الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
شمبانزي بين أوراق وعد بلفور ....شوقية عروق منصور
شمبانزي بين أوراق وعد بلفور  ....شوقية عروق منصور

قامت الإذاعة البريطانية " بي بي سي "  بفصل مقدم برامج شهير ويدعى " داني بيكر " لأنه نشر على صفحته ، صورة يظهر فيها زوجان يرتديان ملابس أنيقة ويسيران وبصحبتهما شمبانزي صغير .

الصورة عادية ليس فيها ما يجعل رائحة الغضب تتسلل إلى شرايين مدير الإذاعة حتى يقوم بفصل المذيع  إلا إذا كان وراء الصورة هدفاً آخر.

وتبين أن الصورة تحمل التهكم على الأمير " هاري " وزوجته " ميجان " حين قدما مولودهما الجديد  لوسائل الاعلام ، وهنا كانت المفاجأة بريطانيا ولعبة الديمقراطية والحرية والشعارات التي تمجد حق الانسان في الكلام والكتابة، جميعها تصغر أمام صورة عائلية ملكية اشتهرت بالفضائح أكثر مما اشتهرت بأعمالها التاريخية .

لا مجال للنقاش حول الصورة والدفاع عن المدعو " بيكر " ولكن حين نصيب الضغط العالي للتوتر التاريخي الفلسطيني ، العربي، لا نستطيع دفن الرؤوس في الرمال، لأن بريطانيا قامت بتجديل أجسادنا باسلاك معدنية مكهربة ، حيث نعيش يومياً تحت رعب التكهرب الذي يجعلنا في حالة قهر وفقر ولجوء ومعاناة وضياع وخوف وسلب لا ينتهي ، كيف نضحك من موقف يملك روح النكتة حين يكون تشبيه الطفل الملكي  بالشمبانزي ونحن نردد باستسلام حين تعاقب إسرائيل الشعب الفلسطيني " أكثر من القرد ما مسخ الله " أي أننا تحولنا من شعب يطالب بحقه التاريخي الى قرد ولن يهمنا ماذا سيحمل الغد لنا ؟!  لأنهم أقاموا في نفوسنا  معامل تكرير المصائب والاغتيالات وإقامة المستوطنات والاعتداءات اليومية حتى أصبح تكريرها جزءاً من المعاناة والقدر المكتوب على الشعب الفلسطيني .

بريطانيا الحرية والديمقراطية غضبت من صورة الشمبانزي الذي مس الطفل الملكي الذهبي ، لكن لم تشتعل غضباً حين رأت و ترى مئات الأطفال الفلسطينيين بين القتلى والجوعى والذين يبكون على بقايا ردم بيوتهم التي هدمت .

لم تشعر بمطاردة الرصاص  والصواريخ لهم ، لم تفتح برادات الجثث التي تضم بين الرفوف جثثاً صغيرة تهمس للسنوات التي تركتهم وتخلت عنهم ، أنهم كانوا سيكونون شيئاً عظيماً في المجتمع ، لكن الرصاصات قطعت مسيرتهم .

نعرف أن من السهل تحريك الجبال وتفتيتها ، ولكن ليس من السهل أن تفتح ملفات تاريخية،  خاصة إذا كانت هذه الملفات لها علاقة بالصهيونية والشعب اليهودي، ملفات فيها التساؤل والاحتجاج والرفض لكون الفلسطيني الذي يدفع الضرائب اليومية ، وحين نذكر بريطانيا يهرع الينا " وعد بلفور " حاملاً أبجدية الرضى والصمت، حاملاً قبعات التباهي التي يرفعها عالياً كلما مر الضوء الاستقلالي لدولة إسرائيل.

"الشمبانزي الصغير " يحرك الغضب البريطاني، أما الفلسطيني الذي ينام على فراش المسامير منذ مائة عام ، تقتلعه الظروف والسنوات من مكان إلى مكان ، وترميه الأنظمة العربية من خارطة إلى خارطة ، فهو الآن يتأمل خارطة " صفقة القرن " حيث يتساءل " ماذا سيحدث أكثر مما حدث .. أكثر من القرد ما مسخ الله " .