمد دحلان ويحيى السنوار يوم 11/ حزيران /2017، وأعادوا تأكيدها بعد شهرين يوم 11/8/2017 .

اتفاق المصالحة بين فتح وحماس يوم 11 تشرين أول 2017، اتفاق من طرف واحد، قدمت حماس ما هو مطلوب منها سلفاً، وقبلت بشروط حركة فتح الثلاثة وهي : 1- حل اللجنة الأدارية، 2- تخلي ادارتها عن قطاع غزة وتسليمها لحكومة رام الله، 3- الموافقة على اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهذا ما حصل، وحصيلته باختصار تخلي حركة حماس عن مظهر الانقلاب الذي نفذته في الـ 14 من حزيران 2007، سيطرت من خلاله منفردة على قطاع غزة لأكثر من عشر سنوات، وقد وصلت الى هذه النتيجة لعدة أسباب تتمثل بما يلي :

أولاً : فشلها منفردة في ادارة قطاع غزة، فقد فشلت في الحفاظ على مبادراتها الكفاحية المقاومة ضد الاحتلال، وتحولت من فصيل مقاوم الى فصيل مساوم هدفه الحفاظ على السلطة التي سيطرت عليها، مثلما أخفقت في توفير متطلبات الحياة الكريمة لأهل القطاع، بعد الحصار المفروض، ناهيك عن الدمار الذي سببه الاحتلال بحربه المتواصلة المتقطعة، واجتياحاته الثلاثة 2008 و 2012 و 2014، والدمار والخراب والموت الذي خلفه على أهل القطاع، جعل قطاع غزة غير صالح للعيش، ودافعاً أهل القطاع لفقدان الأمل وزرع اليأس في نفوسهم وانعكاساته السلبية على حركة حماس ومكانتها .

ثانياً : فشل حركة الاخوان المسلمين في تحقيق تطلعاتها السياسية على أثر الربيع العربي وتفاهماتها مع الأميركيين، في مصر وليبيا وسوريا واليمن، مما أفقد حركة حماس مرجعيتها السياسية والفكرية، وبدلاً من أن تكون حركة الاخوان المسلمين رافعة لها تحولت الى عبء داهمها بالثقل عليها وخاصة في قطاع غزة، وفي سوريا ومع ايران .

ثالثاً : استجابتها لضغوط مصرية وقطرية وتركية بهذا الاتجاه .

حركة حماس بدلاً من أن تستكين وتتراجع وتضعف، تقدمت الى الأمام وتفوقت على نفسها وظروفها، فصاغت وثيقتها السياسية وانتخبت قيادة جدية تتسم بالواقعية السياسية والصلابة الوطنية والخبرة العملية، وتجاوبت مع المعطيات المستجدة، ونجحت في ازالة عدم الثقة مع القيادة المصرية وفريق الرئيس السيسي، ونجحت في ازالة العداء مع تيار النائب محمد دحلان، وها هي تحقق نجاحاً مع فريق الرئيس محمود عباس، ولكن ذلك لم يكن عاكساً لانتصار حققته فتح، مثلما لم يكن تعبيراً عن هزيمة لحركة حماس، فالأولى لم تنتصر والثانية لم تهزم، ولهذا جاء قرار المصالحة 10/10/2017، عاكساً تراجع حماس عن الانقلاب بعد عشر سنوات وتسليمها ادارة قطاع غزة لحكومة رام الله، ولكن حقائق السياسة، ومعطيات الواقع، وموازين القوى هي التي ستفرض نفسها على مفاوضات فتح وحماس، فحركة فتح تملك شرعية الرئاسة الفلسطينية، وحماس تملك شرعية المجلس التشريعي وكلاهما مكمل للأخر وفق قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير الذي أجاز ولادة السلطة الفلسطينية على الأرض كمؤسسة حكم ذاتي تابعة لمنظمة التحرير، ولهذا ستقع الشراكة بين التنظيمين والفصيلين ولا هروب لهما من هذا الاستحقاق، عبر الاشتباك التفاوضي الذي سيقع بينهما وفق وثيقة النص الكامل للاتفاق بينهما ونقاطه الست.

 

مفاوضات الاشتباك التفاوضي الداخلي

 

مفاوضات 21/11/2017، باجتماع الفصائل 13، ولقاء التقييم بين فتح وحماس يوم 1/12/2017 / والخطوات اللاحقة، سيكون هدفها أن فتح ستدفع وحماس ستقبض على قاعدة الشراكة والقيادة الجماعية التي ستعكس الواقع التنظيمي الفلسطيني المكون من أربعة أطراف هم : 1- فتح، 2- حماس، 3- الفصائل الأخرى، 4- المستقلون، وهي المعادلة التي ستحكم ادارة منظمة التحرير وسلطتها الوطنية في الأيام المقبلة .

ألغى اتفاق المصالحة بين فتح وحماس مظاهر الانقلاب والتفرد في ادارة قطاع غزة، ولكنه لن يسمح باستمرار تفرد حركة فتح في ادارة منظمة التحرير وسلطتها الوطنية، وهو تفرد يعكس الفشل والاخفاق الذي أدارته حركة فتح في مواجهة الاحتلال والاستيطان والمفاوضات، فالاحتلال متواصل ويتعمق عبر الاستيطان ومظاهره الثلاثة فاقعة عبر الاستمرار في استكمال تهويد القدس، وأسرلة الغور، وتمزيق الضفة الفلسطينية بالاستيطان والشوارع الالتفافية، وعزل المناطق الثلاثة عن بعضها : القدس عن الضفة وكلتاهما عن قطاع غزة، واستعادة الادارة المدنية لدورها وتوسيع صلاحياتها على حساب تراجع دور السلطة الفلسطينية وتقزيم عناوين ادارتها .

ثمة مظهران للمصالحة الأول أنها مطلوبة لتعزيز التماسك الوطني وتصليب الجبهة الداخلية لمواجهة مبادرة أميركية متوقعة سيقدمها الرئيس ترامب، والثاني التكيف مع المطلوب كي يتشكل موقف فلسطيني موحد يكون مقبولاً للأميركيين، وهذا سيكون واضحاً من خلال شكل المفاوضات الداخلية الفلسطينية وكيفية صياغة مبادرات تحفظ للشعب الفلسطيني حقوقه بعد أن أهدرها الانقسام وأضعف مكانتها التفرد الفتحاوي من طرف والتفرد الحمساوي من طرف آخر، مما يستوجب العودة الى الأصول المطلوبة القائمة على ثلاثة أعمدة هي :

أولاً : صياغة برنامج سياسي مشترك .

ثانياً : مؤسسة تمثيلية موحدة وهي منظمة التحرير وأداتها السلطة الفلسطينية .

ثالثاً : الاتفاق على الأدوات الكفاحية المناسبة كي يتحمل الاحتلال كلفتها، فالاحتلال عنوانه الاسترخاء عبر التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، والدول المانحة يدفعون كلفة توفير الأمن للاحتلال، من خلال تغطية الرواتب للأجهزة وللمؤسسات الفلسطينية ويبقى الاحتلال قوياً غير مستنزفاً، والشعب الفلسطيني يدفع ثمن بقاء الاحتلال واستمراريته .  

[email protected]

 

* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والاسرائيلية.