الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
موقف الصحافة المصرية من الصهيونية في الفترة الواقعة ما بين سنة 1897- 1917 (2) ....تميم منصور
موقف الصحافة المصرية من الصهيونية في الفترة الواقعة ما بين سنة 1897- 1917 (2) ....تميم منصور

 لا يمكن قراءة موقف الصحافة في مصر والكتاب المصريين من الحركة الصهيونية خلال الفترة المذكورة قراءة صحيحة ، إلا إذا قارناها مع الصحف وكُتاب عرب آخرون ، وأكثر من راعى وأهتم بمثل هذه الأمور في تلك الفترة ، هم الكتاب الشاميين ، أو بالأحرى كُتاب وصحافيين من الشام ، أو ما كان يُعرف بسوريا الكبرى .

كشفت الدراسات عن أن صحف الشاميين ، ورواد الكلمة ، وحملة الأقلام كانوا أكثر اهتماماً بتناول قضايا العرب القومية ، وخاصة الخطر الصهيوني في فلسطين ، واشارت الدراسات أن عدداً من أهل الرأي في مصر حاولوا ايجاد المبررات لتجاهل الصحف المصرية للقضية الفلسطينية ولإخطار الحركة الصهيونية .

من بين هذه المبررات ان الهدف الأساسي من اصدار الصحف المصرية خلال المرحلة المذكورة ، انحصر لخدمة مصلحة مصر أولاً ، اهتمت هذه الصحف بالمطالبة بتحقيق الجلاء البريطاني عن مصر ، ونيل الاستقلال ويدعى المدافعون عن الصحف المصرية ، أن تناول الكُتاب الشاميين في الصحافة وغيرها القضية الفلسطينية ،كان نابع من خدمة مصلحتهم ، لأن فلسطين كانت جزءاً من سوريا ، أو بلاد الشام ،لهذا السبب اهتم السوريون والفلسطينيون من بينهم ، سواء المقيمون منهم في مصر ، أو في سوريا ، بالغزو الصهيوني لفلسطين ، وقد كان هذا الاهتمام ملموساً من خلال اجمالي عدد الموضوعات التي نشرت في صحف الشاميين ، خاصة صحيفتي الأهرام والمقطم ، جدير بالذكر بأن أصحاب هاتين الصحيفتين كانوا من أبناء سوريا ، فما نشر في هاتين الصحيفتين حول الخطر الصهيوني ، يفوق بعدد موضوعاته ما نشر في الصحف المصرية ، ففي صحيفة الأهرام كان اجمالي عدد الموضوعات خلال المرحلة المذكورة ، حوالي 240 موضوعاً ، وفي صحيفة المقطم 150 موضوعاً ، أما في الصحف التابعة لملكية المصريين ، فقد نشر في صحيفة " المؤيد " 20 موضوعاً خاصاً بالصهيونية ، وفي صحيفة اللواء تم احصاء 25 موضوعاً ، وفي صحيفة الجريدة تم حصر 8 موضوعات ، وصحيفة الأهالي 20 موضوعاً .

لقد كانت بعض صحف الشاميين في مصر في وضع يمكنها من مناقشة موضوع الصهيونية وفلسطين بحرية شبه تامة ، سواء في مواجهة السلطات العثمانية ، أو السلطات البريطانية ، وذلك بسبب حصول هذه الصحف على الحماية الاجنبية ، ففي حين كانت صحيفة الأهرام تحت الحماية الفرنسية ، لأن فرنسا حصلت من الدولة العثمانية على حق حماية الطوائف المسيحية في الشام ، في نفس الوقت كانت صحيفة المقطم تتمتع ببعض الشيء من الحماية البريطانية ، هذا يعني ان فضاء الحرية الذي توفر لصحيفة المقطم ، كان اقل منه قياساً لصحيفة الاهرام خاصة في المواقف تتعرض للأطماع الصهيونية . كانت بريطانيا تدعى بأنها تفتش عن إيجاد حل عادل للقضية اليهودية ، وقد دعم هذا الموقف شخصيات بارزة من كبار الساسة والمثقفين في مصر .

ذكر جورج انطونيوس في كتابه يقظة العرب ، ان الوعي القومي العربي في مصر في هذه الفترة كان في سبات عميق ، مقابل ذلك فإن النهضة القومية والتطلع إلى اجماع عربي وقومي ، بدلاً من الاجماع الديني ، الذي فرضته الرجعية والتخلف ، وفرضه العثمانيون ، اول ما ظهرت هذه النهضة كما يقول " انطونيوس " في بلاد الشام ، خاصة في لبنان ، وسوريا وفلسطين ، وقد تأخر ميلاد وظهور براعم هذا الوعي في كل من مصر والعراق وفي شمال أفريقيا .

الأسباب كثيرة ، أهمها الحكم العثماني المستبد ، الذي فرض العزلة على العرب في كل مكان ، في الشام يرجع الفضل في تفتح براعم النهضة القومية الى الكثير من المصلحين والعلماء والأدباء العرب ، خاصة من أبناء الطوائف المسيحية ، مثل بطرس البستاني ، واليازجي ، والشدياق وغيرهم ، كان لهم الفضل في إصدار الكتب باللغة العربية ، كما ساهموا بإنشاء مدارس في كل من سوريا ولبنان وفلسطين ، وعملوا على اصدار الصحف باللغة العربية ، مثل صحيفة الشهباء التي اصدرها الكواكبي ، وصحيفة الجنان التي أصدرها البستاني ، لقد تأثر الكتاب والصحفيين السوريين الذين انتقلوا إلى مصر من هذه الثقافة وهذه الأجواء .

أما في مصر ، فإن النهضة القومية جاءت متأخرة ، رغم وجود العديد من المصلحين المصريين ، أمثال محمد عبده ن الأفغاني ، الطهطاوي ، المنفلوطي ، لطفي السيد ، وغيرهم دعا هؤلاء إلى الوطنية المصرية ، ومنهم من حصرها بالاسلام أو بالفرعونية .

اذا ليس صدفة حسب ما تشير الدراسات ، ان جميع الكُتاب الذين تناولوا موضوع الصهيونية وخطرها على فلسطين ، كانوا من الشاميين ومعظمهم من المسيحيين العرب الذين لجأوا الى مصر هرباً من الطغيان العثماني . فضلاً عن ذلك ، كان معظم هؤلاء الكتاب الشاميين من ذوي المكانة في الحياة العامة السياسية والأدبية العربية ، كما كان بعضهم من أصحاب الصحف ، أو من العاملين في الصحافة ، أو من قادة الرأي ، أمثال الأمير شكيب أرسلان ، وأمين أرسلان ، وحقي العظم وشبلي شميل وابراهيم سليم النجار ، وكامل مدور ، وداوود العيسى وبشارة تقلا وانطوان الجميل وغيرهم . وفيما عدا الكتاب الشاميين ، دخل الكُتاب الصهيونيين أيضاً مجال الكتابة في موضوع الصهيونية وفلسطين ، وقد مكنت اوضاع الصحافة المصرية وأوضاع اليهود داخل المجتمع المصري الحركة الصهيونية من اختراق العقل المصري وتضليله في ذلك الوقت ، بنشر بعض الأفكار الكاذبة والمضللة ،فيما يتعلق بأهداف الصهيونية في فلسطين. لقد نجحت الحركة الصهيونية في تجنيد بعض اليهود المقيمين في مصر ومن المتمكنين من اللغة العربية ، ومن ذوي الميول الأدبية والصحفية ، لتتبع ما ينشر في الصحافة المصرية عن الصهيونية وتقويمه والرد عليه ، بالإضافة الى الكتابة في الصحف المصرية بدعوى تنوير المصريين فيما يتعلق بالحركة الصهيونية ، من ناحية أخرى استطاع هؤلاء الكُتاب استغلال بعض مواد قانون المطبوعات المصري ، وفيها حق الرد ، كما استغلوا قيام بعض الصحف بفتح باب النقاش حول الحركة الصهيونية ، فاستخدموا بعض الصحف المصرية وحولوها الى منابر لهم لبث دعاياتهم. تشير الدراسات ان عدد المقالات التي كتبها الصهيونيون عن المسألة الصهيونية وفلسطين ، فاق عدد المقالات التي كتبها الشاميون ، لأن عدد الكتاب الشاميين الذين خاضوا غمار هذا الموضوع بلغ نحو 21 كاتباً ، في حين بلغ عدد الكتاب الصهيونيون حوالي 41 كاتباً ، أي حوالي ضعف الكتاب العرب .