السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أكرموهم أحياء..فذلك حقهم علينا !! ....عبد الهادي شلا
أكرموهم أحياء..فذلك حقهم علينا !!  ....عبد الهادي شلا

 

 يشهد التاريخ بأن الأمم تتباهى وتتفاخر بإنجازات مبدعيها على مر العصور،و تحتل هذه الإنجازات جزءا هاما يتجدد من تاريخها ،و تبذل الجهد للاحتفاظ بأعمالهم ليستفاد منها وتبني عليها الأجيال بما يمنحونها نفحة روح جديدة تتوائم مع أزمانهم وقلما نجد بلدا يخلو من المتاحف ولأصحابها أو تنصب لهم التماثيل في الميادين العامة تقديرا وعرفانا بفضل ما قدموه لوطنهم وللإنسانية .

 

يبقى إسم المبدع المعطاء متألقا لا تغفل عنه الذاكرة ، وتفتخر به أمته أمام الأمم أخرى..هكذا سمعنا وقرأنا ومازلنا نرى ونسمع عن تكريم مبدعين في شتى بقاع الأرض الأمر الذي يجعلنا نقف في كثر من الأحيان متأملين في شكل هذا التقدير ومستوياته ونقارنه بما يجري في "بعض" بلادنا من إهمال ونسيان لمبدعين أثروا الحياة بعطائهم وتعلم عليها أجيال .

 

نتألم ونحن نتابع عدم الاهتمام بمبدع-فنان-كاتب-شاعر-مخترع-مجتهد...- " حيـاً" وهو يعاني من شظف العيش في زمن قاس متطلباته كثيرة تفوق طاقته التي نحن في حاجتها لتبقى متوهجة،بينما يُوَجـَه الاهتمام إلى من هم دون ذلك ممن لا يستحقون بما يقدمون من أعمال "هابطة" أن يحتلوا تلك المساحة الواسعة لنشر ما يُنكره كل جاد من أصحاب الذائقة الرفيعة.!

 

قد يقول قائل:بأن هناك تكريم ،ولا يجوز التعميم!!

 

نعم ..ولكن هذا التكريم يسبقه ضجة وتهليل تتحكم في أغلبه علاقات ومصالح وربما هو نوع من "االاستعراض" الكاذب خرج عن الأصل وضل الطريق وسط حالة التخبط التي يعيشها عالمنا المتحارب مع نفسه،فلا يرى ولا يميز ولا يُقيم للعطاء السامي تلك الأهمية ذلك أنه في نظر "المُكـَرِمين" بكسر الراء، لا يحقق لهم هدفا لذلك نرى هذا النوع من التكريم يتجه وجهة أخرى لن يقيم لها التاريخ أهمية بعد فترة قصيرة من الزمن وسيختفي أصحابها وتكريمهم معهم لأنهم وُجـِدوا في الوقت الخطأ..!!

 

الأمم التي تنكر فضل مبدعيها في زماننا المتسارع الخطى،هي أمم تعيش على هامش الحياة وتحبس نفسها في قفص الوهم حين تتشدق بما أنجزت في زمن مضى وما بقي منه إلا أثر يمجد عظمة من قام بانجازاته وليس لهذه الأمم في الحاضر إلا نصيب الذكرى بعد ان استنفذ كل ما فيه وما يمكن أن يُبنى عليه.

 

البعض ،أحيانا،يوجه اللوم إلى الجهات الرسمية في تقصيرها نحو أبنائها المميزين بعطائهم!!

 

هذا جزء من الحقيقة،ولا يجب أن يُعمي أعيننا عن تقصيرنا أيضا كأفراد ومؤسسات قادرة أن تقوم بواجبها نحو هؤلاء الذين تشهد لهم انجازاتهم وابداعاتهم بأنهم قد منحونا كل جهدهم وعظمة تفكيرهم وهم يأخذون بأيدينا كي نتأقلم مع الحياة المتطورة إن كان بأدواتها أو طريقة إحساسنا بما يدور حولنا من جمال .

 

ما يجعلنا نثير هذا الأمر هو ما تتناقله الأخبار ومواقع التواصل  في بعض بلداننا العربية حول أخبار تدهور حالات صحية أو موت أحد رموزها الفنية أو الفكرية وإفلاس لبعضهم ا بعد مشوار مع العطاء أسعدوا فيها الملايين ولا نريد لهم مذلة السؤال وهم يتعففون عنه!!

 

من حقهم علينا ،وهم أحياء،أن ننصفهم ونمنحهم بعضا مما منحوه لنا من سعادة وجمال وقيم غرسوها في نفوس الأجيال وستبقى كما بقيت أعمال أخرين رحلوا ومازلنا نعيش مع إبداعاتهم الفنية والثقافية ومع فلسفاتهم ورؤاهم التي استشرفوا فيها بعضا من المستقبل الذي نعيشه اليوم.

 

لا يفيدنا التمادي في كثرة الالتفات إلى الماضي السحيق وما حمل لنا من إرث إن لم نأخذ بما فيه من قيم وجمال ونبني عليها ما ينفعنا والإنسانية في زمن الصراع المحتدم للتربع على القمة والتحكم في مصير الإنسانية جمعاء بجبروت القوة.