الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
'كل عَيب أُحبّه فيك، إلا غيابك'....فراس ياغي
'كل عَيب أُحبّه فيك، إلا غيابك'....فراس ياغي

 

 ليلى كانت الحلم وهي مُستَقبلي المجهول...تنهد حسن وقال: هي من جناح الوطن المحاصر وأنا من جناحه المُحتَل، هي تحت حكم اللذين إنقلبوا وعادوا وأنا تحت حكم مَن عادوا قبل عشرين عاماً بلا سيادة فِعليه وبلا سيطرة على الأرض، هي من جناح الوطن المتواصل مع بعضه، وأنا من الجناح المُقطع جغرافيا والمطوق بجدرٍ عنصريه. راحت ليلى...صرخة من أعماق قلبه...أنفاسه ضاقت به وهو ضاق بكل الأنفاس حوله... ف "ليلى" لم تَعُدْ له وذهبت لواقعها ونَسِيَت أحلامها.

واقع أليم يعيشه الشعب الفلسطيني مثلة "حسن" و "ليلى" فيما يُسمى الداخل الذي أصبح في الحقيقه عِدة "دواخل" أما الشتات فأصبح "أشتات"، لقد أصبح هذا الإنسان المتمسك بفلسطينيته يصارع الحياة وما بعد الحياة، ويطالب قياداته قبل أن يُطالب أحداً آخر بأن تنظر إليه كإنسان بعيداً عن كافة المسميات الأخرى التي شكلت العبء وراء العبء عليه وعلى حياته.

الإنقسام لم يكن وصفه فلسطينيه ولم يكن للشعب الفلسطيني دوراً فيه، هو نتاج صراعات حزبية مثلتها قيادات مُستفيده وتدخلات إقليميه إعترفت بدورها ولا تزال...لكن المعاناة كالعادة تَمسُّ المجتمع ككل والإنسان العادي والفقير بالذات، أما القيادات والنخب وأصحاب "التمكين" فلا خوف عليهم ولن يتغير عليهم شيء، فهم قادريين على السفر والعلاج والأكل والدراسه واللبس والتعليم ولديهم ما يكفي من البيوت الفاخره والعاديه في الداخل والخارج.

أيها الناس: ليس بالخطب والكلمات الرنانه تُحل مشاكلنا، ولا بالدعاءِ وحده يحيى الإنسان، ولا باللقاءات التي أتخمت ومَلَّ الناس منها ينتهي الإنقسام، ولا بالإتهامات ورد الإتهام يتم تبرير ما كان وسَيكون، وحدة الجغرافيا غير مُمكنه بدون وحدة النظام السياسي والإداري والقانوني فكيف يكون الوضعُ حين يكون بين جناحي الوطن مساحة إحتلال، ليس كأرض فقط وإنما وصلت للعقليةِ التي لا ترى غيرها ولا يعنيها ما يعني طموحات وآمال شعبها، فأين نحن من العدالة الإجتماعية النسبيه؟!!!.

إنني أسجل هنا إتفاقي مع كل من يقول أن الوضع صعب ومعقد والآفاق محدوده، ولكن السؤال: متى كان الوضع يزهوا بآمالٍ واقعيه؟ والحقيقه أن البعض من النخب عَكسَ أحلامه وتوقعاته وجعلَ منها واقع كُلّه آمال، فمثلا "أوسلو" بكلَّ حيثياته وبنوده لا ولم يؤسس لدولة ولا لسيادة ولم يضع حداً للإحتلال، والواقع بعد عشرين عاما يعكس ذلك بوضوح، صحيح أنه اسس لكيانية فلسطينيه لا أعرف كيف يمكن وصفها في علم السياسيه ولا أريد أن أقدم لها وصف محدد لأنها على أرض الواقع مُشوهه وأصبحت تُمثل كوكتيل في حدوده وحيثياته عبثية وطنيه نابعه من شراكه إقتصاديه أساسها التبعيه والربح الوفير للنخبه الإقتصاديه المُسيطره وهمها أل "بزنس" وتُفكر في حمايته وتعميقه وتطويره بغض النظر عن مفهوم السياده أحيانا، هل هذا هو "الشرق الأوسط الجديد" للراحل شمعون بيرس؟!!.

إن الشعب الفلسطيني الذي خَسِرَ كلّ شيء عام 1948 وكانت النكبه، ثم جاء عام 1967 لتعزز خساراته، لا يمكن وفي القرن الواحد والعشرين أن يخسر حياته وآماله وطموحاته بسبب من نُخب لا ترى في الوضع القائم إلا التعقيد وعدم القدره ولا تُفكر إلا بطريقة يائسه وبنظره تشاؤميه...الوحدة في النظام السياسي الفلسطيني والوحدة الوطنية بين فئات وتيارات وأحزاب الشعب الفلسطيني هي الوصفه الأولى للخروج من الدائرة الأولى للحصار والفكر المُنغلق والفئوية المقيته...إنني لا أستطيع ولا يُمكنني أن أتفق او أتَفهّم مع من لا يرى أن الوطن اسمى منه ومن حركته وحزبه، وان مواجهة أفكار وطروحات رئيس البيت الأبيض الأمريكي "ترامب" تبدأ بوحدة الشعب الفلسطيني عبر ممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينيه وعبر مؤسسات "السلطه الفلسطينيه" التي اساسها خدماتي وتُمثل نوعا من واقع سيادي محدود جداً ورمزي لكنه يؤسس لمستقبل الكيانيه الفلسطينيه المنشوده.

لا مجال لمن يريد أن يحافظ على الثوابت الوطنيه، إلا أن يُبقي الأمل قائماً، وهذا لا يأتي بالخطابات والكلمات والدعوات والرفض وقول "لا"، إنما بخطوات عملية تبدأ بوحدة وطنية وإجراء إنتخابات حره لتجديد كافة الشرعيات، يقول الخالد درويش "كل عَيب أُحبّه فيك، إلا غيابك"، وغياب الوحدة الوطنيه هو العَيب غيرِ المقبول والوصفه التي سَتُحيلنا إلى أشلاء مُتناثره فلا يُعقل أن يصبح مصيرنا كمصير الشعوب الأصليه في أمريكيا الشماليه "الهنود الحمر"، أليس ما يجري الآن يؤسس لذاك المصير؟!!!!!!!

ودمتم ودام الوطن والمواطن وفلسطين وشعبها.