الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كرزم يحذّر: المبيدات 'المسموحة' تستبيح أجسام أطفالنا...
كرزم يحذّر: المبيدات 'المسموحة' تستبيح أجسام  أطفالنا...

رام الله-الوسط اليوم:

حذّر الخبير البيئي ورئيس وحدة الدراسات في مركز العمل التنموي/ معا جورج كرزم من خطورة استمرار تداول بعض المبيدات التي تحوي مواد كيميائية فعالة خطرة وممرضة في مناطق السلطة الفلسطينية والتي مُنع استعمالها في العديد من دول العالم.  الأمثلة كثيرة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، المادة الفعالة ametryne لا يزال يسمح فلسطينيا باستعمالها (دليل الآفات الزراعية المسموح تداولها في مناطق السلطة للعام 2016-2017، وأيضا دليل 2013-2014).  وهذه المادة المحظورة في العديد من دول العالم بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، موجودة في بعض مبيدات الأعشاب (مثل amitrex وamigan 65) التي تنتجها شركة Agan الإسرائيلية، وهي تنتمي إلى مجموعة "تريازين" (triazine) التي حظر استعمالها في دول كثيرة بما فيها إسرائيل، بسبب احتمال تسببها بسرطان الثدي.  وقد تبين وجود علاقة بين التعرض لمبيدات الأعشاب المنتمية لمجموعة "تريازين" واحتمال الإصابة بسرطان الثدي.  ومادة ametryne تحديدا، قد تتسبب بسرطان الثدي، وهبوط في الخصوبة وإعاقة في النمو وتلف في الجهاز العصبي.

أبحاث كثيرة، وفق كرزم، جرت حول تأثيرات المبيدات الكيميائية على أنظمة الإنسان الهورمونية، فوجدت أن العديد من هذه المبيدات قد تتسبب بأمراض متنوعة وخطيرة مثل السرطان والباركنسون (هذا المرض الأخير عبارة عن اضطراب في الجهاز العصبي المركزي يؤثر بشكل أساسي على الجهاز الحركي، فيصاب المريض بالرعاش والانقباضات والارتجافات وتشوهات في المشي والحركة؛ وفي مراحل المرض المتقدمة قد تظهر أعراض الاكتئاب الشديد والخرف).

ومن أبرز الشكوك التي يمكننا طرحها حول "المعايير العالمية" المزعومة لتركيز المبيدات وكمياتها المستعملة في الزراعة وما يسمى "الحد الأعلى المسموح به" لمتبقيات المبيدات في الخضار والفاكهة- من أهم هذه الشكوك أن كمية المبيدات "الآمنة" (بحسب مزاعم شركات المبيدات ووكلائها ومروجيها) المستخدمة في المحاصيل، لم يثبت بأنها "آمنة" للأطفال وبالتالي لا تتسبب لهم بأمراض خطيرة.   فمن المعروف علميا أن حساسية الأطفال والأولاد للمبيدات الكيميائية أكبر بكثير من البالغين؛ ذلك أن أجهزة وخلايا الأطفال والأولاد لا تزال في مراحل النمو.  الأبحاث أثبتت أن المبيدات قد تخرب النمو الطبيعي للخلايا، ما يعني أن الأولاد معرضين لحدوث أضرار في النمو؛ الأمر الذي لا يتواجد لدى الكبار.

علاوة على ذلك، قد تتواجد متبقيات المبيدات الكيميائية باحتمالية مرتفعة، في الأغذية المصنعة التي نستهلكها أيضا.  بالإضافة إلى أن المبيدات التي ترش في الحقول يتم امتصاصها في باطن الأرض فتتسرب إلى المياه الجوفية وبالتالي إلى المياه التي نشربها.  كما أن الأمطار والفيضانات تدفع بالمبيدات نحو الوديان والينابيع وصولا إلى البحر، وبالتالي تمتصها الأسماك وسائر الحيوانات المائية.

التعرض للمواد الكيميائية الخطرة يحدث ليس فقط لدى تناولنا وشربنا المنتجات الغذائية التي تحوي تلك المواد، بل أيضا من خلال الجهاز التنفسي والملامسة الخارجية، وبخاصة لدى تواجدنا في محيط المنطقة المرشوشة بالمبيدات.  وفي هذه الحالة أيضا، الأولاد معرضون للخطر أكثر من الكبار؛ ذلك أنهم يتواجدون في الخارج أكثر من البالغين، ويلهون ويلعبون على الأرض وفي المساحات المفتوحة المحاذية للمناطق المرشوشة بالمبيدات. 

 

لا حماية لأطفالنا من الكيماويات

وأشار كرزم إلى بحث نُشر عام 2016 في المجلة العلمية المرموقة Pediatrics، والذي اعتمد على تحليل 16 بحثا- بين أن لدى الأولاد الذين يتعرضون لمبيدات الحشرات داخل المنزل، احتمالية مرتفعة للإصابة بسرطانات الدم والغدد الليمفاوية.  كما وجد الباحثون أن احتمالية الإصابة بسرطان الدم قائمة أيضا لدى التعرض لمبيدات الأعشاب.  وقد ربطت دراسات أخرى تطور اضطراب في السمع والتركيز لدى الأطفال إثر تعرضهم لمبيدات الآفات؛ فضلا عن ضعف معدل الذكاء لديهم. معدل ذكاء الأطفال في ولاية كاليفورنيا الذين تعرضوا لمستويات مرتفعة من مبيدات الآفات، وتحديدا عندما كانوا أجنة، كان أقل بسبع نقاط في المتوسط من غيرهم. 

حاليا لا تتوفر في المستوى الفلسطيني، وفق كرزم، البيانات اللازمة لتحديد مستويات متبقيات المبيدات، بحيث تأخذ في الاعتبار حماية أطفالنا.  ولغاية كتابة هذا التقرير، لا يوجد فلسطينيا عملية جمع منتظمة للبيانات المتعلقة بالنظام الغذائي للأطفال في الضفة الغربية وقطاع غزة، ليتم استخدامها في حساب مستوى "الحد الأعلى" المسموح به لمبيدات الآفات في غذاء الأطفال تحديدا.  وعلينا أن نتذكر بأن النظام الغذائي للأطفال لا يكون متنوعًا دائمًا كما في حال البالغين، وهذا له تأثير كبير على المخاطر التي قد يتعرض لها الأطفال.  يمكننا أن نأخذ مثالاً على ما يحدث في الولايات المتحدة، حيث احتفل العام الماضي بمرور 20 عامًا على قانون حماية جودة الأغذية  (Food Quality Protection Act)- وهو قانون ينظم، من بين أمور أخرى، مبيدات الآفات.  

القانون المذكور وفّر فعليا للأطفال حماية خاصة ضد المبيدات، وذلك باستخدام البيانات التي فحصت العادات الغذائية للأطفال والرضع، وبالتالي أُخِذ ذلك في الاعتبار عند تحديد جرعة المبيدات "المسموح بها" في المنتجات الغذائية التي يستهلكها الأطفال والرضع.

وبموجب العديد من القوانين الأوروبية والأميركية، تتم متابعة وفحص ليس فقط كمية وتركيز مبيدات الآفات المسموح استخدامها (كما الحال في مناطق السلطة الفلسطينية)، بل يتم أيضًا فحص وجود المادة الكيميائية في المحصول نفسه؛ ما يؤثر بالطبع على كمية المادة التي يبتلعها المستهلكون عبر الطعام.  وعلى نفس القدر من الأهمية، يتم  في الولايات المتحدة وفي العديد من الدول الغربية تكييف القيود التي يضعها القانون بما يتناسب مع الشرائح السكانية الأكثر حساسية - أي الأطفال والرضع.

القانون الأميركي يسمح بشكل افتراضي استخدام 10% فقط من تركيز مبيدات الآفات التي تعتبر "آمنة" للبالغين. والفكرة هي تقييم المخاطر على المجموعات السكانية الأكثر حساسية، وذلك بهدف تحديد مستوى الاستخدام لجميع السكان، ولتجنب احتمالات المخاطرة بإيذاء الشرائح السكانية الحساسة.

 

غياب المعايير والقوانين الصارمة

وزارة الزراعة، في إطار الواقع الزراعي الكيميائي الفلسطيني القائم حاليا، هي التي تقرر المبيدات المسموح أو الممنوع تداولها، وذلك استنادا إلى توصيات اللجنة العلمية المكونة من الوزارات والجهات الحكومية ذات الصلة.  ونظريا، هذه اللجنة هي التي تحسم فيما إذا كان مبيدٌ محدد يشكل خطرا على الإنسان و/أو البيئة.  ولدى تقييم المخاطر، فإن القرارات تؤخذ بشكل إجمالي استنادا إلى اعتبارات تتعلق بالآثار المحتملة على مجموع السكان.  وبحسب المعلومات المتوفرة لدينا، لا توجد لدى وزارة الصحة الفلسطينية معطيات كاملة تتعلق بالنظام الغذائي لدى الأولاد في مناطق السلطة الفلسطينية؛ وبالتالي فإن تقييم المخاطر المتصلة بالمبيدات لا تأخذ في الاعتبار الأطفال والأولاد، بل فقط البالغين، واستنادا لاعتبارات تسويقية.

ويفترض بالمشرع الفلسطيني أن يبادر إلى تشريع قوانين صارمة تنظم عملية استعمال المبيدات الكيميائية وتقلل بالتالي من المخاطر الناجمة عن استخدامها؛ بما في ذلك تحديد المسافة الوقائية بين الحقل المرشوش وأقرب منزل، لحماية المواطنين.  فضلا عن تغيير الطريقة الحالية المتبعة في ترخيص المبيدات (والتي تتسم أحيانا بالعشوائية) وإتباع منهجية علمية واضحة وشفافة في كيفية تحديد المبيدات "المسموحة" و"الممنوعة"، والأهم من ذلك تحديد مواصفات ومعايير دقيقة للمتبقيات الكيميائية "المسموحة" في المحاصيل تأخذ في الاعتبار الشرائح السكانية الحساسة، وبخاصة الأطفال والأولاد (علما أن الأصل أن تكون نسبة المتبقيات صفر).

 بالإضافة إلى تقليل استعمال المبيدات الكيميائية بشكل عام، وبخاصة في الساحات العامة والحدائق، ورسم خطة عمل وطنية لتحديد فترة زمنية محددة (عشر سنوات مثلا) للتخلص نهائيا منها في المستوى الفلسطيني، وحظر استعمالها واستبدالها بطرق المكافحة الطبيعية والعضوية والميكانيكية والزراعية والبيولوجية.  علاوة على إنشاء بنك معلومات وطني خاص باستعمالات المبيدات وأماكن انتشارها، واستثمار الموارد اللازمة في التربية والتوعية والإعلام والإدارة البيئية المستدامة للأراضي والمشاريع الزراعية.