الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الفدائي الذي نُحب؛ فاضل يونس مثالا......مهند طلال الاخرس
الفدائي الذي نُحب؛ فاضل يونس مثالا......مهند طلال الاخرس

 ان اردت التعرّف عليه بصفاته وسماته فأنت تبدأها بالفدائي وبطل الدوريات البحرية الى الارض المحتلة ومن القادة المؤسسين للحركة الاسيرة ونضالاتها والمناضل الصلب والكاتب الاثير الذي ينطبق عليه المثل القائل لكل كاتب من قلمه ماتعود. وان اردت التعرف اليه عبر سيرة حياته وبطاقته الشخصية ستعرف بأنه من مواليد عام 1945 في قرية عرعرة بمنطقة المثلث، تلك البلدة التي سطرت اسمها بأحرف من نور ونار حيث اصبحت ومنذ الاحتلال رحما ولّاداً لانجاب المناضلين الافذاذ كماهر يونس وكريم يونس عميد الاسرى وحمزة يونس بطل الملاكمة وبطل الهروب الكبير من سجون الاحتلال وبطل الدوريات والعمليات الفدائية وغيرهم الكثير من ابناء عمومتهم فكانو فعلا ملح الارض وبارود الثورة. بعد نكبة فلسطين عام 1948 لجأ فاضل يونس مع عائلته إلى منطقة نابلس، وأتم تعليمه في الزرقاء ومرج نعجة والجفتلك، وغادر إلى الكويت عام 1967 والتحق بالكلية البحرية في الهند، وتقلّد بعد ذلك منصب مساعد كابتن في البحرية الكويتية. وبعد حرب حزيران عام 1967 التحق في صفوف حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وانضم إلى قوات الثورة في لبنان، ومن هناك قاد مجموعة بحرية في عملية فدائية إلى داخل فلسطين، حيث كانت تتولى هذه المجموعة تزويد مجموعات الداخل بالسلاح والمتفجرات، تُقل ليلا بواسطة قوارب سريعة تنطلق من الشاطيء او بواسطة ما اصطلح على تسميته بالسفينة الام الى منطقة قريبة من شاطيء عكا حيث يتم القائها في البحر، بعد ان يتم ربطها في عوامات خاصة، على ان تتولى المجموعات العاملة في الداخل انتشالها صباحا بعد تلقيها الشيفرة الخاصة بذلك بواسطة الطرق المعتمدة والمتعارف عليها كاذاعة صوت العاصفة، ومن ثم يصار الى نقلها بواسطة قوارب الصيد الى الاماكن المخصصة لها ، حيث تستعمل في العمليات الفدائية داخل الارض المحتلة. وقد تم اكتشاف افراد هذه المجموعة وإلقاء القبض على أفرادها من قبل سلطات الاحتلال قرب شواطئ عكا حيث تم اسرهم، وقضت محكمة الاحتلال بالحكم على قائد هذه المجموعة الفدائي البطل فاضل يونس بالسحن لمدة عشرين عاما، لينتقل فاضل يونس في موقعه الجديد من العمل العسكري إلى العمل الإبداعي والثقافي داخل السجون. يعتبر فاضل يونس من مؤرخي ومبدعي الحركة الأسيرة ومن الأوائل الذين أبرزوا ثقافة الأسر وأدب الاعتقال وناضل من أجل أن ينشر هذا الأدب للعديد من الأسرى المبدعين الذين وثقت نتاجاتهم الفكرية والفنية تجربة الاعتقال، وأصبحت وثائق صارخة كشفت مدى وحشية الاحتلال .

لقد ضاع الكثير من الكتابات التي سطرها الأسرى بسبب الملاحقة من قبل السجّانين، وصودرت العديد من الكراسات والأوراق الثقافية التي ألفها الأسرى في ظل مواجهات قاسية لم تقتصر فقط على مجرد الاعتقال وإنما استهدفت شطب وتدمير الأسير ثقافياً وإنسانياً ووطنياً وعزله عن العالم الخارجي. كتب فاضل يونس أكثر مما نشر، ولكن هذه الكتابات تم إلقاء القبض عليها من قبل السجّانين وأعدمت، يقول فاضل يونس حول ذلك: لقد كتبت ستة روايات ومجموعة قصص قصيرة وهي: طقوس الحرية، رؤى العودة، دافع عن سلاحك، صمت السياط، اليد التي تناطح المخرز، ولكن أكثر هذه الابداعات فقدت وضاعت داخل السجن. وله عدة مؤلفات اخرى أبرزها "زنزانة رقم 7"، وكتاب "عودة الأشبال"، وكتاب "حجارة الوادي" ومن وحي التجربة الاعتقالية، على ضفاف الأمل، مازلت وحدك يا إبن أمي. "زنزانة رقم 7″ هي أولى الكتب واانصوص الادبية التي كتبها فاضل يونس داخل السجن، والتي توثق معاناة الأسرى وأحلامهم، بطولاتهم وصمودهم، وخاصة في المرحلة الأصعب من حياة السجون وهي مرحلة البدايات حيث القمع والتنكيل وسياسة التدمير الممنهج للانسان وارادته بغية اصابته في مقتل وكسر ارادته وشوكته واخراجه من حالة الآدمية والتعامل مع الأسرى كأنهم كائنات اخرى ليسوا من بني البشر. " زنزانة رقم 7" كتاب يصفع قارئه بقسوة أرض الواقع، ويجعله يطل من ثقوب أبواب الزنازين المقفلة ليتأمل آلام أسرى السجون الصهيونية. الامل الذي فيه مؤلم حد البكاء، والألم الذي فيه موجع حد الموت. كتاب ياخذ اسلوب الرواية التي تعتمد حبكتها على تصوير الواقع الاعتقالي للاسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال، والكاتب يستخدم لغة بسيطة وسلسة وبعيدة عن التكلف حتى انها تكاد تكون باردة كبرودة الزنازين نفسها وقاسية كقسوة الاحتلال والاعتقال نفسه.

كتاب يستحق ان يقرا وسيرة تستحق ان تبقى. بقي ان نشير الى ان اهمية هذه الرواية تكمن بأنها واقعية ومستمدة من تجربة شخصية مباشرة للكاتب والمناضل المرحوم فاضل يونس. يقول فاضل يونس في مقدمة هذه المجموعة في رسالة وجهها إلى أحد مسئولي دور النشر بتاريخ 16-1-1983: لا أستطيع أن أشرح لك الظروف التي أكتب فيها وكيف أنسخ وما هي المعجزات التي يجب أن تتحقق كي تفلت أوراقي من غارات التفتيش الليلية والنهارية، وبعد كم من المحاولات المضنية تتحقق معجزة واحدة لإخراج القصة خارج الأسوار وانتزاعها من الحراس. ويضيف: لقد أراد المحتلون من حبسي ليس فقط معاقبتي وإذلالي وإنما أن يحول السجن بيني وبين مواصلة النضال، لكن لم يستطع تحقيق ذلك لأنني وإخواني حوّلنا السجن إلى معتقل ثوري ومدرسة كوادر، وقد استعنت عن البندقية بالقلم مؤقتاً، وبرهنت للجلادين أن اعتقالي لم يحبطني، فنفسي لا زالت حرة، وروحي لا زالت طليقة وعطائي للشعب لن يتوقف أبداً.

من يقرأ روايات فاضل يونس يجد أن الأسماء حقيقية: شهداء وأحياء ومفقودين، وأن المشاهد والأحداث دامية وقاسية، وكان حريصاً أن لا يترك شيئاً داخل المعتقل إلا ويوثقه ويضعه في قالب قصصي، كأنه كان يقود هجوماً ضد زمن السجن والنسيان، يرمم الذاكرة ويحفزها ليوم جديد في التاريخ والمستقبل. كان فاضل يونس أول من وثق في إطار أدبي وروائي العملية الفدائية لمجموعة الشهيدة دلال المغربي عندما اقتحمت ساحل فلسطين 1978، وذلك من خلال شهادات من اعتقل من المجموعة والتقى بهم الكاتب في السجن، كالأسير حسين فياض والأسير خالد إبراهيم ابو اصبع. فكتب روايته الهامة “عودة الأشبال” في سجن بئر السبع. ويقول حول ذلك: استضفت الأسير حسين فياض في زنزانتي ليوم واحد فسرد على مسامعي أحداث عملية الساحل وأجاب على كل الأسئلة التي وجهتها له، وأعطاني أوصاف أبطال العملية، وحينها شرعت بوضع الخطوط العريضة للرواية. قبل وفاته كتب فاضل يونس سيرته الذاتية تحت عنوان “من وحي التجربة الاعتقالية” موضحاً في مقدمتها أن التجربة الاعتقالية جديرة بأن تدوّن وذلك لكونها جزء من تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله المرير من أجل الاستقلال والحرية، وقال: "لا بد أن نؤرّخ لكي لا ننسى". كان الراحل والباقي فينا _وهذا آخر اسمائه والقابه التي حازها بيننا بجدارة_ فاضل يونس قد تم ابعاده بعد اعتقال امتد اكثر من 16 عاما الى خارج الوطن، حيث استمر في مشواره النضالي حتى عاد الى الوطن عام 1994 والتحق بمؤسسات السلطة الوطنية، حيث عمل في التفويض السياسي. وكعادة الشعب الفلسطيني في سيرته وصيرورته استمر فاضل يونس في قيادة سفينة الحرية حتى آخر رمقٍ من حياته؛ حيث شاءت ارادة الله أن يصادف يوم رحيله في نفس يوم ذكرى الأسير الفلسطيني، اذ استشهد بعد معاناة طويلة مع المرض في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني 17 نيسان 2010، تاركاً ورائه سيرة نضالية عطرة ومسيرة ادبية مميزة كفيلة بان تحفظه وتحفظ تاريخنا من النسيان. فيا سعد رفوف مكتباتنا بهذه الكتب التي تعتليها بجدارة ويا سعد ثورتنا بروادها الاوائل فهم كالشمس في اول طلوعها وكالقمر حين اكتماله.