هناك عدد لا بأس به من بين المواطنين العرب من خدعتهم دموع السياسية المعروفة تسيبي ليفني عندما قررت كما تدعي الترجل عن منصات السياسة، وعدم المشاركة في الانتخابات القادمة ، كما شاركت في نعييها العديد من الصحف الإسرائيلية ومنها صحيفة " هآرتس " .
في الجهة المقابلة فإن عناصر يهودية متطرفة عبرت عن شماتتها بعد قرار ليفني مغادرة الساحة السياسية ، فقد اتهمها هؤلاء بأنها حمامة من حمائم السلام في إسرائيل ، وأن سياستها ومواقفها تهدد الأمن الإسرائيلي .
حقيقة أن قرار ليفني بإخلاء الساحة السياسية لم يكن نوعاً من الاشباع من العمل السياسي أو أنه جاء من باب الشهامة ، أو العجز الجسدي ، بل كان تعبيراً واعترافاً بافلاسها السياسي ، بعد أن شعرت بأنها تدحرجت خلال السنوات القليلة الماضية من القمة الى القاع ، وأنها أصبحت كالعملة الورقية بدون رصيد ، لا أحد يقبل صرفها ، وأول من رفض حوالياتها النقدية هم حلفاؤها من حزب العمل ، الذي وصل هو الآخر الى طريق التفكك والافلاس .
بعد أن حاولت إعادة شبابها السياسي بالركوب في قطار هذا الحزب ، وكانت تحلم بأن تعود الصهيونية كمنظمة عنصرية الى سابق عهدها ، من خلال المعسكر الذي أقامته مع حزب العمل وحمل اسم " المعسكر الصهيوني " .
لكن رئيس حزب العمل آبي غباي بدد أحلامها وخذلها بعد أن أعلن بدون سابق انذار عن الاستغناء عنها ، وقام بانزالها من قطار هذا الحزب ، لأنه شعر بأنها هي السبب الذي يمنع هذا من السير بالسرعة المطلوبة ، لقد شعرت هذه القطة الشقراء أنها خُذلت وجُرحت ، فأخذت تبحث لحزبها الصغير عن مأوى آخر بدلاً من حزب العمل لكنها لم تجد .
ما يهمنا من مسيرة ليفني السياسية : اعتبارها من قبل الذين سارعوا الى نعييها عرباً ويهوداً لأنهم اعتبروها امرأة حديدية قادرة على تحقيق السلام ، وهناك من شبهها برئيسة وزراء بريطانيا السابقة " مرجريت تاتشر " ، لكن هذا يجافي الحقيقة ، لأنها هي ترفض أن يُنسب اليها بأنها تحمل مشروعاً للسلام العادل ، وهذا النعي أعاد الى ذاكرتنا صورة حلقات الردح التي أقيمت بعد اغتيال إسحاق رابين ، خاصة من قبل المواطنين العرب ، والسبب أنهم اعتبروا رابين نبياً للسلام ، مع أنه كان قطباً من أقطاب الرافضين للسلام العادل .
من بين الذين سارعوا لإضفاء صفة السلام على ليفني ايهود براك قال عنها : أنها أقوى النساء الاسرائيليات اللاتي نادين بالسلام مع الفلسطينيين ، هذا الاطراء الكاذب جاء لخدمة براك نفسه ، لأنه أراد أن يقول لكل الإسرائيليين بأنه لا زال موجوداً ، لأن ليفني لم تتقدم خطوة واحدة باتجاه أي مشروع للسلام ، العكس هو الصحيح فقد شاركت في افشال كل مشاريع السلام العادل التي طرحت في عصرها الذهبي .
وهناك من يعتبرها خلال مسيرتها السياسية بأنها شوهت القيمة العليا للسلام ، لأن السلام الذي نادت به وتمنته هو السلام العنصري ، سلام يكون حسب مقاسات مفاهيمها وفكرها الصهيوني المتطرف ، نعم هي كانت تحلم بتوقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين أثناء توليها وزارة الخارجية في حكومة الاحتلال ، وكانت تحلم أكثر هي وايهود أولمرت بالفوز بجائزة نوبل للسلام على حساب تعاسة وحقوق الشعب الفلسطيني ، كما كان الأمر لإسحاق رابين وبيرس ومناحم بيغن ، الاتفاق الذي كانت تحلم به يضمن ويحافظ على يهودية الدولة ، دولة يهودية ديمقراطية ، والديمقراطية تصبح لعنة وعاراً على التاريخ إذا نسبت الى إسرائيل العنصرية .
كيف يمكن بناء صروح السلام في ظل التنكر لحقوق الطرف الثاني من المفاوضات ، العديد من زملائها الذين رافقوها في العمل ، اعترفوا بأنها كانت ازدواجية في مواقفها، ومنهم من وصفها بأنها كانت ملونة كالحرباء ، في داخلها كانت تشمئز وتتقزز من كل فلسطيني ، كل ما كانت تريده هو فك الارتباط مع الفلسطينيين ، رفعت شعار " هم هناك ونحن هنا " ، لكن هناك بالنسبة لها كان يعني عدم الانسحاب من الكثير من المناطق داخل الضفة الغربية ، خاصة مناطق الأغوار والقدس وضواحيها ، مع بقاء غالبية المستوطنات على حالها ، كانت تستفز الفلسطينيين عندما تقول هذا هو الموجود ، والبديل أن يبقى كل شيء على حاله ، أي يبقى الاحتلال الى ما شاء الله ، هل هذه تستحق من يأسف عليها من المواطنين العرب ؟!
الزعيم الافريقي المعروف " نلسون مانديلا " قال : أنا أرفض مصادرة إرادة المواطنين البيض رغم جرائمهم بحق السود ، وعندما أصبح رئيساً لجنوب أفريقيا عاملهم بالمساواة كما عامل السكان السود ، كما اعترف " مناحيم بيغن " أنه من غير الممكن عقد اتفاق للسلام مع مصر دون ارجاع كل شبر من الأراضي المحتلة ، أما ما أرادته ليفني فهو سلام مع الاحتلال .
هناك من بكاها على اعتبار أنها من اليسار الصهيوني ، هذه كذبة اسمها يسار صهيوني ، لأن اليسار الحقيقي والصهيونية لا يلتقيان ، وقد فطن لهذه الظاهرة بعض قادة حركة ميرتس عندما فكروا بتطويرها ، فطالبوا بعدم الانتماء للصهيونية ، لأنها حركة عنصرية كولونيالية ، مهما حاول البعض تزينها ، والسؤال كيف يمكن أن تكون ليفني يسارية وهي مصرة على بقاء الاحتلال وترفض منح الشعب الفلسطيني حقه .
من خلال مفاوضاتها طلبت من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة لليهود فقط وديمقراطية ، تجاهلت بهذا الطلب وجود ما يزيد عن مليون وربع فلسطيني يعيشون داخل وطنهم ، الذي أصبح أسمه إسرائيل ، وعندما لفت نظرها أحد المفاوضين الفلسطينيين ، بأن مناحيم بيغن لم يطلب من المصريين ولم يطلب من الأردنيين الاعتراف بأن إسرائيل دولة الشعب اليهودي فقط ، فسارعت الى القول كل مرحلة ولها قادتها ، هناك من وصفها عقليتها وفكرها السياسي هو امتداد لعقلية وفكر " تومي لبيد " الذي حارب الحرديم والعرب بفكره العلماني القومي العنصري .
لم تكن هذه السياسية ، الحديدية كما وصفوها ، تنظر أية نظرة إيجابية إتجاه الفلسطينيين ، لا تعنيها معاناتهم تحت الاحتلال ، وعندما وقع العدوان قبل الأخير على قطاع غزة والذي حمل اسم " الرصاص المصبوب " ، كانت ليفني تشغل منصب وزيرة للخارجية ، وقد دعمت هذا العدوان بكل قوة وتلطخت أياديها بدماء ضحايا هذا العدوان من الأطفال والنساء والشيوخ ، هذا يؤكد بأنها جزءاً لا يتجزأ من الأجماع القومي العنصري الذي تبناه بن غوريون وبيغن ورابين وبراك وأولمرت ونتنياهو ، وإذا اختفت ليفني عن الساحة السياسية ، سيولد أكثر من ليفني واحدة ، أمثال شاكيد ، وريغيف ، وغيرهم .