الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
إسراء غريب.. بأى ذنب قُتلت؟!....هبه عبدالعزيز المولا
إسراء غريب.. بأى ذنب قُتلت؟!....هبه عبدالعزيز المولا

«أكيد هىّ اللى غلطانة.. غلطة البنت غير غلطة الولد.. اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24.. خربت بيتها بإيدها.. ده جوزك وأبو ولادك واسكتى يا بنتى أحسن علشان بيتك.. أصل هو عمره ما هيضربها من غير سبب.. بيضربها علشان خايف على شرفها طبعاً.. البنت المتربية صوتها ما يطلعش..». كان يوماً طويلاً ومزدحماً كالعادة، عدت إلى بيتى أخيراً. وبعد أن استرحت بعض الشىء، وقبل أن أخلد إلى النوم، فتحت جهاز التلفاز، ثم أمسكت «الريموت كنترول» فى رحلة سريعة قاصدة أن أتجول من خلالها قليلاً ما بين المحطات (المحلية، العربية، والعالمية) لألقى نظرة سريعة على أحوال العباد والبلاد، قبل أن أتوقف فى نهاية رحلتى القصيرة تلك عند قناتى المفضلة فى هذا التوقيت «ماسبيرو زمان»، حيث اعتدت متابعة مسلسل قديم «الحب وأشياء أخرى» كان قد دلنى على موعد إذاعته صديقى المشاكس العزيز الإعلامى هشام العاصى فى آخر مكالمة هاتفية بيننا. وقبل أن يتوقف بى «الريموت» فى محطتى المبتغاة كى أشحن نفسى المتعبة من استهلاكها طوال اليوم بحالة من النوستالجيا التى تحسّن المزاج وتمنح الشعور بالدفء والسعادة، حتى أستطيع مواصلة رحلة الكفاح فى الحياة لليوم التالى، حدث أن استوقفنى على إحدى المحطات خبر يقول الآتى: (جريمة جديدة من «جرائم الشرف» فى المجتمع العربى.. وفاة إسراء غريب: هل تبرر مجتمعاتنا العنف بدعوى حماية الشرف؟). ولعلى توقفت عند الخبر على المستويين، الإنسانى أولاً بالطبع، وأيضاً على المستوى المهنى، بحكم عملى كمديرة لوحدة المرأة وقضايا المجتمع بأحد المراكز الاستراتيجية المعنية بمجال الدراسات والبحوث. ومن هنا بدأت معى القصة.

لم أكتفِ حينها بمشاهدة أو سماع الخبر السابق، ودخلت على الفور على محرك البحث «جوجل» ورحت أفتش عن مزيد من التفاصيل المتداولة حتى لحظتها فى وكالات الأنباء المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعى، حيث سيطرت علىّ حالة من الغضب والقرف المصحوب بشعور من النقمة تجاه مجتمع ما زال يتعامل مع الشرف كأنه غطاء يضعه أمام الجميع لستر وحش قبيح يسكن فى عاداته وتقاليده البالية، فكم هو بلا شرف وتافه ومعاق هذا المجتمع الذى يتخذ من الجاهلية منهجاً له، فقتل النفس محرّم فى كل الأديان وفى الإسلام تحديداً، واستمررت فى البحث حتى وقعت عينى على مقطع منتشر استمعت فيه لصوت صرخات «إسراء» -الفتاة العربية الفلسطينية ذات الـ21 عاماً ابنة بلدة (ساحوم) ببيت لحم بالضفة الغربية- كانت تصرخ فيه مستنجدة بالشرطة وهى بالمستشفى قبل موتها صرخات متواصلة تعلو وتعلو تكاد أن تقطع القلب تقطيعاً، وقد بدت وكأنها فى غرفة مغلقة، كان بها عدد من أفراد أسرتها وأقاربها، بحسب رواية «محمد صافى»، زوج أختها، والذى فوضته عائلة «غريب» ليصبح هو المتحدث باسمها. وفى أكثر من حوار له مع الصحافة كان قد ذكر «صافى» أن المقطع المسجل المتداول كان للمتوفاة «إسراء غريب» رحمها الله، وأنه كان صوت صراخها بالفعل.. ولماذا كانت تصرخ يا أخ «صافى» بهذه الطريقة الهستيرية؟!! وتأتى إجابته: لأن أحد الشيوخ كان موجوداً مع أفراد عائلتها بالغرفة فى المستشفى يحاول إخراج الجن من جسدها!. ورحت أردد منفعلة: لاااااا ياااااا شيخ! كيف يحدث ذلك؟ وما هذا الهراء؟! ولن أخفى عليكم، فلم أستطع النوم مطلقاً فى تلك الليلة، وظللت مستيقظة أفكر.. كيف يمكننى أن أتجاوز قصة موت إسراء؟!

فقد شعرت وما زلت أشعر أننى لا أستطيع حتى التعبير عن حزنى الشديد الممزوج بإحساس أشد من القهر هزّ أعماقى من الداخل إن لم يكن زلزلها! وكيف لى أن أتحمل هذا الإحساس بكل هذا الكم من الظلم والقسوة والتخلف والحقارة، ورحت أتساءل: متى ستتوقف تلك الجرائم؟!

اليوم إسراء وغداً أنا ثم أنت وكم من ضحايا قُتلوا ولم نسمع عنهم.

* كاتبة في صحيفة أخبار اليوم المصرية