الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
هو كاين مش محلول....عدنان الصباح
هو كاين مش محلول....عدنان الصباح

 صبيحة يوم الاعلان عن حل المجلس التشريعي فاجئني أحد الطيبين بسؤاله الطيب لي عن حل المجلس التشريعي قائلا ببساطته ( هو كاين مش محلول ) وقد سألت نفسي ايضا نفس السؤال ووجدت بسؤال الرجل الطيب وجه حق فنحن نسينا اصلا ان لدينا مجلس تشريعي ونسينا حكاية التشريع ولم نعد نعتقد أننا بحاجة لذلك لكننا لم ننسى أبدا طامتنا الكبرى وهي الانقسام, فالرئيس عباس اذن لم يتخذ أية خطوة جديدة او مفاجئة اللهم إلا الغاء الالقاب لبعض السيدات والسادة الذين اعتادوا اللقب ولم يعد بإمكانهم التنازل عنه ابدا ففي واقع الحال لم يكن لدينا مجلس تشريعي على الاطلاق اللهم بعض الانشطة الخاصة بالعلاقات العامة واستقبال الوفود الاجنبية من باب ذر الرماد في عيون الغير التي تعرف كيف ترى الحقيقة رغم كل التعتيم فقد توقف اداء المجلس التشريعي الفعلي ولم يعد يقوم لا جماعة ولا افرادا بالدور المنوط بهم بعد حكاية إبريق الزيت الفلسطينية " الانقسام " وفيما عدا الرافض المعلن من قبل نواب حركة حماس في غزة وإصرارهم على عقد اجتماعات للمجلس التشريعي لم يكن هناك وجود حقيقي له ولم نسمع اي احتجاج حقيقي على غياب المجلس والذي في حقيقة الامر يعتبر تغييبا لمن يمثلهم هذا المجلس.

اعضاء المجلس التشريعي ومعهم الفصائل والقوى ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات لم تحرك ساكنا تجاه انعدام دور المجلس التشريعي لصالح تكريس الانقسام وتثبيته عمليا فلم تخرج مظاهرة واحدة ولم يجري اعتصام واحد ولم تصدر مذكرة ولا نداء ولا اجتماع يدعو الى تفعيل المجلس والذي كان سيغنينا لو تواصل عمله عن كل محادثات المصالحة ووساطات الدول والهياكل التي نشأت على هامش الانقسام ولما كنا بحاجة لكل الضجيج حول صندوق الضمان الذي وجد عشرات الالاف يتفاعلوا ضده ولم يجد مجلس الشعب عشرة افراد معا يفعلوا ذلك وحتى حين فصل بعض اعضاءه لم يحتج حتى باقي زملائهم على فعل الفصل ولكن الاصوات تعالت بشكل ملفت ضد حل المحلول وهي اصوات ظلت غائبة بإرادتها قبل اي شيء في حالة التغييب الذي شاركت بصنعه جميعها.

التغييب للمجلس التشريعي ليس جديدا على شعبنا ويذكر شعبنا ماذا حل بنواب فلسطين في مجلس المبعوثان التركي من نفي وإبعاد وإعدام وكذا حال تغييب التشريع المنتخب ابان فترة الاستعمار البريطاني لفلسطين والذي اقام مجلسا تشريعيا صوريا قائما على الانتماءات الدينية وأعطى رئاسته للحاكم البريطاني.

اما على الصعيد الوطني فقد كان المجلس الوطني الفلسطيني هو البرلمان الحقيقي للشعب الفلسطيني ورغم ان اللائحة الداخلية للمجلس تشترط انعقاده كل عام وقد انتظم العمل بتلك اللائحة لسنوات طويلة بدءا من العام 1964 وحتى العام 1991 تقريبا اذا تكرر انعقاد المجلس لأكثر من دورة في السنة الواحدة ولم يزد غيابه عن الانعقاد لأكثر من سنتين فقط رغم كل ظروف الشتات بينما توقفت اعمال المجلس حتى العام 1996 اي بعد انتهاء اعمال اتفاقية اوسلو وتأسيس السلطة بشكل نهائي وجاء انعقاده في العام 1996 بهدف معلن مسبقا وتم تحقيقه وهو الغاء بعض بنود الميثاق الوطني والتي جاءت تنفيذا لتعهدات اوسلو وظل الغياب قائما حتى العام 2009 وكان الهدف من انعقاده فقط استكمال العضوية في اللجنة التنفيذية حتى لا تفقد شرعيتها شكلا وهو ما تكرر ايضا في العام 2018 ولا شيء غير ذلك يذكر وكل هذا الغياب ولم يسعى ايا من اعضائه ولا الفصائل والقوى السياسية حتى للمطالبة بانعقاده رغم كل الاحداث الجسيمة والمهمة التي مر ويمر بها شعبنا وظل قرار انعقاده مرتبطا بشخص الرئيس دون اي احتجاج او مناقشة وكان الامر يخص شعبا غير شعبنا وتشريعا غير تشريعنا وهو ما انسحب بشكل اسوأ على حال المجلس التشريعي بكل الاحوال وبالتالي فان الاعلان الرسمي عن دفن الميت لا يعني انه كان حيا قبل ذلك لكن الذي يعني ان الجميع كانوا يقبلون الموت الصامت ما داموا لم يخسروا شيئا ولو ظل الشعب كل الشعب والوطن كل الوطن مغيبا وغائب.

لا مشكلة في حل المحلول وكشف الستر الزائف للمكشوف لكل الدنيا إلا نحن فلم يكن اسم المجلس التشريعي إلا سترا زائفا لحقيقة مفضوحة لكل الدنيا إلا لنا وهي ان لا برلمان حقيقي فعضو المجلس المنتخب لا يعمل وراض بحاله ولقبه وسيارته ومرتبه والمعين في المجلس الوطني لا يجرؤ على الاعتراض ويكفي لعضو المجلس الوطني فخرا انه يملك اللقب كوريث للشقيري وياسر عرفات وليذهب الشعب وقضيته الى الجحيم, المشكلة اذن ليس في التخلص من الستر الزائف بل في الامعان في تغييب المغيبان " الوطن والشعب " فنحن منقسمون تصالبيا اي افقيا وعموديا مرة بقدرة الاعداء كحال الاوضاع المتلونة لأرضنا بين اراضي محتلة عام 48 وأخرى عام 67 وبين ارضي مصنفة حسب حروف الهجاء ثم اخيرا تكريس ارادة الاعداء بإرادتنا بفصل الضفة عن غزة او سلخ غزة عن الضفة ونسيان القدس إلا من البكاء والغناء في ان معا والشعب ايضا منقسم الولاء بين من بات يدين بالولاء لهذا ومن يدين بالولاء لذاك والغالبية العظمى من الشعب مغيبة وراضية وكأن لسان حالها يقول لا امل يرجى ولا علاج يشفي هذا الحال المسقوم بعد ان صارت حكاية الانقسام تقسيما متصالبا عموديا تعمق تلوين الوطن تقسيما لا انقساما افقيا تعمق تقسيم الشعب لصالح هذا وذاك وبهذا الحال جاء الاعلان عن دفن الميت حيث سيصحو للدفن من لا يريد ويغفو من يريد ويدير الشعب ظهره للمهزلة, كان الرئيس ومعه كل القوى يعلمون ان قرار الحل لن يجد قبولا من حماس وهي ستعتمد على نصوص القانون الاساسي القائل بان ولاية المجلس تنتهي بأداء اعضاء المجلس الجديد يمينهم القانونية وما دام هذا لم يجري فان عضوية المجلس شرعية بكل الاحوال وهذا سيؤدي الى تعميق الانقسام اكثر وأكثر وقد يقود حماس للرد على الاعلان بحل المحلول بالقول بعدم شرعية ولاية الرئيس نفسه والإتيان برئيس المجلس بديلا له ولا احد يدري ماذا كان سيقول رئيس المجلس التشريعي في مؤتمره الصحفي الذي لم يتمكن من عقده امام المجلس التشريعي بعد قرار الرئيس بحل المجلس التشريعي في خطاب مفاجيء تبين من ردود الافعال انه لم يستشر به احد على الإطلاق وكل ما فعله الرئيس لأعضاء قيادته هو ابلاغهم بقرار محكمة هي نفسها مشكك في دستوريتها كون رئيسها نفسه لا يقر بوجود دستور لفلسطين وان القانون الاساسي لا يرقى لمستوى الدستور.

في خطابه قال الرئيس بنفسه ان المطلوب منذ وعد بلفور هو اقامة دولة فلسطينية في غزة وهو امر يدركه الرضيع في الشعب الفلسطيني ويدرك ايضا انه منذ وافقت اسرائيل وتمسكت بشعار دولتين لشعبين وهي لا تعرف ولا تعترف إلا بتفسير واحد لهذا الشعار وتسعى اليه باعتبار الدولة الفلسطينية في هذا الشعار هي غزة وغزة فقط ولذا فان سائر اجراءاتنا يجب ان تأخذ بعين الاعتبار التربص الاحتلالي بنا من كل جانب وبذا يأتي قرار حل المجلس التشريعي قرارا خطيرا للأسباب التالية:

  • ان القرار لم يأت بتوافق وطني فلسطيني وعلى قاعدة المصالحة وإنهاء الانقسام
  • ان القرار لن يجد قبولا من قبل حركة حماس معتمدة على مخالفته للقانون الاساسي ونصوصه وهو ما ستعتبره تمسكا من قبلها بالشرعية التي ستعتبر نفسها صاحبتها بالمطلق بعد قرار المحكمة التي لا تعترف بشرعيتها.
  • ان القرار وكونه جاء التزاما بقرار محكمة رغم الخلاف على شرعيتها اصلا إلا انه يعني ان الالتزام بقرار المحاكم يعني الشمولية ولا يقبل التجزيء.
  • المحكمة قررت ليس حل التشريعي فقط ولكن قررت ايضا اجراء انتخابات له ووضعت زمنا وتاريخا لذلك
  • حركة حماس ونوابها وحركة الجهاد وعديد الفصائل رفضت القرار كليا وفتحت الباب لاختلافات جوهرية على الساحة الفلسطينية.

مما تقدم فان الالتزام التام بقرار محكمة خلافية ( المحكمة الدستورية ) يعني الذهاب الى الانتخابات في غضون ستة أشهر وهي فترة من الواضح انها لن تأتي بالمصالحة فأية انتخابات سنجري وبمن وأين وهل سنقبل بإجراء انتخابات في الضفة الغربية فقط اذا رفضت حماس المشاركة وهي ستفعل وهل سنقبل ان تجري الانتخابات بدون القدس اذا رفضت اسرائيل ذلك وهي ستفعل وإذا فعلنا فإننا نكون قد كسرنا الابريق دون ان نجد الفرس وسنجعل بأيدينا من غزة دولة منفصلة ومن الضفة تائهة بدون القدس وبدون قانون اساسي يحمي نظامنا الهش بعد ان سمحنا لمحكمة خلافية ان تتجرأ على نصوصه وتفسر النصوص بشكل يفتح الابواب غدا لكل التفسيرات ولا احد يدري ما تحمله الشهور الستة هذه ولا كيف سترد حركة حماس على الاعلان عن الانتخابات التشريعية ولا ماذا سيفعل اعضاء التشريعي المحلول في غزة ولا كيف سيتم تفسير خلافة الرئيس عباس في حال شغور الموقع بإرادة الله او بتدخل من اعداء شعبنا او لأي سبب كان وكل الامور مفتوحة حتى النهاية فما هي المصلحة اذن في الذهب بهذا المنحى ونحن ندرك ان النتائج ستكون على ما نراها عليه جميعا بلا استثناء.

الرئيس في خطابه حرق كل السفن مع حماس بعد ان تحدث عنها وليس للمرة الاولى كطرف من مثلث رأساه الآخران امريكا وإسرائيل إلا انه هذه المرة ساوى بينهم بوضوح بقوله ان هؤلاء الثلاثة ( أمريكا وإسرائيل وحماس ) يريدون قتل الحلم الفلسطيني وبالتالي فان الحديث عن المصالحة وإنهاء الانقسام بعد ذلك بات ضربا من وهم وخيال خاصة وأننا نعرف موقف حماس من الموضوع وإصرارها على التمسك بمواقفها وهي تجد من يقدم لها الدعم والتأييد في سبيل الثبات على مواقفها, ليس المطلوب اذن تنفيذ انتقائي لقرارات المحاكم فنحن شعب نعيش حال خاص لا تنفع معه قرارات المحاكم لا الدستورية ولا غيرها وقد كان الاولى من حل المجلس دعوته للانعقاد وتحميله كممثل للشعب مسئولية استعادة الوحدة وكذا الامر مع المجلس الوطني فالرئيس الذي هاجم حماس بقوة اكد في كلمته اكثر من مرة انها جزء من الشعب الفلسطيني وهي ايضا جزء مهم وينبغي التعاطي معه على قاعدة اهميته لا اقصاؤه ما دمنا ندرك ان هذا الاقصاء مصلحة عليا لإسرائيل وأمريكا وان السعي لتنفيذ قرار المحكمة الدستورية سيكون المسمار الاخير في نعش بلادنا وشعبنا وقضيتنا في ان معا فلماذا الاصرار على الامعان في السير بهذا الاتجاه.

المطلوب استعادة الوحدة على قاعدة تفعيل المجلس التشريعي وإعادة هيبته وإلغاء كافة القرارات المتخذة بحقه وحق اعضاءه ومنحه الحق بالعمل التشريعي والرقابي على كافة الاصعدة والسعي لتنفيذ سائر الاتفاقيات الموقعة ومصارحة الشعب كل الشعب بحقيقة الخلافات علنا وهو ما لم يفعله الطرفين فكلاهما يصمت ولا يقول كل الحقيقة للشعب ولا حقيقة المحادثات ولا جوهر الخلاف ولا اسباب تعطيل تنفيذ القرارات وبالتالي فان مواصلة الحال يعني الامعان في تغييب الغائبين الوطن والشعب ولن يكون في كل الاحوال منتصر إلا جهة واحدة هي الاحتلال والامبريالية الامريكية وأعوانهما وسنكون قد ساهمنا بدراية او بدون دراية اذا احسنا الظن بأنفسنا بإضاعة الوطن والشعب والقضية وقدمنا لأعداء شعبنا ما يريدون على طبق من ذهب.