الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
المقاومة تجعل من لبنان كبيرا ولكن ليس كما اراده جورو؟! ... محمد النوباني
المقاومة تجعل من لبنان كبيرا  ولكن ليس كما اراده جورو؟! ... محمد النوباني

عندما احتلت القوات الفرنسية بقيادة الجنرال جورو سوريا التي كان لبنان جزءا منها في ايلول سبتمبر عام ١٩٢٠ تنفيذا لبنود اتفاقية سايكس- بيكو المبرمة عام ١٩١٦ بين فرنسا وبريطانيا لتقسيم تركة الامبراطورية العثمانية في المشرق العربي بين الدولتين الاستعماريتين كانت اولى اجراءات الجنرال الفرنسي فصل لبنان عن سوريا واقامة دولة على مساحة متناهية الصغر عاصمتها بيروت اطلق عليها اسم لبنان الكبير لاعطاء انطباع بان التجزئة داخل التجزأة هي عمل عظيم لعرب لبنان فيما هي في الواقع عمل مبرمج ومخطط له ومدروس بعناية لضرب ووارد فكرة توحيد العرب في دولة واحدة
لقد كان الجنرال جورو ،من خلال انشاء دولة لبنان الكبير، وهي دولة متناهية الصغر من حيث المساحة وعدد السكان، ولكنهامتعددة الاديان والمذاهب والاعراق، ان يكون سر قوة هذه الدولة،فيما لو استقلت عن فرنسا في ضعفها، لان استعمارييها كانوا قد وضعوا نصب اعينهم ايضا توفير عوامل النجاح لوعد فرنسي شبيه بوعد بلفور البريطاني والذي عرف بوعد كمبن الذي كان يشغل منصب السكرتير العام لوزارة الخارجية الفرنسية الذي اصدر وعده للصهاينة باسم الحكومة الفرنسية باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. في 4 حزيران عام ١٩١٧اي قبل وعد بلفور البريطاني بحوالي 5 اشهروبالفعل فان اصابع فرنسا الاستعمارية تركت بصماتها على لبنان بعد منحه الاستقلال عام ١٩٤٣ وتجلى ذلك في الميثاق الطائفي الشفوي الذي اصبح يحكمه مبعدا اياه عن هموم وقضايا امته لبعض الوقت الامر الذي وفر ارضية خصبة لظهور مشروع انعزالي لاقامة اسرائيل ثانية في لبنان وعقد اتفاق سلام مشابه لكامب ديفيد معها افشلهما نضال قوى لبنان الوطنية والتقدمية ودور فلسطيني وسوري بارزين وفاعلين
وكانت المفاجئة المذهلة لتلامذة واحفاد جورو في فرنسا ولرجعيي لبنان والمنطقة العربية ولاسرائيل ولكل طغاة العالم أن لبنان الضعيف هذا والذي تحكمه تقسيمات ميثاق ١٩٤٣ وصيغة الطائف المشابهة له من حيث الجوهر اصبح اليوم ،بفضل مقاومته واحدا من اقوى دول المنطقة على الصعيد العسكري ويحسب له مليون حساب في تل ابيب وواشنطن ولندن وكل عواصم طغاة هذا العالم
ولذلك فان وزير الدفاع اللبناني الياس ابو صعب عندما يهدد في مؤتمر صحفي عقده في بيروت قبل يومين اسرائيل بان لبنان سيقصف مطاراتها ومنشاتها النفطية وبناها التحتية ان اعتدت على لبنان مؤكدا بان الزمن الذي كانت فيه دولة الاحتلال تضرب وتفعل ما تشاء دون رد قد ولى الى غير رجعة لان موازين القوى قد تغيرت فان هذا يدل على ان لبنان بات كبيرا ولكن ليس كما اراده جورو وانما كما ارادته مقاومته وجماهير امته.
ان هذا المتغير يعني بان لبنان لم يعد ذلك البلد الضعيف والمتهالك الذي كان حكامه من ممثلي البرجوازية الكبيرة والاقطاع السياسي والانعزالية اللبنانية المتصهينة يتغنون بضعفه ويعتبرون ذلك الضعف فضيلة لتبرير عجزهم عن مواجهة عدوانية اسرائيل واطماعها التوسعيةالتاريخية في لبنان وتبرير التفريط بالسيادة الوطنيةوالميل لاقامة اسرائيل ثانية في المنطقة.
لقد استغلت اسرائيل ضعف لبنان فاحتلت على هامش احتلالها لمعظم فلسطين التاريخية عام ١٩٤٨ سبع قرى لبنانية وطردت سكانها منها واستباحت الاراضي اللبنانية ولم تخف يوما اطماعها بمياهه كما انها لم تتوقف عن التنكيل بابناء جنوبه على مدار عقود طويلة
وقد تغير هذا الوضع قليلا بعد ظهور المقاومة الفلسطينية المسلحة في الاراضي اللبنانية عقب حرب وهزيمة حزيران المدوية عام ١٩٦٧ولكنه لم يتغير جذريا الا بغد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان في صيف عام ١٩٨٢.
فقد شكل احتلال اسرائيل لاجزاء من لبنان بما في ذلك بيروت في ذلك العام ومن ثم ظهور جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي اجبرت القوات الاسرائيلية على الانسحاب من اول عاصمة عربية تحتلها بعد القدس بالقوة نقلة نوعية مهمة في تغيير موازين القوى في المنطقة في غير مصلحة اسرائيل 
ولكن النقلة النوعية الاكثر اهمية والتي قلبت كل الحسابات تمثلت بدون شك بولادة حزب الله اللبناني وتشكيله لذراعه العسكري المقاومة الاسلاميةالتي اجبرت الجيش الاسرائيلي الذي كان يوصف بالحيش الذي لا يقهر على الجلاء عن الجنوب اللبناني المحتل عام ٢٠٠٠ باستثناء مزارع شبعا وتلال كفار شوبا من دون قيد او شرط او اتفاق وبشكل مذل تحت ضربات رجال المقاومة.
وهزمته شر هزيمة وافشلت مفاعيل عدوانه على لبنان ومحاولات امريكا لبناء شرق اوسط جديد في حرب تموز ٢٠٠٦.كما ساهمت مساهمة فعالة في هزيمة المشروع التكفيري الصهيو- امريكي-الرجعي العربي الذي استهدف اسقاط النظام الوطني في سوريا منذ العام ٢٠١١
بقي القول بأن تهديدات وزير الدفاع اللبناني ألياس ابي صعب لاسرائيل تكمن اهميتها ايضا في انها رسالة قوية لبعض اللبنانيين المتصهيننين ان كفوا عن رهاناتكم على الخارج لتغيير موازين القوى في لبنان، فلبنان والمنطقة قد تغيرا ولن يكون بوسع تحالف المهزومين ان يحققوا بالضغوط الاقتصادية والسياسية ما عجزوا عن تخقيقه بالحرب