السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
صابر حجازى يحاورالأديب السوداني عادل سعد يوسف
صابر حجازى يحاورالأديب السوداني عادل سعد يوسف

 

 في إطار سلسلة اللقاءات التي أقوم بها  بقصد اتاحة الفرصة امام المهتمين بالشان الثقافي والابداعي والكتابة الادبية بشكل عام والذين قد يعانون من ضائلة المعلومات الشخصية عن اصحاب الابداعات الثقافيةعبر انحاء الوطن العربي الكبير،لذلك فان اللقاءات بهم والحوار معهم من اجل اتاحة الفرص امامهم للتعبيرعن ذواتهم ومشوارهم الشخصي في مجال الابداع والكتابة ويتيح للجميع التعرف عليهم من قرب والتواصل معهم مستقبلا  

 ويأتي هذا اللقاء رقم ( 56 )  ضمن نفس المسار
وفي ما يلي نص الحوار

س :- كيف تقدم نفسك للقارئ ؟
- عادل سعد يوسف ـ معلم
- تخرجت في جامعة القاهرة الفرع- السودان ـ الخرطوم. ليسانس الآداب قسم اللغة العربية وآدابها.
- دراسات عليا تخصص في الدراسات الأدبية واللغوية في جامعة القاهرة الفرع- السودان ـ الخرطوم.
- بدأت الكتابة في فترة مبكرة. إلا أن النشر جاء متأخراً  نسبياً أعني المجموعات، سبقها النشر في الصحف المحلية. والمجلات، ثم المواقع الإلكترونية المختلفة والمتخصصة.
- عملت معداً لبرامج إذاعية في إذاعة عطبرة وإذاعة البرنامج الثاني بأم درمان.
- تحصلت علي جائزتين أولاهما: الجائزة الثانية للتأليف المسرحي في مهرجان المسرح التجريبي ـ الخرطوم. ثانيهما: جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي 2012.
أعمال منشورة:
1- أتبرا.. خاصرة النهار رواية. مركز عبد الكريم ميرغني.- السودان.
2- الأتبراوية كهرمان الحِجَاج الأنيق. محاولة جمالية/ تدوين. فاس للنشر –السودان.
3- سفر الموت ( حالات حامل التابوت) شعر. فاس للنشر –السودان.
4-  الرملُ.. بِكِ تَرْتَجِفُ سنابلُ لذاتِها.. شعر- دار الريم للطباعة والنشر.
5- نعوش بما يكفي الخوف كتابة عن الفاجعة والموت . نصوص .دار رفيقي جنوب السودان.
6- مخطوطو البصاص بعد كابوسه الأخير.. مجموعة قصصية .دار مداد للنشر والتوزيع أبو ظبي.
7- لُؤْلُؤَةٌ تَمْضِي إِلى جَمْرِهَا.شعر- دار الريم للطباعة والنشر.
أعمال قيد النشر:
1- جَمرةٌ للحياة/ قبلةٌ للموتِ. شعر- اتحاد الكتاب التونسيين. 
2- حريق .. يبابٌ يزهرُ في جهات الأرض.
وأخيراً، دعني أستعير ما قاله الشاعر أمجد محمد سعيد:
"عادل سعد شاعر مُجِدُّ وصبور ويثبت هنا أنه مصور فريد , ذلك أن القصيدة كلها ما هي إلا تعبير بالصورة التي تتوالد دون أي تهاون أو ملل , ولا تكاد تجد شطرا شعرياً واحداً يستخدم اللغة استخداما نثرياً عادياً, إنه يقول عبر الصورة ما يشاء من معان وأفكار , ويجسد ما يشاء من تشكيلات جمالية".

س:- إنتاجك الأدبي : نبذة عنة ؟
ـ في الرواية أتبرا..خاصرة النهار وهي الرواية الفائزة بجائزة الإبداع الروائي للدورة 12 لمسابقة الطيب صالح مركز عبد الكريم ميرغني حاولت أن أقدم كتابة سردية تعتمد على التنوع التقني مستفيداً من المونتاج السينمائي والتشكيل، لأقدم كتابة سردية ذات تداخل سيري\تاريخي، مع تبادلية وتعددية في الروي ما بين أكثر من صوت راوي.  
.ومن حيث الموضوع أحاول أن أحفر في التاريخين الاجتماعي والسياسي لمجتمع أتبرا، وسيرة النقابات العمالية السودانية والبدايات الجنينية لتكونها بأبعادها الأيدولوجية والمهنية وربما الإثنية.  عندي يظل المكان في الرواية عنصراً فاعلاً، في تطورها، وبنائها، وفى طبيعة الشخصيات التي تتفاعل معه، وفى علاقات بعضها ببعضها الآخر.. يقول الراوي في آخر الرواية:

" حيث كان الراديو الضخم ماركة (الفيلبس) في موقعه العالي يصب على آذان الحشود الجالسة على دكة هرجها - في المقهى- أخبار انتصارات جيوش الحلفاء، انفجرت الحشود بتصفيق فجائي.. مفسحة فضاءً مزخرفاً بالضحكات
أجيك يا ربي وبتسألني 
دا أنا ما أكدبش ولا الكدب يجي على لساني 
كان ذلك صوت ربيع عبادة بلكنتة المصرية، وخياله الذي يمكنه من أسطرة كل شيء  يمر أمامه أو يراه في أحلامه، يرسم صورة للمعارك بين بريطانيا وإيطاليا وشجاعة الجندي السوداني
   -  سودان مورتللي سحار 
ولم يدرك ربيع عبادة حتى ضحكته الأخيرة التي مات بعدها، أن بريطانيا قد كذبت عليه، وأن الانتصار الوحيد و الأكثر جذرية تلك الطاقة من الحب التي تدفقت مازجة  المدينة بسكانها".

ـ الأتبراوية كهرمان الحجاج الأنيق. محاولة جمالية- تدوين. نص أيضاً يشتغل على المكان لكن بطريقة شعرية اعتمد على لغة باذخة ومجازية، ناظراً لتاريخ المدينة وإنسانها، حيث إنها ذاكرتي الاستثنائية والجمالية.
 باختصار تشكل المدينة (أتبرا- عطبرة) العمود الفقري لتجربتي، قد تختفي بدرجة من الدرجات لتظهر بقوة في عمل آخر وهكذا.
ـ سِفْرُ الموت.. حالات حامل التابوت ديوان شعري في 13 حالة شعرية ، هو موقف فلسفي متسائل، وصرخة ضد ما هو كائن سياسياً، ضد تاريخ القمع والقتل.
ـ مخطوطة البصاص بعد كابوسه الأخير، مجموعة قصصية، - يتحرك فيها النص السردي من خلال الحياة المعيشية والمشاهدات اليومية، اعتمدت علي تقديم اقتراحات تجريبية مستفيدة من أسلوب الخبر والإخبار في السرد العربي وأسلوب المقامة، والمشاهد السينمائية، تقدم ملامح راهنية لواقع متشظي ومنتهك.
ـ الرمل..بِكِ أثقل الحدائق حتى ثمارها، كتب عنها الشاعران أمجد محمد سعيد وعصام ترشحاني والناقد الشاعر أيضاً عبد الحق ميفراني حيث أجمعوا على أنها مغامرة جمالية حداثية ذات سمات تكثيفية ودلالات بعيدة وشعرية عالية تمتاح من مصادر ثقافية متعددة.
ـ نعوش بما يكفي الخوف- كتابة ضد الفجيعة والموت...هي  نصوص موقف من أحداث أدت إلى تقسيم السودان تتوسل خطاباً شعرياً. 

- لُؤْلُؤَةٌ تَمْضِي إِلى جَمْرِهَا، هنا تتبدى حوارية وجودية بين الجمر والبحر بمجازية الأنثى في سمتها الأسطوري والراهني

يَقُولُ الْبَحْرُ:
الْعَاشِقُ لا يَرَى كَيْنُونَتَهُ إلا فِي نَبِيذِهَا
لا يَرَى اِحْتِرَاقَ أصَابِعهِ
 فِي شِتَاءِ نَجْمَتَيْنِ 
عَلَى خَدِّهَا
.
.
سَمِّهِ أعْمَىً بِالضَّرُورَةِ. 

 س :- تمارس كتابة القصة والرواية والمسرحية  والشعر، هل احترفت الكتابة، أم أنك تعتبر نفسك هاوي؟
أنا كاتب محاول  وبالتالي لا أرتكز على جنس إبداعي محدد وأعبر بين الأجناس الإبداعية بحسب الفكرة والموضوع ، لذلك تجدني أنتمي إلى مفهوم المحاولة الأدبية، هذا المصطلح بحسب معرفتي لا يوجد داخل المنظور الثقافي العربي، ولكنه مُرحّل من الثقافة الفرنسية حيث يسمي الكاتب نفسه بـ[كاتب محاول]. والكاتب المحاول عابر لخطاطات الأجناس. ونجدها عند غوانزالو ليزالدو مضافاً لصفته روائي، محاول، باحث أدبي. جان ليفي: سينمائي، روائي، مترجم، محاول. نانسي أوستن: روائية محاولة. تزفان تودروف في كتابه (الأدب في خطر)، وهو ينضوي تحت المحاولة الأدبية. كما عرفت الموسوعة ميشيل بيتور بأنه: روائي، شاعر، محاول. وأخيراً ميلان كونديرا كاتب رواية ومحاول أدبي.

لذلك طرحت مشروعاً أسميته التدوين الجمالي أو المحاولة الجمالية، هو مشروع منفتح على الأجناس كافة، يستخدمها ويؤسس عليها، منفصل ومتصل بأشراطها الجمالية. ويسعى لإنجاز يتجاوز الأعراف السائدة للتلقي وأنماطها القارة، فاتحاً أفق التساؤل. وهو أيضاً محاولة أدبية.
فلسفتي في ذلك مستمدة ممَّا تحدث عنه رينيه ويلليك، أن الحدود بين هذه الأنواع في حالة حركة دائمة، وهو ما يمنع نظرية الأنواع الأدبية من أن تحتل في رأيه مكاناً مُهمَّاً في الدراسات الأدبية المعاصرة. يؤكد في ذلك قوله: “إن التمييز بين الأنواع الأدبية لم يعد ذا أهمية في كتابات معظم كتاب عصرنا، فالحدود بينها – أي الأنواع الأدبية – تعبر، يتم عبورها باستمرار، والأنواع تخلط، يتم خلطها أو تمزج. والقديم منها يترك أو يحور، أو تخلق أنواع جديدة أخرى، إلى حد صار معها المفهوم نفسه أي مفهوم النوع الأدبي موضع شك”. وقبله كان بنديتو كروتشة، الفيلسوف الإيطالي وأحد مؤسسي علم الجمال الحديث، قد شَنَّ في كتابه “الاستطيقا” الذي ظهر عام 1902، هجوماً حاداً على مفهوم النوع الأدبي، متنبِّئاً له بأنه “لن تقوم له قائمة بعد ذلك”. أي أنه لن يصبح هناك نوع أدبي بعينه، محدد بملامح واشتراطات جمالية استطيقية واضحة. وهو الأمر الذي يؤكد عليه ويلليك باستعصاء النوع على الاستقرار تحت مصطلح محدد.
بكل هذا لا أعتبر نفسي هاوياً  ولست محترفاً في آن الاحتراف في ظني يحتاج إلى تفرغ وهذا مستحيل أن يوجد في بلد كالسودان. ولكنني أملك قدراً من الأدوات تعين على إنجاز مشروعي. 

 س :- هل لك أسلوب معين تتبعه في كتاباتك، وما اللغة التي تفضلها، لغة السرد البسيطة دون تعقيدات، أم اللغة الادبية المكثفة ولماذا؟

أنا كاتب تجريبي ومحاول بامتياز لذلك أعبر من جنس لآخر ومن أسلوبية لأسلوبية، لا يصيبني رهاب التجنيس، بل لا أحفل به مطلقاً، ما أقر عليه في خطاطة أتجاوزه في الأخرى، مثلاً مجموعة كشجرة تستدل بالضوء.. من أوراق العاشق الكهل، برمتها تقوم على اليومي والمعاش لكن بلغة جمالية رامزة وموحية   

تَحُكُّنِي الأشْيَاءُ 
الأشْيَاءُ
الَّتِي تَبُوحُ بِثَرَائِكِ الأنْثَوِيِّ
ثَنْيَتُكِ وأنْتِ تَتَفَادِينَ الارْتِطَامَ بِالطَّاوِلَةِ
فَتَحَةُ فُسْتَانِكِ تَحْتَ الإبْطِ
ضَفِيْرَتُكِ الْمُهْمَلَةُ 
أغْنِيَتُكِ الْمُفَضَّلَةُ لِغَسِيلِ الأَطْبَاقَ
النٌّعَاسُ الَّذِي يُبَاغِتُكِ أمَامَ شَاشَةِ التِّلْفَازِ
خَوْفُكِ الْغَرِيزِيِّ مِنَ الْجَنَادبِ اللَّيْليَّةِ
وَفَوَقَ ذَلِكَ
تَظَّلِّينَ الْمَرْأةَ الَّتِي أُحِبُّ
الْمَرْأةُ الَّتِي أسْمَعُ رُوحَ سَنَابِلِهَا
كَعُصْفُورٍةٍ 
عَلى ثَغْرِ الْحَدِيقَةِ.

- في كِتَابُ الدَّاجِن أميل إلى المشهدية البانورامية موزعاً الحدث الكلي إلى لقطات متتالية:

- الأرْصِفةُ نيازِكُ تتبوَّلُ كالخيباتِ الأبْرِيليَّةِ
- آخِرُالشَّارعِ يترنَّحُ ويدقِّقُ في النامُوسِ
long shot
- البضاعةُ الصِّينيةُ في الجوربِ القصيرِزائغةُ القدمينِ كمخْفَرٍ يستطلعُ عوراتِ الأجسادِ
- الخبَّازُيدُسّ الْبُرُومِيدَ بسرعةِ لصٍّ رسميِّ
- المأكُولاتُ الشَّعْبيةُ في كُحْلِ أنُوثتِها تُمْسِكُب الصَّحْنِ ليلةَجُوعٍ مُنتظِمِ الأحْشاءِ
- الشُرطي يُغْلِقُ دُكاناً ويُطْلقُ ألفاظاً ليستْ قابلةً للتَّدويرِ
- كهلٌ يجرِّدُ جارتَهُ من أثوابٍ فاتنةِ التشكيلِ
- (ولدُالورْنيشِ) يُحيكُ في السُّخْريَّةِ جلْدَ فريستِه (الجَزْمَة)
standard copy

 س:- على ماذا يتوقف نجاح الكاتب، على فلسفته ونظرته إلى الحياة، أم على أسلوبه وأدواته التي تخصه وحده، أم على موهبته؟
اعتقد أن نجاح الكاتب عموماً يتوقف على قدرته بالإمساك بجوهر مشروعه الإبداعي في المقام الأول، وصدقه وانحيازه له، هذا لا يتم إلا عبر أدواته الخاصة التي تقوم على مجمل فلسفته وموقفه الإنساني، لم تعد الموهبة وحدها كافية لإنتاج متن إبداعي.

 س:- أين تكمن روعة القصة  الناجحة - وما هو مقياس ذلك؟
في الإدهاش بتقديم وجهة نظر مختلفة، ومعيار ذلك عندي التجريب والتجاوز والتخطي الجمالي. المدروس والمضبوط بالقدرة التكنيكية العالية.

 س:- الكاتب الناجح هو الذي يجمع الموهبة والثقافة والإلمام بمعظم مجالات الحياة- فما تاثير كل ذلك  في كتاباتك  ؟
بكل تأكيد وفوق ذلك أن يكون ذا أفق نقدي تساؤلي منفتح على العالم والإنسان، تظل قضية الإنسان من حيث هو إنسان أينما كان هي الشاغل الرئيس والمحرك والمؤثر في معظم منجزي النصي الجمالي، وفق الهاجس الأكبر والكلي (الحرية). بالإضافة إلي إلمام عميق وجاد بالمصادر الثقافية المختلفة. 
(حَرِيقٌ يُعَالجُ وَحْشَةَ اللَّيْلِ..يَبَابٌ يُزْهِرُ فِي جِهَاتِ الأرْضِ) وهي قصيدة ديوان 


مَا الَّذِي يَبْقَى مِنْ كَيْنُونَةِ الإنْسَانِ لِلإنْسَانِ؟
رَصِيفٌ مِنْ آهَةٍ  مَلْفُوفَةٍ بِالرِّيحِ أمْ حُلْمٌ كَنوْبَاتٍ مِنَ الْحُمَّى عَلَى جَسَدِ الْبِلادِ؟
مَا الَّذِي يَبْقَى مِنْ كَيْنُونَةِ الإنْسَانِ لِلإنْسَانِ؟
حَرِيقٌ يُعَالجُ وَحْشَةَ اللَّيْلِ/ يَبابٌ يُزْهِرُ فِي جِهَاتِ الْقَتْلِ/ دَهَاليزٌ مِنَ النُّطَفِ الْبَئِيسَةِ مَفْقُوءةِ الْعَيْنَيْنِ تَسْبَحُ فِي كَهْفِكَ السِّرِّيِّ/ قُدَّاسٌ لِشَظِيَّةِ الرُّولِيتِ يَبْرُقُ كُلَّمَا ضَغَطَتْ عَلَيْهِ فِكْرَةُ الْقَنَّاصِ  
مَا الَّذِي يَبْقَى مِنْ كَيْنُونَةِ الإنْسَانِ لِلإنْسَانِ؟
أضْرِحَةٌ تَسْتَقْبِلُ الْعَدَمَ الْعَمِيقَ وخَيْبَاتِ الغِيَابِ/ مَرَاقِدٌ تَطِلُّ كَبُومَةٍ تَنَامُ عَلَى طَللٍ، وتَخْمِشُ فِي أظَافِرِهَا أكْبَادَ مَنْ مَاتُوا عَلَى ظَمَأٍ لِانْعِتَاقِ الضَّوْءِ مِنْ دُهْنِ الْحَنْظَلِ الْوَطَنِيِّ.
مَا الَّذِي يَبْقَى مِنْ كَيْنُونَةِ الإنْسَانِ لِلإنْسَانِ؟

  س:- كيف تجد القصة السودانية حاليا ، هل من تطورات طرأت عليها؟
القصة السودانية بخير، ثمة أجيال جديدة لهم همومهم وطموحاتهم وتصوراتهم للكتابة، ولهم متون في غاية الفرادة، ومقدرة عميقة على التجريب والخروج عن السائد والمتعارف عليه، سراد حقيقيون. لكن يعوزهم الانتشار، ولك ايضاً ان تدرك حجم المأساة لبلد لا توزع صحفاً ولا كتباً ولا أفلاماً، لا تقدم شيئاً للعالم. ولا يعرفها العالم إلا بالحروب وبشاعة الأنظمة.

س:- هل فن القصة والروية  قادر على التعبير عن تشابكات الحياة السياسية والاجتماعية وتعقيداتها؟
إذا نظرنا إلى قول محمد برادة: الرواية بصفتها ذاكرة مفتوحة تغوص بواسطة التخييل، الذي يتأسس على منطق الإحساس والتبصر والذاكرة والتجربة والمعيش، يمكن القول بقدرة الرواية على الوقوف والنظر للمشكلات الراهنة والمعقدة، والتي أعتقد أن الواقع العربي والعالمي اليوم  يفوق مخيال الكاتب والروائي والقاص والشاعر أيضاً.
القصة والرواية عين راصدة لمشكلات الواقع ولها القدرة على النفاذ إلى عمق المشكلات السياسية الاجتماعية، فقط علينا الانتباه إلى أن المبدع ليس محللاً سياسياً. وعليه أن ينأى من التقسيمات والخروج من البوتقة التي أضرت كثيراً بالإنتاج الإبداعي لحساب ما هو سياسي سلطوي. 

س:- إذا كان الشعر ديوان العرب - فماذا تكون القصة ؟
رغم أن القصة ذات وجود متأخر زمانياً عن الشعر إلا انها استطاعت ان تتحصل على فضاء معتبر داخل كينونة الإبداع العربي وبرزت أسماء لها وزن في هذا المتن الإبداعي، بهذا يمكن القول إن القصة رغم ما يشاع عنها من انحدار -لا أوافق على التسمية – تظل قادرة على محاورة الواقع مشكلة إضافة نوعية وحقيقية ، كما أنني لا أرى هناك صراعاً إجناسياً ونحن نتكلم عن تداخل الأجناس الأدبية، بل يسعى البعض إلى تجاوزها والانتماء لأفق الكتابة في إطلاقه وأنا منهم.

 س:- القصة القصيرة جدا  كيف تنظر إليها؟ هل هي مرض اصاب جسد القصة والقصة القصيرة ، أم أنها أعادت شيئا من الشباب إلى جسد هذا الفن وجعلته أكثر جمالا، أم ماذا؟
لا ... فن القصة القصيرة جداً فن يحتاج إلى موهبة خاصة وقدرة فائقة لأنه يستعصي على غير الموهوبين، فقط المتمكنين من أدواتهم الفنية الذين يدركون أهميته ويحسنون توظيف آلياته وتقنياته توظيفا يحقق الإبداع والإمتاع معا.
وهي فن قائم بذاته ليس له ارتباط بالقصة القصيرة في اعتقادي المتواضع، ما يميزها إنها تتعايش وتتحاور مع جميع الأجناس الأدبية محطمة النظرية الإجناسية وتعمل جاهدة على تحصين نفسها من كل أشكال الإقصاء والمحاصرة. 

 س:- في الماضي كانت الرواية هي التي تعرض وتصف وتحكي وتمتع, الآن هل هي مازالت قادرة علي الاحتفاظ بالقارئ في الوقت الحاضر؟
- لكل زمن فضاؤه المرجعي والمفاهيمي، لا أدري ما الذي جعل الرواية في الماضي تعرض وتصف وتحكي وتمتع، وسلبها هذا الحق في الحاضر؟ إذا كان الوصف خصيصة أساسية وملمح راكز من ملامح  السرد كيف نقول ذلك، والميزة الأخرى أن الإمتاع هو ما تتميز به الفنون كافة.
إن نظرية التلقي تعرفنا أن  القارئ لم يعد ذلك المتلقي القديم، إنه فاعل ومؤسس ومؤول في أن، بالجملة هو مبدع بطريقة أخرى.

 س:- في كتاباتك ملمح للكتابة الساخرة  فهل في الوقت الحاضر هل لدينا في الوطن العربي قصة قصيرة ساخرة حقيقية؟
والسخرية أداة بلاغية، يلجأ  إليها الكاتب كوسيلة لمجابهة واقع متأزم، تعمل السخرية هنا علي تجاوز ما يظهر في السطح إلي عمق الأشياء وتزيل الأقنعة وتعري الواقع،  في مجموعتي وثبات رئاسية كتبتها في فترة سابقة وقدم لها الأستاذ القاص والروائي حميد ركاطة لكن للآسف لم تنشر لمحاذير رقابية 

في درس الأدبِ قرأ الأستاذُ ما كتبه ابنُ مماتي :
« إنني لما رأيتَ عقلَ بهاءِ الدينِ قراقوش محزمةَ فاشوش، قد أتلفَ الأمةَ، واللهُ يكشفُ عنهم كل غمة»
...
ولأنه لم ينتبه لصورة الرئيس أعلى السبورة.
كتب في دفتر التقويم: 
« كانت الحصةُ ناجحةً جداً، وكان تفاعلُ الطلابِ ممتازاً».

س:- بيئة الكاتب التي يعيش فيها دائما تشكل له منهلا وينابيع للكتابة، من أين تأتي بمواضيع  وأبطال أعمالك الأدبية، من البيئة المحيطة بك أم من الخيال؟
بالطبع الكاتب يتأثر بمحيطه وينفعل به ، في مثل واقع تتناوشه الحرب والفقر والديكتاتورية والانهيارات في كافة الأصعدة لا يمكنك أن تقف متفرجاً. عليك أن تتخذ موقفاً من القضايا المعاصرة، يقول تشومسكي: “إن من مسؤولية المثقفين أن يقولوا الحقيقة ويفضحوا أكاذيب، وأن “المثقف” هو من يحمل الحقيقة في وجه القوة“.والمبدع هو موقف في الأساس.
كتبت عن أناس حقيقيين بأسمائهم، أناس هامشيون لكن لا تنقصهم الحكمة، هم تاريخ خارج التاريخ الرسمي. قد يكون هناك تخييل تقتضيه ثيمة الاشتغال بين طريقة تفاعل النص الروائي مع النص التاريخي وتسريده التخيلي.  
 
 س:- الحركة الثقافية العربية، كيف تقيمها في الوقت الحاضر، وبالأحص في بلدكم السودان ؟
أومن، أن ثمة أفق كتابي وإبداعي  يتخلق برغم ما يعصف بالحاضر العربي من أزمات وقضايا شائكة، والصورة في السودان ليست ببعيدة عن هذا، خاصة ما ينتج إبداعياً هو خارج المؤسسة الرسمية،  إنه الهامش الذي يزهر في الاختلاف. 

  س:- ماذا عن حال حركة النقد العربية؟
رغم  أن المشهد النقدي يعاني من إشكاليات كبرى على مستوى الماهية والمنهج والأسلوب والوظيفة هناك أصوات نقدية لديها مشاريع رائدة ومنجزة، منها على سبيل التمثيل :إبراهيم السعافين، عبد الله على إبراهيم، سعيد يقطين، حاتم الصكر، محمد الداهي، في المحاولة لإنجاز نظرية نقدية راسخة ومؤسسة لمقاربة الإبداع العربي، والتنظير له من حيث تبنين المصطلح النقدي وتأصيله، واستطاعت وبدرجات متفاوتة أن تعيد قراءة الإنتاج الإبداعي العربي على أسس جمالية وفنية ومضمونية جديدة. هذا لا يعني أن المشهد النقدي يخلو من محاباة وانتقائية لبعض الأعمال. 
 
 س:- هل استطاعت الشبكة العنكبوتية أن توفر التواصل بين الأديب والمتلقي ؟
بكل ما يشوبها إلا أنها استطاعت أن تفعل ذلك.
لا يخفى على أحد من أن المجتمعات الشبكية تنمو ولها خصائصها وتقاليدها وماضية في التكون بتسارع عال،  بل أصبحت جزءً أصيلاً في ديناميكا هذه التحولات المدهشة والمتسارعة، فالميديا شكلت تفاعلاً حيوياً بين القارئ والكاتب برغم ما يعتور هذه الحالة التواصلية من إخفاقات، تتبدى في النظر غير النقدي والموضوعي لبعض الأعمال موسوماً بالمجاملة الفجة والاستحسان لنصوص يعوزها الكثير.   
وللتواصل :-

https://web.facebook.com/adillsaadsudanesewriter?_rdc=1&_rdr
و
https://web.facebook.com/groups/452193371654898/?ref=bookmarks&_rdc=1&_rdr
و
https://web.facebook.com/adill.saad/?ref=bookmarks

س - حدثنا عن كتابك (نعوش بما يكفي الخوف ) - فكرتة واهدافه ؟
نعوش كما أسلفت كتابة عن الفجيعة والموت ...موت الإنسان موت الأحلام الكبرى في عصر التفكيك للمنظومات التي قرَّت في وجداننا منذ آماد بعيدة، هي النظر بجرأة في وجه التاريخ السياسي والديني 
ثم التساؤل الصارخ، إلى أين أفضت بنا الدولة والمشاريع الوطنية الكاذبة؟، ببساطة إنها كتابة تعيد النظر في المسلمات كلها وتهدف لبيان الأخطاء المرتكبة بحق الإنسان من أخيه الإنسان.
 
دَمٌ تُبَعْثِرُهُ الْقَبَائِلُ
............
مُخَيَّمٌ يَذُوبُ مِنْ صَدَأ
............
مُوْتٌ كَحَيْرَةِ الْمَوْتِ
............
مَاذَا أفْعَلُ بِي
الْجِهَاتُ آيِتَانِ: آيَةٌ لَكَفِّ  جُنْدِيٍّ يَمْضِي بِلا ثِقَةٍ إلَى حَرْبٍ، وَآيَةٌ تَطْبُخُ الْمَوْتَ لِرَجْمِ غَزَالةٍ فِي الْقَلْبِ
مَاذَا أفْعَلُ بِي
أنَا نَسِيٌّ يَتَعَثَّرُ بِجُمْجُمَةٍ بَيْضَاءَ مُزَخْرَفَةٍ بِأدْوَاءِ التَّارِيخِ
تَارِيخُ يَتَغَذَّى بِذَاكِرةِ الْبُهْتَانِ 
يَتَمَهَّلُ فِي الذّبْحِ، وَيَتَجَشَأُ أَقْنِعَةَ الدَّجَّالِينَ
............
مَاذَا أفْعَلُ بِي
وَأَنَا وَاحِدٌ
كَثَاكِلَةٍ مَزَّقَتْهَا مُضْغَةُ اِبْنِهَا فِي الْحَرْبِ  فَعَلَّمَتْ ثّدْي فِطْرَتِهَا الْجَفَافَ
وَاحِدٌ
مَاذَا أفْعَلُ بِي
بِدَمٍ فِي مُعْتَرَكِ النُّبُوءَاتِ يُضَيِّعُ التَّقْوِيمَ ويَمْتَهِنُ الشَّواهدَ، يُفَلْسِفُ مَا تَبَقَّى مِنْ رَصَاصٍ عَلَى هَوْل الصِّرَاطِ
ثُمَّ يَرْفَعُ الْقَبْرَ لِلعَدَمِ الأزَلِيِّ
يَرْفَعُ الْعَدَمَ فَاصِلاً 
كَجَحِيمٍ يَتِمَطَى عَلَى خَارِطَةٍ كُبْرَى.

 س:- مشروعك المستقبلي - كيف تحلم بة - وما هو الحلم الأدبي الذى تصبو الي تحقيقة ؟
أن أقدِّمَ نصاً مختلفاٌ يتسم بالمغامرة والمغايرة، أحلم أن أحفر عميقاً في اللغة، وأن أكون محاوراً جيداً للتاريخ الإنساني.

 س:- أخيراً لك حرية الكلام، قول ما شئت ولمن شئت؟

أيَّتُهَا الْمَارُولا
بِحَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ
أُكَرِّزُ بِاسْمِكِ التَّقَاوِيمَ الْعَائِلِيَّةَ
أُكَرِّزُ الْمُرُوجَ السَّابِحَةَ كَزَمَانِ يَهْطِلُ بَيْنَ رَعْشَتَيْنِ
النُّمُورُ فِي مَعَاطِفِهَا الْمُزْهِرَةِ بِالرَّهْبَةِ الْمَدَارِيَّةِ
الْجَمْرَةُ الَّتِي تَمِيسُ مِنْ غَنَجٍ
عَلَى ذَيْلِ أَقْرَاطِكِ
وَتَبْكِي
فِي عَرْشِ الْعَشِيَّاتِ الْخَافِتَةِ
آهٍ
أيَّتُهَا الْمَارُولا الْمُسْكِرَةُ
كَيْفَ أَحْتَمِلُ الْحَيَاةَ وَأنْتِ تَنَامِينَ عَلَى وِسَادَةِ الْغِيَابِ
كَيْفَ أَسْمَعُ الْمَاءَ يُحَدِّثُ لَمْسَتَكِ بِالْعُذُوبَةِ
كَيْفَ أَلْبَسُ سُمْرَتَكِ الْمَلَكِيَّةَ
دُونَ أَنْ تَعُضَّنِي نَهْدَةُ الرَّحِيقِ
دُونَ أَنْ يَشْرَبَنِي وَلَهٌ يُدَرِّبُ أَصَابِعَكِ عَلَى اقْتِنَاصِ الِغِوَايَةِ
دُونَ أَنْ يَقْتُلَنِي
عَسَلُ عَيْنَيْكِ الزِّنْجِبَارِيِّ.
.
.
.
أخيراً، لك عزيزي الاستاذ الاديب المصري صابر حجازي وللقراء محبتي باتساع قلوبكم للمحبة.
————
*
الكاتب والشاعر والقاص المصري صابر حجازي
http://ar-ar.facebook.com/SaberHegazi
– ينشر إنتاجه منذ عام 1983 في العديد من الجرائد والمجلاّت والمواقع العربيّة
- اذيعت قصائدة ولقاءتة في شبكة الاذاعة المصرية 
- نشرت اعماله في معظم الدوريات الادبية في العالم العربي
– ترجمت بعض قصائده الي الانجليزية والفرنسية
– حصل علي العديد من الجوائز والاوسمه في الشعر والكتابة الادبية
–عمل العديد من اللقاءات وألاحاديث الصحفية ونشرت في الصحف والمواقع والمنتديات المتخصصة