الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الاعتماد على الأنظمة العربية والنضال لنيل الحرية خطان متوازيان لا يلتقيان....تميم منصور
الاعتماد على الأنظمة العربية والنضال لنيل الحرية خطان متوازيان لا يلتقيان....تميم منصور

 الأعمال التعسفية التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة ، خلال الأسبوع الماضي ، ولا زالت مستمرة حتى اليوم ، تميزت هذه الأعمال بالشراسة والوحشية سقط خلالها أربعة شهداء ، كما تخللها هدم عدداً من البيوت ، هذا إضافة الى غارات المستوطنين على أملاك المواطنين الفلسطينيين ، وقد أقدم هؤلاء الوحوش على قطع طرق المواصلات المؤدية الى المجمعات الفلسطينية للسكان . رغم هذه الاعمال اللا إنسانية والتهديد المستمر بتكرارها ، قدم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مكافاة لهؤلاء العنصريين ، بأن أعلن عن إقامة المزيد من البؤر الاستيطانية ، وأعلن أنه سوف يعترف بالبؤر الاستيطانية العشوائية على أنها مستوطنات شرعية سوف يدعمها . لقد وصل صدى هذه الممارسات التي أيقظت شباب الانتفاضة الثالثة من سباتهم ، فانطلقوا يدافعون عن كرامتهم وتصدوا لقوات الاحتلال في غالبية مناطق الضفة الغربية بالأساليب النضالية التقليدية غير الرادعة ، لكن للأسف فأن دماء الشهداء التي اريقت في هذه المواجهة الجديدة ، وصوت الآليات التي أقدمت على هدم البيوت الفلسطينية ، واستغاثة خنساء فلسطين المرأة الفلسطينية التي أعتقل ستة من أولادها في السجون ، إضافة الى أبنها السابع الذي سقط شهيداً كل هذا وغيره ، لو يوقظ الشعوب العربية وحكوماتها من سباتهم ، لم يتحرك صمتهم ، غالبية الشعوب العربية بقيت هامدة ، لا يعنيها شيء ، لقاءات فريقي ريال مدريد وبرشلونة حظي باهتمام أكثر وأوسع ، حتى من باب السخرية نقول " شرشف الحجة " أخذ اهتمام العالم العربي أكثر من استباحة الدم الفلسطيني .

لقد أصبح هذا الخمود مزمناً وأن سياسة المهادنة مع دولة الاحتلال ، ومن يدعمها أصبحت بالنسبة لغالبية الشعوب العربية وأنظمتها ، طبع وقانون والتزام . ليست هذه المرة الأولى التي تعتدي فيها قوات الاحتلال على المدن والقرى الفلسطينية ، ومن ضمنها مدينة رام الله التي من المفروض أن يكون لها حرمة دولية على الأقل ، كونها مركز تواجد السلطة المسؤولة عن التنسيق الأمني مع قوات الاحتلال ، وتتعاون معه ضد كل منفذي الهجمات على هذه القوات ، في مدينة رام الله تتواجد سفرات وقنصليات عربية وأجنبية ، على اعتبار أنها العاصمة المؤقتة للسيادة الفلسطينية .

ان غالبية الأنظمة العربية وشعوبها تشبه الكائنات الحية من ذوات الدم البارد ، لكن هذه الكائنات على الأقل تهيج وتتحرك في الأيام الحارة ، أما الأنظمة العربية فدمها يبقى بارداً لا يتحرك داخل عروقها في كافة الفصول .

فاحتلال بيروت لم يحركها واحتلال بغداد لم يهز شعرة فيها واحتلال طرابلس أفرحها ، وتدمير وخراب سوريا كان يدغدغ مشاعرها ، وانتهاك حرمة الأقصى وكنيسة القيامة لم يزعجها ، وكان السؤال الذي سأله كل فلسطيني هل انتهاك حرمة مدينة رام الله وحرمة باقي المدن والمخيمات الفلسطينية سيوقظها ، عهر عربي مزخرف باللامبالاة .

نقول للشعب الفلسطيني إن احتلال بيروت 1982 غير من موازين القوى في الشرق الأوسط ، فقد خرجت من رحم الآلام والهزيمة من لبنان قوى مقاومة جديدة ، ولدت مقاومة أشد وأقوى من المقاومة التي تراجعت وخرجت من بيروت ، أنها قوة " حزب الله " التي تحولت إلى ند استراتيجي في المنطقة .

كان من المفروض أن يحدث هذا في الضفة الغربية كما حدث في غزة ، العتب على القيادة الفلسطينية وغالبية أبناء شعبنا في كل مكان ، أنهم لا يزالوا بانتظار المهدي المنتظر لكسر قيد الاحتلال ، التاريخ أثبت أنه لم ولن يأتي المهدي المنتظر ، إلا إذا أنطلق وخرج كالمارد من بين صفوف الشعب الفلسطيني ، كما حدث في أقطار كثيرة في العالم كانت تخضع للاحتلال ، هذا هو القدر الوحيد الذي تعرفه وعرفته الشعوب المقهورة ، المنقذ المنتظر يأتي من بين ضلوعها ودموعها وآلامها وروائح دمائها الزكية وأسراها البواسل . أثناء استباحة مدينة رام الله ومحاصرتها ، تسلل وفد مصري بخجل ارسله السيسي أحد عجائب هذا العصر للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، التوصية التي حملها الوفد تقول : أعملوا جهدكم لتهدئة الأوضاع ، هذا ما يهم السيسي ومعه واشنطن توفير الأمن والأمان لقوات الاحتلال ،لا يهمه توسيع رقعة الاستيطان ، أو تهويد القدس والأقصى ، ان من فصل نفسه عن الشعب المصري لا يهمه ماذا يحدث للشعب الفلسطيني ، وهذا هو شأن باقي الزعماء العرب . الخطأ الذي ارتكبه الفلسطينيون عبر التاريخ ولا زالوا يدفعون ثمنه هو : اعتمادهم وثقتهم ووضع وتسليم مصيرهم للأنظمة العربية ، المعروف أن تلك الأنظمة صناعة بريطانية وأمريكية ، إسرائيل تعرف بأنه ما من قوة قادرة على لجم الفلسطينيين وتحجيم أية ثورة يقومون بها سوى الجامعة العربية ، والأنظمة التابعة لها ، وقد اعترف ساسة ومحللون انجليز ، أن أنطوني ايدن وزير خارجية بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية هو أول من اقترح على الملوك والرؤساء العرب عام 1943 إقامة أي إطار من أطر الوحدة العربية ، وكان له ثلاثة أهداف من هذا الاقتراح : الهدف الأول : ربط الأنظمة العربية في رسن واحد للتحكم بها من طرف بريطانيا بصورة جماعية ، بدلاً من التعامل مع كل واحد منهم بصورة منفردة .

الهدف الثاني : اعتراف عدد من الباحثين كسر الروح القومية لدى القيادة السورية ، المعروفة بتعصبها القومي العروبي في ذلك الوقت ، فقد كان شعار سوريا دائماً : نعم للإجماع القومي تحت كل الظروف ، قد رفعت سوريا شعار الاستقلال الكامل لجميع الأقطار العربية والتخلص من النفوذ الأجنبي ، لهذا السبب آمن إيدن أن ربط القيادة السورية بميثاق جامعة عربية أفضل طريقة لردعها ومنعها من تحريض شعبها والشعوب العربية ضد الامبريالية والصهيونية أما الهدف الثالث من خلق إطار وحدوي على شاكلة جامعة الدول العربية أيضاً : لجم وتحديد حركة القيادة الفلسطينية في ذلك الوقت ، لأن هذه القيادة باعتراف السلطات البريطانية كانت خارج طاعتها ، عكس القيادات العربية الأخرى فوجود القيادة الفلسطينية داخل مربع جامعة الدول العربية وميثاقها يكسر شوكتها وطموحها وارادتها . هذه حقيقة فإن القيادات الفلسطينية المتتالية بما فيها القيادة الحالية ، كانت ولا تزال رهينة لقرارات ومواقف جامعة الدول العربية ، الخاضعة للايحاءات البريطانية والأمريكية واليوم أضيفت ايحاءات الدول الخليجية ، هذه المواقف والتبعية والتفريط بالقرار المستقل الفلسطيني كانت من أسباب حدوث النكبة ، البديل هو اعتماد الشعب الفلسطيني على نفسه وقواه الذاتية وارادته .

لم يتعلم الفلسطينيون حتى الآن من تآمر الأنظمة العربية عليهم وخذلانهم وتركهم وحدهم في المعركة ، أثناء مفاوضات القاهرة لإقامة الجامعة العربية عام 1945 مُنع مندوب فلسطين المشاركة بهذه المفاوضات من قبل المندوبين العرب ، بأمر من بريطانيا ، وعندما أصر المندوب السوري على حضور ممثل لفلسطين اشترط بقية الأعضاء العرب بأنه يتوجب على ممثل فلسطين إحضار إذن وموافقة من سفير بريطانيا في القاهرة ، لقد أضطر مندوب فلسطين للوقوف أمام السفارة البريطانية ساعات طويلة ، حتى سُمح له بالدخول والحصول على شرف الموافقة البريطانية ، لكن دون أن يكون له حق التصويت . وهذا يذكرنا بما قاله الرئيس الجزائري السابق " أحمد بن بيلا " لأحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية سابقاً " لو أعتمد الشعب الجزائري في كفاحه ضد فرنسا على جامعة الدول العربية لما حصل على الاستقلال " .

وبعد مرور سبعة عقود على نكبة شعبنا والطعنات الكثيرة في ظهورنا ، الم يتعلم شعبنا من هذه العبر المفصلية الحاسمة .