الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
نتنياهو وحزامه الأسود....تميم منصور
نتنياهو وحزامه الأسود....تميم منصور

ادعاء بنيامين نتنياهو ووزير حربه الطازج نفتالي بينت وقائد جيشه كوخابي ، بأنهم احرزوا انتصاراً، وحققوا كل الخطط التي أعدوها عشية العدوان الأخير على قطاع غزة ، والتي أطلقوا عليها باستخفاف حلبات المصارعة  " الحزام الأسود " .

غالبية الاسرائيليين يدركون أن هذا الادعاء كاذب، وقد  جاء للاستهلاك المحلي  ولتفريغ شحنات الاحتقان والغضب والحيرة من قلوب ونفوس المواطنين في دولة بني صهيون .  لقد تعمد نتنياهو القيام بهذا العدوان المفاجىء ، لأن الجبهة مع قطاع غزة كانت هادئة ، باستثناء الحراك السلمي الذي يقوم به الفلسطينيون كل يوم جمعة ، للتعبير عن رفضهم لاستمرار الحصار على مليوني مواطن أصبحوا يعيشون داخل سجن كبير محاطاً  بحقول من الالغام البشرية في البر والبحر، اسرائيل تفرض هذا الحصار بالتعاون مع مصر وبدعم من الولايات المتحدة وصمت المؤسسات الدولية والعالمية .

الاسلوب الذي استخدمه نتنياهو والكابينت الأمني الذي يحيط به ، يذكرنا بما كانت تقوم به بعض الأنظمة العربية الفاسدة المستبدة من افتعال المناوشات والمعارك المحدودة مع اسرائيل ، عندها تبدأ بتصدير البيانات الأول والثاني إلى ما لا نهاية، المصحوبة بارقام كاذبة عن خسائر العدو ، كانت هذه الأنظمة تفتعل هذه الأحداث من أجل تحويل أنظار الشعب عن ممارساتها القمعية ضد شعوبها .

اليوم بنيامين نتنياهو يستخدم هذا الأسلوب بدعم من قادة اليمين الفاشي الذين يدعمون سياسته ، فقد خططوا لاغتيال أحد قادة الجهاد الاسلامي للتغطية على فشلهم في قيادة هذه الدولة التي تركض نحو الهاوية،  من خلال عدم قدرتهم العودة إلى الحكم ، رغم اعادة الانتخابات للمرة الثانية .

نتنياهو مستمر في مخططه وهو الافلات من العقاب ، مهما كلف الثمن بتصريحاته العنصرية الشبه يومية ضد المواطنين العرب ، بصورة عامة والقائمة المشتركة بصورة خاصة، هذه التصريحات تزيد من تعريته أكثر وتكشف عن معدنه ، وأن نثر عبارات الحقد والأنانية والعنصرية سوف يحسم مصيره في النهاية، وهو الفشل والقذف في مزابل التاريخ .

فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة التي انتظرها وحلم بها زاد من شراسته ، فلم يبق أمامه سوى المتاجرة بدماء أبناء شعبه وبدماء الفلسطينيين ، هو يعرف ان أي عدوان على غزة سوف يعرض كل بيت في اسرائيل للخطر من صواريخ المقاومة  ويعرف أكثر بأن دولته سوف تصاب بالشلل اقتصادياً وشللاً في وسائل النقل والمواصلات ، ويعرف ماذا ستكون نتيجة العدوان لدى الطرف الآخر ، أي قطاع غزة حيث لا توجد ملاجيء لحماية كتل اللحم البشرية التي زجها النظام العربي والعالمي في هذه البقعة الخالية من اية تضاريس  طبيعية لحماية هذه الكتل وتمنع سفك الدماء .

هو يعرف وقيادته أيضاً تعرف أكثر  بأنه يعتدي على قطاع صغير محاصر ، لا يملك سوى قوة الصمود والإرادة والاعتماد على الذات ، لقد اعترف الجنود الاسرائيليون بأنهم شاهدوا جنود الجيش المصري وهم في حالة من الغفلة والغيبوبة اثناء العدوان ، وقد ذكرت الصحف العبرية بأن القيادة المصرية سارعت الى ارسال التعزيزات باتجاه المنتجعات التي يلهو به السياح الاسرائيليون في طابا وذهب وساحل نويبع لحمايتهم.

اسرائيل كدولة عدوانية احتلالية ، تعيش في عصرها الذهبي لأنها استطاعت بمساعدة امريكا من تعميق الانقسامات والعزلة والاحتراب بين الأنظمة العربية وقد جعلت من هذا العداء عداءاً طائفياً واثنياً واقليمياً، والانقسامات الطائفية داخل شعوب متخلفة مثل الشعوب العربية تقودها حركة الاخوان المسلمين وفئات سلفية أخرى , يعتبر عداءً  دامياً ومفصلياً ، هذا يذكرنا بالحروب التي كانت تحدث بين قيس ويمن والعرب والبربر ، اضافة إلى ثورات الخوارج والشيعة والسنة وغيرها .

اسرائيل وامريكا لم ينجحا فقط تحييد الأنظمة العربية لتي تسوقها امريكا من حدوث انقسامات دامية وعميقة بين القيادات الفلسطينية في كل مكان ، قيادة الفلسطينيين في سوريا لا تتعاون مع قيادة الفلسطينيين في لبنان أو عمان أو رام الله ، هذا ناهيك عن الانقسام  الذي ينزف بالركود وعدم التعاون بين حركة فتح وحركة حماس .

المؤسف والمحزن ان يقف ما يزيد عن ثلاثة ملايين فلسطيني ، ومثلهم في الاردن موقف المتفرج، موقف المتخاذل شغلهم الشاغل احصاء عدد الشهداء والجرحى وعدد البيوت التي دمرت نتيجة العدوان .

الكثير من الاعلاميين العرب والاجانب اشاروا أكثر من مرة بأن الفلسطينيين داخل الضفة الغربية يعيشون بين فكي الكماشة ،  كماشة الاحتلال وكماشة السلطة الفلسطينية التي تمنعهم من التعبير عن رفضهم للعدوان ، وهذه هي الطامة الكبرى ، فالسلطة ترجمت اللاعنف بزيادة الضغط والكبت والممنوع  ، ولا زالت هناك اتهامات للسلطة من قبل الكثيرين بأنها تتعاون مع اجهزة الاحتلال للتخلص من المقاومين داخل الضفة الغربية وقطاع غزة ، نأمل ان تكون هذه المعلومات مغلوطة.

خلال العدوان الاخير لم تنطق اي عاصمة عربية بكلمة احتجاج ، كأن قطاع غزة في كوكب آخر، لقد نجح قادة الانظمة العربية من تدجين شعوبهم خاصة في القضايا التي تخص الشعب الفلسطيني خوفا من امريكا ومسايرة لاسرائيل وما نشاهده هذه الأيام بانه كلما ازدادت شراسة الاعتداءات الاسرائيلية ومضايقاته للشعب الفلسطيني بتوسيع  الاستيطان وانتهاك حرمة الأقصى ومصادرة الأراضي  وهدم البيوت وفتح أبواب السجون وغيرها من أساليب القهر والقمع، فان ابواب التطبيع مع اسرائيل تزداد اتساعاً آخر، من هذه الأبواب السماح لاسرائيل المشاركة في مؤتمر البحرين الاقتصادي الذي نظمه الرئيس الامريكي الارعن ترامب بدعم من السعودية وهدفه تصفية القضية الفلسطينية .

ان نتنياهو وقيادته يدعون بأن العدوان الذي خطط له ، ونفذه على غزة وشعبها قد حقق اهدافه، نعم نبارك له بهذا الانتصار الدامي الذي فتك بعائلة السواركة بأكملها   خمسة أطفال وثلاثة من الكبار كانوا يعيشون في خشة بائسة في دير البلح،  ابلغه جنرالاته بان هذه الخشة هي قيادة من قيادات حركة الجهاد المقاومة فتم سفك دماء هؤلاء الابرياء من قبل الجيش الذي لا يقهر ، انها مجزرة جديدة من المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني ، مثل مجزرتي  قانا الأولى و قانا الثانية وقبلها كفر قاسم والطنطورة ودير ياسين وقبية والقائمة طويلة .

في رأيي ان انتصار نتنياهو في هذا العدوان هوفي حقيقية التساؤلات التي اثيرت حول موقف حماس ووقوفها موقف المتفرج ، فهناك من اعتقد بأن موقف حماس الخاضعة لفكر الاخوان المسلمين نتيجة تأثير اجندات خارجية ، لها علاقة بمصر وأموال قطر وتركيا ، وهناك من يدعي بأن موقف حماس من العدوان ينبع من موقف استراتيجي ، وهو عدم المشاركة في المواجهة خوفاً من توسيع هذا العدوان كما حدث سنة 2014 وهذا ما أراده نتنياهو و وزير دفاعه بانيت ، الايام القادمة سوف تكشف الحقيقة .