الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قيادات مأزومة....أحمد طه الغندور
قيادات مأزومة....أحمد طه الغندور

 

 لعل من أصدق ما قيل في القيادة ما أورده "جون سي ماكسويل" خبير القيادة: " بأن مقياس القائد ليس بعدد من يخدمونه، بل بعدد من يخدمهم"، لكن يبدو أن هذه الحكمة قد غابت عن الكثير من التنظيمات الفلسطينية في الآونة الأخيرة.         

فقد يمكن تلمس ذلك من خلال الندوات الفكرية التي تعقد في فلسطين لبحث البنى الفكرية للفصائل الفلسطينية المختلفة، والتي تهدف إلى محاولة النهوض بهذه التنظيمات بعد حالة التردي التي وصلت إليها، وغالباً ما يتحول النقاش فيها إلى نوع من "الشخصانية" والانزواء في خندق الفصيل أو التنظيم والتهجم على القيادة الفلسطينية أو مؤسسات منظمة التحرير، ومن ثم الابتعاد عن القضايا الجوهرية التي تعني الشعب الفلسطيني في محنته الممتدة قرابة قرن من الزمن.

ومن الواضح أن هذه المعضلة باتت ملموسة في كافة الفصائل الفلسطينية مهما كانت صفاتها ومرتكزاتها الفكرية؛ وطنية أو مذهبية، وسطية أو يسارية فلا فرق، فقد أصاب الجميع هذا الداء وربما يرجع السبب في ذلك إلى استفراد " الشيوخ " بالسلطة في هذه التنظيمات والتشبث بالقيادة مما دفع اليأس في نفوس الشباب من بذل الجهد المناسب والمشروع للمشاركة في أعباء المسؤولية، كذلك فإن انشغال التيارين الكبيرين " فتح وحماس" بأعباء الحكم في شقي الوطن دون اعتبار لمظاهر الترهل والتردي التي ضربت هذين الفصيلين مما أوجد هذا الداء، ومازال يزداد استفحالاً دون بذل أية جهود حقيقية للتخلص منه، ومن المؤكد أن الانقسام الفلسطيني قد جعل الأمر يزداد سوءاً.

وقد احتارت التنظيمات الفلسطينية الأخرى، وخاصة اليسارية منها بين التنظيمين المتخاصمين، وربما يمكن القول إنها فقدت البوصلة في البحث عما يهم الشعب الفلسطيني فأصبحت تجامل هذا وتهاجم الأخر وفقاً لوجودها الجغرافي في الوطن وحرصاً على استمرار قادتها في حصاد مكاسب مادية وامتيازات عائلية أو فصائلية لبعض أعضائها دون البعض الأخر بشكل أضحى واضح لجموع الشعب الفلسطيني.  

وإذا أضفنا للانقسام سبباً أخر يرتكز على النشأة التاريخية لبعض التنظيمات الفلسطينية التي يمكن وصفها بالتنظيمات " الهامشية " والتي عاشت منذ نشأتها على موائد الكبار من التنظيمات الفلسطينية أو بعض الدول العربية فكان التعامل معها على خلفية الرشوة والابتزاز.

إن هذا الوضع لا يمكن السماح باستمراره وعلى جموع المثقفين في الشعب الفلسطيني من كافة ألوان الطيف السياسي والفكري أن تتصدى لهذه الظاهرة لأنها باتت معول هدم يسبق الاحتلال في تدمير القضية الفلسطينية، ويجب أن ندرك أن هذه "القيادات" باتت تعمل ضمن معادلات معينة وكأن ثمة تنسيق مباشر أو غير مباشر فيما بينها لإبقاء أزمة الانقسام موجودة في فلسطين، مع العلم بأن أزمة الانقسام شرعت في التدحرج نحو الانفصال النهائي بين شقي الوطن. فما العمل إذن؟

بدايةً يجب أن ندرك أن هذه القيادات يمكن وصف البعض منها بما جاء في حديث الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بـ " الرويبضة "؛ قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: " الرجل التافه يتكلم في أمر العامة “، وإن شئتم أن تسمعوا تفسير ذلك بلغة العصر، فها أنا أوردها كما بينها الفيلسوف الكندي المعاصر " ألان دونو" في كتابه " زمن التفاهة "حيث يرى فيها " أن التافهين قد حسموا المعركة، من دون اجتياح الباستيل (إشارة إلى الثورة الفرنسية) ، ولا حريق الرايخشتاغ ” البرلمان الألماني ” (إشارة إلى صعود هتلر في ألمانيا) ،ولا رصاصة واحدة من معركة «الفجر» (إشارة إلى المعركة الأسطورية بين بونتا و براكمار).

 يقول: " ربح التافهون الحرب، وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه، “وأن السياسي صار في تلك الصورة السخيفة مجرد ناشط لوبي لمصلحة " زمرته " وعليه أن يلعب اللعبة بما فيها من تفريغ للسياسة والشأن العام".

لذلك لابد من التخلص من القيادات " المأزومة " والتافهة كما وصفها دونو ولا يكون ذلك إلا بإعادة معاني الكلمات إلى المفاهيم الجوهرية " فالوطن يجمعنا "، والتلازم بين الفكر والعمل ضرورة ملّحة فلا ينبغي الوقوف عند التجربة وإضاعة الوقت بما لا يجدي، فالوطن ينهب كل يوم والفلسطيني يُفتل أو يُهان دون إي إحساس بالمسؤولية لدى هذه القيادات، ولا يجب السماح بلغة التوتير والفرقة الصادرة عنهم أن تقودنا نحو مزيد من التشرذم والضياع.

من هنا ندرك أن على المخلصين وخاصة الشباب المثقف الواعي، المؤمن بفلسطين قضيةً وشعباً لابد أن ينهض لدى كافة الفئات مطالباً بالإصلاح وإنهاء الانقسام والتفرغ لاستعادة الوطن، وإلا فهم الأسوأ.

هم العبيد للروبيضات أو التافهين من القيادات المأزومة.