الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قراءة في قصيدة حب لابد منه للشاعر جواد عقاد...رائد محمد الحواري
قراءة في قصيدة حب لابد منه للشاعر جواد عقاد...رائد محمد الحواري

جمال القصيدة "حب لا بد منه" جواد العقاد أن يقدم شاعر قصيدة بأسطر ٍ معدودة، ويأتي بأفكار دينية وأخرى أسطورية، يتمرد فيها على ما هو سائد من معتقدات وأفكار، وفي ذات الوقت تخدم فكرة عشقه لهو أمر مثير، ففاتحة القصيدة لوحدها تثير المتلقي: "كلُّ نفس ٍذائقةُ العشق ِ ونفسي يا بنتَ قلبي ذائقةُ الموت" مشهد متناقض، الآخرين يتذوقون العشق، والشاعر يتذوق الموت، فهو يبدو مظلوما. التمرد/الثورة/تجاوز المألوف مسائل مهمة في الأدب، لأنها تعطي فضاء للحرية والتحرر من كل ما هو سائد، إن كان على مستوى المقدس الديني أو العادة والتقليد.

"وهذي لغتي شيخ ٌيُخرج ُجنون َحبِّك مني أيحاسبني "اللهُ" إن اقترفت ُالشعر َ أو أصرفتُ بالسكرِ أو أقمت ُصلاةً في عينيكِ" من مهام الأدباء/الشعراء تقديم المتلقي من عالمهم، من أفكارهم، من الحرية التي يمارسونها ويسعون لها.

وهنا "جواد العقاد" يقدمنا من عالمة، فهو يتخطى حاجز المقدس، فنجده يسكر بخمر المحبوبة ويقيم الصلاة في عينيها، وهذا التمرد متعلق متعدد الأوجه، فهو يعصي الشيخ، رجل الدين، الذي يحمل القدسية ويمثل الله على الأرض، كما أنه يخمر، وهذا الأمر فيه تمرد على ما هو محرم، وهو يخترق العبادة ويأتينا بعبادة جديدة، ال"صلاة في عينيك".

عالم الأسطورة يفتح أبوبا للشاعر وللمتلقي، بحيث يتجاوز المفردات/الأدوات المتاحة إلى ما هو أبعد وأكثر تأثيرا وإثراء للنص، فالشاعر يستخدم حدث عظيم ـ سقوط طروادة ـ ليخدم الفكرة التي يريد تقيمها، وكأن الواقع لحال وما فيه من أدوات لا يكفيه ليعبر عما يشعر به، فكانت "طروادة والحصان الخشبي" الأداة المناسبة ليعبر عن هول "العشق" الذي يمر فيه: "إذ يترنحُ خيلُ طروادةَ فأيقنُ أن قلبي مدينة ًمهزومة ً ومبللةً بالخمر ِ وأنتِ حصان ٌخشبي رماه ُ القدر الإغريقي على بابي" الأداة اللفظية الأكثر تداولا في القصيدة "عتقي/الخمر/السكر" وكأن الشاعر في العقل الباطن لم يعد يعي ما يمر به، فالحبيبة أخذت منه الوعي، لهذا هو مخمور يستخدم الأفعال مكبرة وأحداث اسطورية: "عتقي لي الغرامَ شعرًا إنَّ " باخوس "ضَعيفٌ أمامَ عشقي وأنتِ إلهةُ الخمر " الشاعر لم يعد يسكر بالعشق فحسب، بل أن الشعر عنده أصبح يسكر، وهو غارق في سكره، لهذا وجد الحبيبة "إلهة الخمر" وهنا يتجاوز الشاعر الأفكار المألوفة ويقدم شكل/مفهوم جديد "إلهة الخمر".

الخاتمة كالبداية تحمل الإثارة والدهشة للمتلقي، فالشاعر يأتي بصور شعرية ومتمردة في ذات الوقت: "نحن الشعراء لا نسكر بالخمر ِ بيد َأنَّا خُلقَنا سكارى إن َّعصرتم قلوبَنا تمطر خمرًا نقي" فالشاعر لا يسكر بالخمر، فلم تعد لها مفعول/أثر عليه، فهو ولد سكرانا، متمرد، لهذا سنجد الخمر تجري فيه كجري الدماء، والصورة الأخيرة تعطينا الخلاصة، فالأفكار/المضمون جاء متناسق ومنسجم مع الألفاظ المستخدمة، "الخمر والسكر" ونجد أثر هذا "السكر، الخمر" على شكل القصيدة التي قدمها لنا "جواد العقاد" فهي قصيدة متمردة، قصيدة سكرانة/مخمورة، تطرح أفكار غير مألوفة، ولن أقول كافرة، لهذا لن نحاسب الشاعر على ما جاء فيها، فهو سكران وعلينا أن نعذره.