الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
حوار مع الروائية السورية الشابة غنوة فضة...أوس أبوعطا
حوار مع الروائية السورية الشابة غنوة فضة...أوس أبوعطا

رحيق الأوراق مع الشاعر أوس أبوعطا

إضاءة : غنوة فضة،أديبة سورية شابة، من مواليد اللاذقية 1987 تكتب الرواية والقصة والمقالات الثقافية، صدرت لها روايتها الشهيرة "قمر موسى" ولها مجموعة قصصية تحت الطبع. تكتب غنوة فضة في عدة مجلات على رأسها قلم رصاص حيث تخصص لها مقالة شهرية. كان لنا شرف اللقاء بها وإجراء هذا الحوار الهادف معها.

في مطلع روايتك ( قمر موسى ) سلطتِ الضوء على دوستوفسكي وكافكا وتولستوي وبالكاد ذكرتِ حنا مينا، ككاتبة عربية ألم يكن حرياً بك أن تسلطي الضوء أكثر على غسان كنفاني أو يوسف إدريس وهما روائيين ومناضلين كبيرين خاصة أن غسان استشهد بسبب قلمه و نضاله؟

 

صحيح , ظهر تأثير قراءاتي في الأدب الروسي , والغربيّ كَكُل ,  جليّاً في بداية النص , و لكن , لا بدّ أن أُنوِّه إلى الشواهد و الأحداث في منتصف الرواية , والتي استوحيتُها أيضاً من قراءاتٍ في الأدب العربي بما يخدم موضوع الرواية و اتجاهها الدرامي , مثل : عميد الأدب " طه حسين " ," أنيس منصور" , " مصطفى صادق الرافعي " , كما برزت من خلال أحاديث بعض شخوص الرواية أسماء في الأدب التركي . أما عن عدم ذِكر اسم الكبير " حنا مينة " أو المناضل و الأديب " غسان كنفاني " فإن هذا لا يعني أنني لم أطّلع على أعمالهما العظيمة , فمن لم يقرأ" الشراع و العاصفة " و يغرق  , أو حتى " مأساة ديمتريو ", ومن لم تقرأ مقالات " غسان " و مراسلاته ولم تخرج له عاشقة ولو بالسرّ . لذا فإن ,عدم تطرّقي لهذه الأسماء الكبيرة لا يُقلِّل من أهميتها , ولن يُضيف النور لبريقها الساطع كما الشمس في سماء الأدب , كلّ ما في الأمر أن المنحى الدرامي لأحداث الرواية وجدَ في الكآبة الكافكاوية , والحزن الدوستويفسكي السرمديّ , ضالَّتَهُ , و بالتالي تمسَّكتْ خطوط الحكاية بهذه الصبغة حتى النهاية .

"وأما الغريزة ..فقد كانت تشعل النار في أفئدتهم إذا ما مر في بالهم صورة قوامي الممشوق وتضاريس جسدي الذي بسببهم أصبحت أمقته بقدر مايشدهم" أنا هنا أقتبس من رواياتك ..أنت تتحدثين عن شبان العائلة التي أنت الفتاة الوحيدة فيها، هل لازال العقل الجمعي العربي ذكورياً محضاً لايرى في المرأة سوى وليمة على السرير كما وصفه نزار قباني ؟

 

 أعتقد , أنك بمجرد أن تكبس زرَّ تلفازِك , وتقوم بجولة صغيرة بينَ الفضائيات بكافة أسمائها و أشكالها و أَعلامها , فٍسوف تحصل على الإجابة الشافية و الوافية .

أجل , أراهُ كذلك . لا زال العقل البشريّ الجمعيّ " ذكوريَّاً " , حتى ولو أَظهر عكس ذلك , وامتهنَ بمهارةٍ إخفاءَ تلك الثيمة المتجذرة فيه منذ أن عاش في الكهوف , ربما يخفُّ تأثير ذلك من بلدٍ إلى آخر , ومن منطقة جغرافية إلى أخرى , تبعاً للتأثيرات العقائدية و الدينية و منظومة الثقافة التي شكلت صورة المجتمع , ومع ذلك , أرى أن المرأة لم تتحرر بعد بالشكل الذي ينبغي أن تكون عليه , بل هي تُسهِمُ دون أن تشعر في تحقيق عكس المرجوّ من التحرر بالصورة التي وصلت إليها اليوم , وطالما أن غالبية المجتمعات     ( العربية تحديداً ) لا زالت تعجُّ بظواهر العنف , و تزويج القاصرات , وحرمان المرأة من إكمال تعليمها و تعلُّمها , فإن المشهد الكلي لا زال غارقاً في صفتِه الذكورية حتى ولو خرجت فيه المرأة للعمل , فهي – المجتمعات – تُخرِج مخزونها الشرقي و موروثَها البدائيّ و تعيدُها بعَدّ العمل , لتلُفَّ خاصرتها بالليفة و المريول عصراً , وحزام الراقصات مساءً .

 

ما هو الطريق الأقرب للجائزة ..التعاقد مع دار نشر من العيار الثقيل؟ أم مناهضة المجتمع والسباحة عكس التيار ؟ أم الموهبة؟

أظنُّ أن جميع ما ذكرتَ من عوامل , تتضافر مع بعضها لصنع عمل أدبي مهمٍّ قادر على الحصول على جائزةٍ ما .

من خلال اطلاعي على كثير من الأعمال التي حازت جوائز , وجدتُها ( أدبيّاً ) في غالبيتها تعود لأقلام ماهرة محترفة , وأصحاب مواهب مصقولة كما الألماس , دون أن أغفل عن القاسم المشترك الأكبر بينها و هو صورة التمرد على القهر و الظلم أينما وُجِدَا . هناك نصوص ناهضت سلطات بلادها , ناهضت الحرب , والاحتلال , والعنف , وكل ما يُجرِّدُ الإنسان من إنسانيتِه , وتلك هي غاية الأدب , أن يكون إنسانياً بالقدر الذي يستطيعُه , و لا أعتقد أني قرأتُ يوماً عملاً حاز على جائزةٍ عربية أو عالمية , و وجدتُهُ لا يستحقُّها , ثم هناكَ البلدان و الجهات الثقافية الراعية للجوائز , لا أعتقد أن من بينها من يودُّ إحراجَ نفسهِ و تقديم عمل غير لائق بها .

أما عن علاقة الجوائز بالسياسة و جعلها وسيلة استفزازية وحرباً ناعمة خفية ,تنشأ تبعاً لجهاتٍ سياسية معينة , فتلك حكاية أخرى .

 

البيئة تؤثر دائماً في المبدع وهو يؤثر فيها، ما أضافت لكِ بيئتك المحيطة؟

الأديب ابن بيئتِهِ , ولو كان الواجبُ يُحتّم عليه الخروج عنها لتكون نظرتُه أعمق و أشمل , إلا أنهُ لا بدّ أن يسكبَ في مَعينِ قلمه من صلب ذاتِه و بيئتِهِ . بيئتِي المُتَمثِّلة بنشأتي في كنف عائلة تربوية كان له التأثير الأكبر , وعمل والدتي كمربية ومعلمة , إضافة لأخواتي الخمس المعلمات أيضاً بانَ واضحاً في روايتي الأولى . هذا الجو أكسَبَني اطلاعاً عميقاً على كثير من النظريات في علم النفس و التربية العامة و الخاصة و إضافة لِميلي في اكتساب كل ما يتعلق بعلم البرمجة العصبية اللغوية . ولن أغفلَ هنا عن صاحب التأثير الأكبر عليَّ , والدي , كقارئ و مُطَّلع على المنظومة الثقافية , وحرصه الشديد على رفدنا بالكتب بجميع أنواعها و مواضيعها منذ الطفولة وحتى الشباب . إضافةً لدراستي في كلية التربية و عملي مع الأطفال و أخصّ بذلك عملي في منظمة اليونيسيف بين عامي 2012- 2015 أثَّر في كتاباتي , وهو ما سيظهر جلياً في كتابي القادم , والذي سيكون الطفل محوره الأساس .

 

الخوف من التوقف عن الكتابة تدفع البعض للاستمرار، هل لديكِ هذا الهاجس؟

حبسة الكتابة , أو ما أُسمِّيه نضوب الاستفزاز الكتابي , هاجسٌ يُعانيه كل من يعمل في الكتابة و توليد النصوص السردية , سواء في القصة أو الرواية . وهناك أعلام كبيرة في الأدب تحدَّثت علناً عن المعاناة من حبسة الكتابة . بالنسبة لي , لا أكتب إلا عندما تسكنني الكتابة , وتصبح الأفكار شبه مكتملة في مخيلتي , وحتى تنضج شخوص النصوص ومناحي الحكايات , ففي الرواية أستطيع أن أُجَزِّئ الوقت تبعاً لواجباتي و مسؤولياتي كأُمّ ومعلمة , وكثيراً ما يكون خلق الوقت الخاص بالكتابة و إيجاده هو التحدي الأكبر في الحياة و يصبح أشبهَ بمهمة مستحيلة. أما بالنسبة للقصة القصيرة فقد تكون مكتملة بشكلٍ تقريبي في ذهني , فأسرُدُها دفعة واحدة على الورق أو قد تحتاج في بعض الأحيان إلى ما يقارب أسبوعاً كاملاً.

 

أطغت الحرب على مفردات غنوة فضة كما طغت على التلفاز والبرامج والمسلسلات؟

لا , لا أعتقدُ أن الحرب طغت على مفرداتي , بل على العكس , أجِدُ أن المفردات التي لجأتُ إليها كانت وسيلة للهروب من واقع كل ما فيهِ أسود , في " قمر موسى " اقتربت الكلمات لتلامس أرهفَ ما يمكن في القلب الإنساني , لتكون الرواية ككل هروباً أو صرخة في وجه عالم يوشكُ أن يُطبقَ بفكي قتامته على حياتنا , ويُصرُّ على تحويل البشر إلى وحوش بأثواب باهية داخل مشاهد ظلامية بلا نهاية , لذا جاء النص خارج هذا الإطار كلياً و استخدم المفردات التي تخدم تلك الغاية.

رسالتك الأخيرة في هذا الحوار ؟

رسالتي أو كلمتي الأخيرة ؛ هيَ لبعض الجهات الراعية للمشهد الثقافي و الأدبي , ربما دعوة  للاهتمام بشريحة الشباب التي تعاني تهميشاً فكرياً و ثقافياً في هذا العصر , ولا تجد راعياً و لا موجّهاً لطاقاتها الكامنة و الظاهرة , والتي أصبح  جلُّها ينصرف  - في غالب الأحيان- بما لا ينفع و لا يجدي , الأمر الذي يجعلها طاقات مهدورة . أمنياتنا ؛ خلق بيئة ثقافية تُعنى باستثمار هذه الطاقات و تُعيدها إلى جادة الصواب , لا سيما في سوريا , بعد الانتصار في مواجهة كل من يصر على إيقاف عجلة الحياة فيها , والرغبة النَّابتة في صدور السوريين على عودة الحياة بكل أطيافها إلى جميع جوانبها الاقتصادية و الاجتماعية , وهنا لا بد بالتالي من نهضة في المناحي الثقافية تودي لفتح مسارب و دماء جديدة تفتح آفاقاً لسورية الخلاقة المبدعة القادرة على الوقوف مجدداً بأبهى الحلل و أحلاها .

خالص شكري و تحيتي لك على منحي الفرصة للحوار , أملنا بشعبنا و جيشنا المقاوم كبير , و أحلامنا لا زالت كما كانت قبل الحرب وبعدها ؛ حدودها السماء و غايتها الأرض و الوطن و الإنسان .