الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
حينَ انتظار ...بيانكا ماضيّة
حينَ انتظار ...بيانكا ماضيّة

"بكأس الشّراب المرصَّع باللازوردِ"

بكاتمِ الصوتِ المعدِّ للتصويبْ..

"على بركةِ الماء حول المساءِ وزَهْر الكُولُونيا"

بتلكَ النظرةِ الجانبيةِ، الخاشيةِ، الخاشعه..

"بصبر الحصانِ المعدِّ لمنحدراتِ الجبالِ"

بأصابعَ محشوةٍ بلهفة الإرداء..

" بذَوْقِ الأمير الرفيع البديع"

بقلبٍ قابضٍ على الجمرِ، بنارٍ مهيأةٍ تحتَ الرمادْ..

"بسبعِ وسائدَ مَحْشُوَّةٍ بالسحابِ الخفيفِ"

بطلقةِ نورٍ منذرةٍ تحت سماءِ حلبْ..

"بنار البَخُور النسائيِّ ملءَ المكان"

بطلقةٍ أُخرى لمن فاته الصدى..

"برائحة الصّندل الذكريّة حول ظهور الخيول"

برسالةٍ مرميّةٍ من طيرٍ يهيم بالبلادْ..

"ولا تتعجلْ"

ولا تيأسْ..

برجاءِ الاستسلام كي لايعمَّ الخراب من جديد..

"انتظِرْها"

وانتظَرَها....

"فإن أقبلَتْ بعد موعدها"

بابتسامةٍ غيرِ عابئةٍ بحرب كونيّة..

"انتظرها..ولا تُجْفِلِ الطيرَ فوق جدائلها"

وبعينينِ ملؤهما شوقٌ لقلعةٍ حانيةٍ..أتاها..

"لتجلس مرتاحةً كالحديقة في أَوْج زِينَتِها"

وجلستْ.. لترفعَ عن روحِها حاجزَ المدى

"لكي تتنفَّسَ هذا الهواءَ الغريب على قلبِها"

لكي تتنشّق هواءَه المثقلَ بالحنطةِ والتّعب

"لترْفعَ عن ساقِها ثوبَها غيمةً غيمة"

لا... ليس بعدُ

"وانتظرها..

وخذْها إلى شُرفةٍ لترى قمراً غارقاً بالحليب"

وأخذها إلى شرفاتٍ بعيدةٍ عن عيني الرقيب

"وقدَّمْ لها الماءَ قبل النبيذِ ولا تتطلَّع إلى تَوْأَمَيْ حَجَلٍ نائمين على صدرها"

وقدّم فنجاني قهوةٍ..ولم يتطلعْ

إلا إلى توأمي عينٍ غارقين بفوضى سجائره

"ومُسَّ على مَهَلٍ يَدَها عندما تَضَعُ الكأسَ فوق الرخامِ"

ومسَّ القلبَ منها عندما فرشتْ أوراقَها كاملةً تحت أنامله

"كأنَّكَ تحملُ عنها الندى"

كأنه يحمل عنها السلاح..

"تحدَّثْ إليها كما يتحدَّثُ نايٌ إلى وَتَرٍ خائفٍ في الكمانِ"

وتحدثَّ إليها كما يتحدَّثُ القصبُ حكايةَ قطعه..

"كأنكما شاهدانِ على ما يُعِدُّ غَدٌ لكما"

كأنهما على وشَكٍ.. وشكٍّ ويقين..

"ولَمِّعْ لها لَيْلَها خاتماً خاتماً"

ولمَّعَ لها صباحَها ولَيْلَها عقداً فعقداً..

"إلى أَن يقولَ لَكَ الليلُ:"

لم يأتِ الليلُ.. بعدُ

"لم يَبْقَ غيركُما في الوجودِ"

لايوجد غيرُهما في الأصل

"فخُذْها، بِرِفْقٍ، إلى موتكَ المُشْتَهى

وانتظرها!"

وبرفْقٍ، ورغبةٍ عارمة بالحبّ والحنين

جلسَ ينتظرها.

*مابين قوسين صغيرين للرائع الكبير محمود درويش، قصيدة "درس من كاماسوترا في فن الانتظار".