الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
القيادات الكردية وحيّز التكتيك الأمريكي...فراس ياغي
القيادات الكردية وحيّز التكتيك الأمريكي...فراس ياغي

 

 قال أحد المفكرين " إن التكتيك هو اللعب في حيّز خلقه العدو وكل ما تملكه في هذا الحيّز هو المناورة بين خيارات سيئة...في حين الإستراتيجية فهي أن تحاول التحرك خارج هذا الحيّز وزعزعة قواعد اللعبة"

عقلية القيادة "الكردية" للأسف إعتمدت في حركتها التكتيك ولم تحاول بالمطلق التفكير بشكل إستراتيجي وبما يؤدي لحماية الشعب الكردي ويحقق له بعضاً مما يَطمح، فكانت على الدوام تعمل في حيّز التناقضات بين دُول الإقليم وضمن مفهوم الصراعات الدولية ومحاورها.

سابقا وقف جزء من فصائل العمل الكردي مع الكتلة الإشتراكية لمواجهة "تركيا" و"إيران الشاه" ولكن في "العراق" و"سوريا" الحليفتان للسوفييت المسألة إختلفت، حيث "سوريا" دعمتهم ضد "تركيا" حتى إتفاق "أضَنَة"، وفي "العراق" تحصلوا على حكم ذاتي، لكن المواجهة الحقيقية بقيت مع "تركيا" حيث غالبية الشعب الكردي وغالبية أراضيه الموزعة والممتدة إلى "إيران" و"العراق" أيضا.

بعد إنهيار الكتلة الإشتراكية تغيّر العالم وأصبحت "أمريكا" لعقدين من الزمن الشرطي الاوحد في العالم، ورغم أن الغالبية الكردية توجهت للحلف الأمريكي في "العراق" ضد الرئيس الراحل "صدام حسين"، وفي "إيران" ضد الثورة الإيرانية، ولاحقا جزء من تحالف ضد "داعش" وفي نفس الوقت ضد الدولة السورية، إلا أنه بما يتعلق بالموضوع التركي والذي هو الأساس بقيت أمريكا في حلف إستراتيجي مع الدولة والجيش التركي وحتى لو كان على حساب حليفهم الكردي.

حيّز التحالفات التي وقفت فيها الفصائل الكردية مع الأمريكي الذي كان السبب الرئيسي في عدم حصولهم على حق تقرير مصيرهم بسبب دعمهم لِ "تركيا"، لم يستطيعوا من خلاله رغم  كل الخدمات الكبيرة التي قدموها أن يحققوا شيئا لشعبهم، فالفصائل الكردية وقفت بقوة ضد الراحل "صدام حسين" وسهلت للولايات المتحدة كل ما تريده من سياسة وعسكر وإستخبارات، لكنها حصلت على حكم ذاتي وحين قرر إقليم "كردستان- العراق" الإنفصال إنتفضت الدولة العراقية وقضت على محاولات البرزاني وبدعم أمريكي وإقليمي ودولي، نفس الخطأ تم إرتكابه في "سوريا"، رغم أن طموحهم كان أقل من إنفصال ويبحثون عن إقليم "كردستان-سوريا"، لكن حتى هذا المفهوم غير مقبول لا في "سوريا" ولا لِ "تركيا" ولا لِ "إيران" ولا لِ  "روسيا والصين" ولا حتى لراعيهم الأمريكي، لأن المصالح مع الدولة التركية أهم بكثير من الأكراد وتقرير مصيرهم.

القيادة "الكردية" أخطأت إستراتيجيا في "سوريا" وكان عليها أن تتحالف مع الدولة السورية والمحور "الروسي–الإيراني" وليس مع الأمريكي، لأنه في الحد الأدنى كانت ستحصل على مفهوم من "الحكم الذاتي" وبدعم من هذا المحور، لكن تحالفهم مع الأمريكي دفع الأتراك للتنسيق الكامل والشامل مع المحور "الروسي-الإيراني" رغم تعارضه في كثير من الأحيان مع مصالح الدولة السورية بشكل تكتيكي، خاصة أن "تركيا-أردوغان" في "أستانة" و "سوتشي" أكدت على وحدة أراضي الدولة السورية، مع الأخذ بعين الإعتبار نفاق وكذب "أردوغان".

"تركيا" عضو في حلف "الناتو" وهي مهمة إستراتيجيا "للولايات المتحدة"، وفي نفس الوقت فإن المحور "الروسي-الإيراني" يريدون طمأنتها بأن الأمن القومي التركي لن يمسه أحد، وهنا المقصود "المسألة الكردية" وهذا سيدفع "تركيا" أكثر للتعاون والتفاهم مع هذا المحور بما يتعلق بِ"سوريا" والمنطقة ككل، إذا ما علمنا أن كل المعطيات تشير إلى أن قوة "الولايات المتحدة" إلى أفول في منطقة الشرق الأوسط، وهي لا تفكر إلا بكيفية حماية ودعم دولة "إسرائيل"، وفي نفس الوقت فإن الدولة السورية وحلفاءها يرون أن يتورط التركي في صراع دموي مع الأكراد مما سيؤدي بالضرورة لأن تتنازل في ملفات أخرى وستضطر لاحقا للإنسحاب من الأرض السورية سلما عبر تفاهمات اساسها محاربة ومنع الأكراد من إقامة إقليم "كردستان" جديد أو بالقوة عبر تحالف كل مكونات الشعب السوري في مقاومة ستأخذ وقتها.

القيادة "الكردية" لم تلعب وفق المفهوم الإستراتيجي، فمسألتها أساسها في "تركيا" حيث الأرض والشعب، وهناك يكمن الأساس لدولتها وكان عليها أن تركز همها وصراعها لتحقيق ذلك، لا أن تلعب في حيّز خلقه الأمريكي ضمن تكتيك الصراع والمحاور في المنطقة، وليس ضمن المفهوم الإستراتيجي، ومسألة الإنفصال الموءود في "العراق" كان مثال واضح، لكن هذه القيادة التي أخطأت ولا تزال تتعامل وكأنها ليست جزء من المنطقة ولا جذورها أصيلة في الشرق "الأدنى القديم"، بل لا تتغنى بقياداتها التي قادت العرب وحققت إنتصارات عدة ك "صلاح الدين الأيوبي"، وبدل ذلك حاولت أن تُغري أمريكا والغرب بأنها ستكون "إسرائيل" الثانية، ولو قرأت التاريخ جيدا لعرفت أن لا وجود إلا لِ "إسرائيل" واحدة في عقلية الغرب وبالذات الأمريكي الإنجيلي الصهيوني.

لا يزال هناك متسع لكي تعود هذه القيادات الكردية عن صلفها وعقليتها المتآمرة وتعمل على تسليم مناطقها فورا للجيش السوري والدولة السورية لمنع إستمرار الغزو التركي ولمواجهة عدوان وغطرسة "أردوغان"، إلا إذا كانوا يُنفذون الأجندة الأمريكية الإستعمارية في تدمير الدولة السورية وتمزيقها، ويبدو أنهم كانوا جزءاً من تلك اللعبة ولا يزالوا.