الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
عناوين دون تفاصيل .... الطاهر العبيدي
عناوين دون تفاصيل .... الطاهر العبيدي

قد تكون كلماتي، كما سطوري، كما حروفي، كما ألفاظي ما بين إكسسوار التفاصيل والذبذبات، قد تكون كل هذه المفردات المغرّبة بلا ميناء، قد تكون هذه العبارات كحلا بلا رموش وأبجديات بلا نقاط، قد تكون كل هذه الجمل كما مثلها هذه السطور وكل الفقرات متلعثمة مرتبكة مبعثرة ومسافة ما بين غربتين، كسيحة القيام والقعود، غير قادرة على تقديم ما يليق بعبارات الشكر والامتنان، لعائلتي، لأهلي، للأحباب،للأصحاب، لرفقاء المهجر والنضال، للزملاء شركاء القلم والأوراق، لأبناء البلد هنا وهناك، للشعراء والكتّاب، للسياسيين من كل الأطياف والألوان، للمعارف والجيران، للمتابعين والقرّاء، لأبناء الوطن العربي سواء من كانوا في مواقعهم أو في الشتات...

لكل هؤلاء الكرام الذين دثروني بالزيارات بالمكالمات بالرسائل بالإرساليات من كل الأقطار والبلدان..للسؤال عن وضعي الصحّي والاطمئنان..  ورافقوني مدة إقامتي بإحدى مستشفيات باريس، بعيدا عن الوالدين وأخواتي البنات.. وبعيدا عن الوطن والأهل والأرض والتراب.. فكنتم جميعا أيها الكرام مضادا حيويا يقيني من الوجع والإحساس بثقل الوحدة والمنفى والاغتراب..لقد كنتم كلكم دون استثناء حصنا ضدّ وجعي، ضدّ تعبي الجسدي، ضدّ الشعور بثقل الغربة والفراق..

أيها المنسكبون كزخات مطر الربيع

شكرا لكم جميعا أيها الكرام، أيها المنسكبون على غرفتي، على هاتفي، على بريدي الالكتروني كزخات مطر الربيع، وكما نسائم صبح الأوطان...

شكرا لكم جميعا، أيها الكرام لوقوفكم جنبي ضدّ وجع جسد أرهقه السفر والرحيل والترحال، ولدغته محنة الهجروالبعد والحنين والفراق..

شكرا لكم جميعا على وقوفكم جنبي ونبل المشاعر. فمواقفكم ستظل منقوشة في الذاكرة والوجدان، وكحلا أكحل بها عيون وطني ضد السكون التاريخي، ضد الاحتباس الحضاري ضد السقوط والوضاعة والانحدار، ذلك لأنّه ما عاد ممكنا إعادة التاريخ إلى زمن القهر، كما ما عاد ممكنا إعادة الطغاة لكرسي الحكم، كما ما عاد ممكنا بعد ثورة الكرامة وانتفاضة الشباب أن يكون الوطن من جديد فريسة بين مخالب القهر والاستبداد..

 دفاتر تأبى الرضوخ والهوان

ولعلني هنا يا كل الأصدقاء والأصحاب والأحباب وأنا الآتي من الصبار والبحر والأصداف.. والقادم من غابات الإكليل والزعتر والصنوبروالكلتوس والعرعار.. والمخزّن لذاكرة المهجر والمنفى والشتات.. والذي لا أملك من حطام الدنيا سوى قلما صاحيا ضد السبات، وأوراقا تأبى الرضوخ والهوان.. لعلني هنا رغم قدرتي على التعبير وتطويع الكلمات، أجد حالي مثل مدن انقطع عنها التيار، تبحث عن بعض نور وضياء.. غير قادر على ترجمة الكثير من المعاني وما يعتمل في الصدر والوجدان، تجاهكم جميعا يا من كنتم جنبي، فحولتم غرفتي بالمستشفي من مكان يخيم عليه الصمت والإبر والضمادات والآلات والجمّازات البيضاء.. إلى موقع نابض بالحلم بالأمل بالأخوّة والحياة.. فرحمة من الله ودفء حضوركم ساعدني على هزم الأوجاع.. فمليون شكر لكم جميعا أيها الكرام.. وتحية إكبار تتجاوز الحدود والجغرافيا والمعابر والجدران، لكل الذين ساندوني في المواقع الاجتماعية بالتضرع إلى الله بالدعاء، من أجل رفع الضرّ وطلب الشفاء.. ولكم جميعا أيها الكرام أقول أنني بفضل رحمة ربّ كريم الآن أتماثل للشفاء..

كلمات تحت الحجم المطلوب

اعذروني كلكم أيها الكرام إن كانت كلماتي هذه تحت الحجم المطلوب، ذلك لأن مواقفكم كانت بالنسبة لي من العيار الثقيل.. ستظل معانيها محفورة في الذاكرة لا يطويها الزمن ولا يصيبها النسيان والذبول..  

وإن كانت الكتابة لديّ أيها الأحبة فعل انتفاضي يحرّض الإنسان ضدّ نفسه، للانتقال به من سكونية الحجر إلى حركية العقل والفكر وجدلية الأسئلة..فإن  المواقف النبيلة من وجهة نظري فعل رقيّ ليست موجودة في الأنابيب البلاستيكية أو في المعادلات الفيزيائية بل هي كامنة في القيم الإنسانية، وهي عنوان من عناوين المشترك القيمي والأخلاقي  للبشرية...