الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
نصل الوهم ....بدوي الدقادوسي
نصل الوهم ....بدوي الدقادوسي

  لم يترجل عن الحمار قبل أن يصل الدار بأمتار كما جرت عادته ،ما إن وصل الحمار للباب حتى تسمر مكانه وقد تدلت رأسه ، دخل أبي المندرة التي تعج بالمهنئين ، أشار بيده لصاحب الميكروفون والزينة :خد حاجتك وربنا يعوض عليك وعلينا ، أفسح الشباب له فجلس واضعا وجهه بين كفيه وانخرط في بكاء مسموع ، تحول المهنئون إلى معزيين ، صار البكاء نحيبا ثم صار النحيب صراخا : جمال مات ياولاد .... هتسيبنا لمين ياجمال . انتفض عمي العريس من بين رفاقه صارخا : جمال مات ! اليهود سمموه وشق بدلة عرسه وظل يتلوى بأرض المندرة .

ساد صمت طويل حتى رفع أبي وجهه من بين كفيه : لما زار الأمريكان حاولوا يدخلوه من باب واطي عشان ينحني وهو داخل ، بس هو فهم قصدهم ورفض يدخل وركب الطيارة ورجع ... آه يا جماااال بكره هيطلع النعش من دوار العمدة وهنصلي عليه الضهر في جامع سيدي عبدالله . قبيل الظهر جلس أبي مرتكنا بظهره لعامود النور على ناصية الحارة ، اقترب النعش من حارتنا وخلفه كل شباب ورجال القرية ، أمام مسكن المهجرين تلطم النساء ويبكي الرجال ، حتى أبو العربي الذي كان يحمل كرتونة يبيع فيها الكعك والفريسكة وهو يغني ونحن نردد خلفه وهو يجوب شارع القرية الوحيد ( لف وتعالى يا ولا لف وتعالى عينالك كعكة وبسكوتة في السينتيانا ) أول مرة أراه يبكي ، وأم العربي شقت ثيابها عن آخره وألقت نفسها تحت النعش وهي تصرخ : جبتنا هنا وهتسيبنا لمين ياجمال !!

التفت لأجد علي الذي يصغرني بعام يسير بجواري ، أقنعته أن يعود لبيتهم فهو صغير ؛ أما أنا فقد صرت كبيرا وسأدخل المدرسة العام القادم .

تفتق ذهني عن فكرة تعيد جمال للحياة ، سأصعد للمئذنة مثل أبويا عبدالله الشندلاتي مؤذن الجامع وأقول لربنا يخلي جمال عشان أبويا وكل الناس زعلانة ، أنا عارف إن ربنا بيحبني وهيسمع كلامي ، تسللت صاعدا ، رفعت رأسي لأرى الله ، اصطدمت عيني بالشمس فأغلقتها حزينا ، تذكرت إن أمي قالت : ربنا بيشوفنا وإحنا مبنشوفوش ، أكدت لي هذا حين كانت تضع بجيبي قرشا وتعطيني صحن كي أشتري عسلا من دكان عبد السيد وتكرر تنبيهها : لو لحست من العسل وأنت ماشي ربنا هيشوفك ويقول لي .

يارب خلي جمال .. أبويا والناس كلها عايزينه . ، نزلت ركضا ، شققت الصفوف المتراصة للصلاة حتى أصل للنعش وأبلغ جمال إن ربنا سمع كلامي وهيخليه وهخليه يقوم عشان يفرحهم ، بحذر رفعت الغطاء عن النعش ولكني لم أجد شيئا .