الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
' من حقيبة الذكريات' النائب الذي لا يعرف السلطة الرابعة ... بقلم د. ناصر الصوير
' من حقيبة الذكريات'  النائب الذي لا يعرف السلطة الرابعة ... بقلم د. ناصر الصوير

ما لا يعرفه الكثيرون أنني أجريت منذ أكثر من عقدين وحتى سنوات قليلة خلت مئات اللقاءات والحوارات والمقابلات الصحفية مع مختلف الشخصيات السياسية الفلسطينية من جميع الحركات والفصائل والاتجاهات والتيارات، وما لا يعرفه الكثيرون أن صحيفة القدس التي كانت قبل 25 عاماً الرئة الواسعة التي يتنفس منها الشعب الفلسطيني الإعلام، حيث لم تكن الإذاعات المحلية ولا الفضائيات ولا شيء من هذا القبيل أفردت لكل مقابلة من مقابلاتي صفحة كاملة، وكانت هذه الحوارات تتميز بالمكاشفة والصراحة الشديدة، ولا أبالغ إن قلت أنني كنت صاحب مدرسة الحوار الصريح جدا في الإعلام الفلسطيني، ولا أخفي أن هذه المقابلات صنعت لي مجداً إعلامياً متميزاً وجعلتني المحاور الصحفي الذي يشار له بالبنان أينما حل وأينما ذهب ... ولأن لكل حوار من هذه الحوارات قصة قد تكون طريفة أو مثيرة إلى حد ما فلقد قررت فتح حقيبة الذكريات، وإليكم قصة إحدى هذه المقابلات المهمة التي أجريتها خلال مسيرتي المهنية: 

قبل عدة أسابيع شاهد العالم أجمع عبر شاشات التلفاز نقاش حاد كاد يصل لعراك بالأيدي بين رئيس أقوى دولة في العالم دونالد ترامب وبين مراسل لوكالة السي إن إن CNN خلال مؤتمر صحفي عقد بالبيت الأبيض، ولم يستطع ترامب عندما شاهدت هذه الواقعة تذكرت ما حدث معي خلال إجرائي  لقاءً صحفياً مع إحدى الشخصيات القيادية والذي فاز فوزاً كاسحاً بانتخابات المجلس التشريعي 1996م وحصد عشرات الآلاف من الأصوات ظناً من الناس أنه قائد عظيم لا مثيل له خصوصاً أنه شغل مراكز أمنية وعسكرية حساسة في منظمة التحرير الفلسطينية... ذهبت لهذا القائد الهُمام الأشوس ظناً مني أنه فعلاً قائد كما كنا نقرأ عنه وكما كنا نسمع، وبدأت بطرح الأسئلة، وكالعادة كانت أسئلة نارية (هذه كانت طبيعة أسئلتي) أسئلة فيها صراحة تقترب من الوقاحة، الشاهد في الموضوع أن القائد العظيم بعد السؤال الثاني أو الثالث نظر إليَّ شذراً نظرات ملتهبة، وقال لي بصوت أشبه بالصراخ: من الذي أرسلك؟! من الذي أعطاك الأسئلة؟! من أنت؟! ومن تتبع؟! لا لا لابد أنك مدسوس عليَّ من جهة ما !!  من دسك عليَّ؟! تكلم بسرعة .. وبدأ الرجل حالة من الفلتان العصبي جعلت مرافقيه يدخلون المكتب كالمجانين ظناً منهم أنني قمت باغتيال الزعيم!! تقدم إليَّ وأمسكني من تلابيب ثوبي ومرافقوه يحيطون بي وقال لي وهو يصك أسنانه ببعضها: قل تكلم من الذي أرسلك؟! قلت له بهدوء شديد بعد أن نزعت يديه من ثيابي: الذي أرسلني إليك لعمل هذه المقابلة وأعطاني هذه الأسئلة لأطرحها عليك هو السي أي إيه (وكالة المخابرات الأمريكية)!! وهناك جهة أخرى!! الكي جي بي (الاستخبارات الروسية) صرخ بأعلى صوته : تسخر وتستهزئ، خذوه، أخذني المرافقون وأدخلوني في غرفة وأغلقوا الباب ولكنهم ولحسن حظي نسوا سحب الموبيل مني فقمت بالاتصال بشخصية إعلامية نافذة واعية لها وزن كبير جداً وأخبرته بما حدث فقال لي لا تقلق، أنا قادم في الحال... بعد أقل من نصف ساعة جاء أحد المرافقين وطلب مني الخروج وذهب بي إلى القائد العظيم فوجدت صديقي قد حضر وبدا كأنه قد سوى الأمر، تحدثنا قليلاً كلام مجاملات ثم غادرنا المكان، وفي الطريق قال لي صديقي المنقذ : يا ناصر اسمعني جيداً نحن قدمنا إليكم من بلاد ليس فيها شيء أسمه السلطة الرابعة أوحرية الإعلام وأنت تتعامل معنا وكأننا في أوروبا أو في أمريكا!! لا يا صديقي أنصحك توقف عن هذا الأسلوب في الحوار وإلا ستكون العواقب وخيمة ومش كل مرة بتسلم الجرة!! المهم أن القائد العظيم طلع مقلب بكل اللغات وكان عاله حقيقية على المجلس التشريعي فلم يفعل شيء ولم ينجز شيء ولم يقدم شيء ولم يخدم أحد وهوى من علٍ وطواه النسيان وأصبح أثر بعد عين لا يذكره أحد بخير... وكما قال المثل الشعبي صيت الجمل قتله!!