الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الأفلام الأميركية أولاً والعرب يتراجعون
 الأفلام الأميركية أولاً والعرب يتراجعون

تشير التقديرات الأخيرة لـ"المركز الوطني الفرنسي للسينما والصورة المتحركة" إلى ارتفاع نسبة التردّد على دور العرض في فرنسا خلال عام 2019، وتجاوز عدد التذاكر المباعة للعام الخامس على التوالي عتبة 200 مليون تذكرة. فقد أعلن "قسم الدراسات والإحصائيات" في المركز، نهاية  تشرين الثاني الماضي، أنّ التذاكر المباعة في فرنسا، في 12 شهراً، بلغ عددها 211 مليوناً و61 ألف تذكرة، مقابل 203 ملايين و91 ألف تذكرة العام الماضي، أي بزيادة 3.8 بالمئة. وأظهرت الأرقام المُعلَنة أنّ التردّد على دور العرض في  تشرين الثاني وحده تجاوز 20 مليون تذكرة مباعة، بزيادة 8.4 بالمئة عن الفترة نفسها في العام الفائت.

بدأ عام 2019 بتردّد ضعيف على دور العرض السينمائي، تلاه انخفاض حاد مع بداية الربيع، مقارنة بعام 2018، قبل أنْ يرتفع مجدّداً مع شهري مايو/ أيار ويونيو/ حزيران، ويتابع الصعود حتى  كانون الأول، بعد بلوغه الذروة في يوليو/ تموز (زائد 30 بالمئة، مقارنة بالفترة نفسها في العام الفائت)، مع العروض التجارية لفيلم الرسوم المتحركة الأميركي "الأسد الملك" لجون فافرو، الذي يتربّع على لائحة الأفلام الـ10 الأكثر مُشاهدة في فرنسا.

أما النسبة الأعلى من إيرادات العام الجاري، فكانت للأفلام الأميركية، رغم أنّ أعدادها المعروضة سنوياً أقلّ من أعداد الأفلام الفرنسية. إذْ أظهرت تقديرات "المركز الوطني الفرنسي" أنّ حصّة الفيلم الفرنسي منها في السوق تراجعت إلى 36.4 بالمئة، بعد أن كانت 39 بالمئة العام الماضي، وانخفضت حصّة الفيلم الآخر، أي غير الفرنسي وغير الأميركي، إلى 11.6 بالمئة، بعد تجاوزها 15 بالمئة العام الفائت، فتكون أكثر التذاكر المباعة في الصالات الفرنسية للفيلم الأميركي، المرتفعة حصّته في السوق إلى 52 بالمئة، بعد أنْ كانت 46 بالمئة عام 2018.

يُذكر أنّ فيلمين فرنسيين فقط كانا على لائحة الأفلام الـ10 الأكثر مُشاهدة في فرنسا، حتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي: الكوميدي "ما الذي فعلناه، أيضاً، بحقّ الإله؟" لفيليب دو شوفرون (المرتبة 3) والتحريك "أستريكس، سرّ الجرعة السحرية" للوي كليشي وألكسندر أستييه (المرتبة 7). هذا إلى جانب أفلام أميركية، كـ"الملك الأسد" و"المنتقمون: نهاية اللعبة" لجو وأنتوني روسّو و"جوكر" لتود فيليبس و"ملكة الثلج 2" لجنيفر لي وكريس بوك.

الكوميديا الفرنسية تلك استقطبت نحو ستة ملايين ونصف مليون مُشاهد في فرنسا، في أربعة أشهر، علماً أنها لا تزال تُعرض في مدن فرنسية صغيرة. إنّها جزء ثان من فيلم بالعنوان نفسه، لكن من دون "أيضاً"، أنجزها المخرج نفسه عام 2014: قضية حسّاسة تتعلّق بالزواج المختلط بين بنات أسرة فرنسية كاثوليكية محافظة، وفرنسيين من أصول عربية وآسيوية وأفريقية، وأبناء ديانات "أخرى"، ما يخلق مواقف ساخرة، يقودها الممثل الفرنسي المشهور كريستيان كلافييه. فيلم بسيط عن الانفتاح على الآخر، يبغي الإضحاك فقط.

في اللائحة الطويلة التي تضمّ الأفلام الأكثر مُشاهدة في فرنسا، هناك فيلم "آخر" يحتلّ مرتبة متقدّمة نسبياً: "طفيلي" للكوري الجنوبي بونغ جون ـ هو، الفائز بـ"السعفة الذهبية" للدورة الـ72 (14 ـ 25 مايو/ أيار 2019) لمهرجان "كانّ" السينمائي (المرتبة 26، بفضل مليون و700 ألف تذكرة مباعة).

أما السينما العربية، التي تُشكّل إحدى مكوّنات "الفيلم الآخر" (غير الفرنسي وغير الأميركي)، فتراجع وجودها في صالات العرض الفرنسية بشكل واضح، إذْ هبط عددها إلى النصف خلال 2019. ومن نحو 20 فيلماً العام الفائت، هناك 10 أفلام فقط عام 2019، توزّعت بين الروائي والوثائقي. يُعزى هذا الانخفاض الكبير إلى عدم انتظام الإنتاج في معظم الدول العربية، واقتصاره على مبادرات فردية. من أصل الأفلام الـ10 تلك، عبّرت خمسة منها عن الحروب ووحشيتها، وعن الموت الجسدي والنفسي للكائن البريء. فيلمان وثائقيان لسوريّين أظهرا أبشع صُوَر الحرب والظلم اللاحق بالأهالي: "لسّه عم تسجل" لسعيد البطل وغيّاث أيوب و"إلى سَما" لوعد الخطيب وإدوارد واتّس. واستعادت أفلام مخرجين جزائريين إرهاب الحرب الأهلية في الجزائر، كـ"حياة غير مرئية" للجزائري البرازيلي كريم عينوز و"بابيشا" للجزائرية الفرنسية مونية مدور. وعرض "محطة بغداد" للعراقي محمد الدراجي، عن انتحارية تريد تفجير محطة القطار. أما الأفلام الفلسطينية، فتعبّر عن القضية، لكن بعيداً عن الحرب، كـ"تل أبيب على النار" لسامح الزعبي، و"التقارير حول سارة وسليم" لمؤيد العليان، و"إنْ شئت كما في السماء" لإيليا سليمان.

من الأفلام العربية المعروضة في فرنسا عام 2019، هناك أفلام عن حال المرأة في العالم العربي، كـ"نور" للّبناني خليل دريفوس زعرور، والوثائقي "أمل" للمصري محمد صيام، و"نور تحلم" للتونسية هند بو جمعة. من تونس، هناك أيضاً "آخر واحد فينا" لعلاء الدين سليم، وهو فيلم صامت عن توهان مهاجر في رحلة بحثه عن ملجأ، وعن ذاته.

إلى ذلك، معلومٌ أنّ فرنسا، خلافاً لغيرها، بلدٌ يقاوم السيطرة الهوليوودية، من حيث استيراد الأفلام، ونسبة نجاح السينما المحلية، وأنّ لديها نظام حماية يحسدها كثيرون عليه.

وتتلقّى السينما دعماً من الدولة عن طريق "المركز الوطني للسينما والصورة المتحركة"، ويُفرَض نظامٌ ضريبيّ على شركات التلفزيون والموزّعين والتذاكر المباعة، فيُكرّس 11 بالمئة من سعر كلّ تذكرة للضرائب التي تدعم السينما. الفرنسيون هم أكثر شعب أوروبي يتردّد على دور العرض، يأتي بعده البريطانيون والألمان. حصّة الفيلم الوطني في السوق هي الأعلى بين جيرانها الأوروبيين. ويشكّل الفرنسيون، ممن تجاوزوا 50 عاماً من أعمارهم، نصف جمهور الفيلم الفرنسي، و33 بالمئة من النسبة الكلية للمتردّدين على الصالات؛ بينما يشكّل الشباب، ممن أعمارهم أقلّ من 25 عاماً، 44 بالمئة من مُشاهدي الأفلام الأميركية.

لكن هذه الفئة العمرية هي الأقلّ التي تذهب إلى الصالات (15 بالمئة من مجمل المتردّدين)، وعند ذهابها، تختار فيلماً أميركياً. أما الفئة العمرية الأكثر توجّهاً إلى السينما، فهي التي تتراوح أعمارها بين 25 و49 عاماً، وتشكّل 34 بالمئة من نسبة الجمهور.

هذه الأرقام منشورة في دراسة مفصّلة لـ"المركز الوطني الفرنسي للسينما" تناولت وضع السينما خلال العامين الفائتين. وتبيّن الدراسة أنّ عدد الأفلام الفرنسية المعروضة عام 2018 هو 356 فيلماً، والأوروبية 122، والأميركية 129، والأفلام الأخرى 77، ليكون مجموع الأفلام المعروضة تجارياً، وهي أفلام جديدة لم تُعرض سابقاً، 684 فيلماً.

الأرقام التي أوردتها الدراسة جوابٌ على من يتنبّأ دائماً بموت السينما. إذْ أنّ عدد المتردّدين على دور العرض في فرنسا يتزايد باضطراد، وهو ارتفع بنسبة 31 بالمئة بين عامي 1999 و2018.