الجمعة 17/10/1445 هـ الموافق 26/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الكورونا في ميديا التواصل التكنولوجي بين رسمية المحتوى وشعبية الطرح....د. رنا سعيد صبح ود. روزلاند كريم دعيم
الكورونا في ميديا التواصل التكنولوجي بين رسمية المحتوى وشعبية الطرح....د. رنا سعيد صبح  ود. روزلاند كريم دعيم

 

الكورونا في ميديا التواصل التكنولوجي بين رسمية المحتوى وشعبية الطرح

د. رنا سعيد صبح

د. روزلاند كريم دعيم

الفيروس التاجي "كورونا"

ينتمي فيروس كورونا Corona إلى مجموعة الفيروسات التاجية. أصل تسميته لاتيني، مستمَد من الشكل الذي يتخذه في المجهر، إذ يظهر كالتاج. يتسبب الفيروس بأمراض لدى الحيوانات والبشر.

أما فيروس كورونا المنتشر عالميا في أيامنا، فيقصد به كورونا المستجد (Virus Corona Nove) الذي تم اكتشافه في أواخر العام 2019، في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي في الصين، ومن هناك انتقل إلى مقاطعات أخرى ليصل أنحاء الكرة الأرضية.

تشبه أعراض المرض الناجم عن فيروس كورونا الجديد أعراض الأنفلونزا: الحمى والسعال وضيق التنفس. ويمكن أن يؤدي إلى التهاب رئوي حاد ومتلازمة تنفسية وفشل كلوي وقد يصل ضرره حد الوفاة. ولم يتم بعد التحقق من نسبة المضاعفات الوخيمة التي قد يُصاب بها البشر جراء العدوى.

تم الإعلان عن الكورونا كوباء عالمي، لتتجند كافة الحكومات في العالم، بدوائرها الصحية وما يتصل بها من مؤسسات من أجل مكافحة الفيروس واتقاء العدوى والحد من انتشارها، واتخاذ الخطوات الاحترازية والوقائية خصوصًا لدى ذوي الضعف المناعي وفي شريحة الجيل المعرضة إلى الإصابة بالفيروس أكثر من غيرها، لا سيما الشيوخ والأطفال.

 يختلف تداول موضوع الكورونا ما بين المؤسسات الرسمية وبين المجتمعات الشعبية في مختلف الأقطار والبلدان. فتناولت الباحثتان ما جاء في ميديا التواصل التكنولوجي، خصوصًا الفيسبوك وتطبيق الواتساب، باعتباره مادة خام تقدم صورة صادقة عن الآليات التي تبنتها المجتمعات في مواجهة الكورونا وما ينجم عنها من أعراض ومخاطر وظواهر ومقارنات وسلوكيات، تتعلق بخصائص حضارية ثقافية تسم كل مجتمع بسماته.

 

دراسة الظاهرة على المستوى الشعبي

غالبًا ما يدرس باحث الحضارة ظاهرة حضارية قائمة وممتدة في القدم ومستمرة، ويكون محظوظا جدا حين يدرس ظاهرة مع بداية تشكلها أو عشية زوالها. وقد تكون الظواهر الحضارية عارضة مؤقتة إلا أنها تستثير المخزون الحضاري لدى الناس، صانعي الحضارة، لتسهم العولمة والتواصل التكنولوجي في الوصول إلى الظواهر الحضارية المستجدة خلال وقت قصير.

ورغم القلق الذي يخيم على الجو العام مع ظهور الفايروس التاجي "كورونا" وتفشيه؛ لعدم وضوح أو توقع مدى تطوره على المستوى القريب أو البعيد، إلا أن الإبداع الحضاري تحرك بسرعة وتبدل وتشكل وفق المتغيرات اليومية على الساحة.

 تتميز هذه المرحلة الحرجة بسرعة نشوء المواد الشعبية ما جعلها ظاهرة إنسانية ثقافية حرية بالدراسة والملاحظة، ومن هذه المواد ما جاء على هيئة مقولات واردة على ألسنة شخصيات معروفة؛ فنسب لابن خلدون (1332 - 1406 م) القول: ""إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة واستعباد ومهانة كمن يساق للموت وهو مخمور"، ولكن باحثتا هذه السطور لم تعثرا على مصدره، بالرغم من تكرار تردده في الشابكة حتى خارج سياق السخرية في ظل الكوارث وانتشار فيروس كورونا.

لقد تمكنت الثقافة الشعبية الخلاقة من ترجمة كل مسببات الظاهرة إلى نصوص ومواد سردية من قصص ونكات ونوادر وأفكار واقتراحات ونصائح وتعليمات وأخبار وشائعات ومشاهد تمثيلية، مستعينة بسهولة التوثيق والتواصل التكنولوجي.

بعد أن أعلنت الصين عن حالة الحظر والهلع، انتشر فيديو من طبيب مصري يعمل في الصين يطلب عدم الاستهزاء بالمرض وتبعاته، فانهالت المواد الشعبية على أشكالها تثير استنفارا بحثيا وتحرك حفيظة باحث التراث والحضارة؛ وما زاد من تزايد انتشارها وتطورها هو عدم القدرة على توقع المستجدات؛ خصوصًا وأننا نشهد حالة من الفوضى / الكاوس التي تؤدي إلى فترة تكوينية لمواد شعبية ذات سمات خاصة.

ارتأت الباحثتان ضرورة رصد الفترة التكوينية للمواد الشعبية باعتبارها ظاهرة تستدعي الدراسة، وتحليل مركباتها السردية واللغوية المنتشرة عبر وسائل التواصل التكنولوجي، وبالأخص الواتساب والفيسبوك، في ظل تصاعد الأزمة الصحية الوبائية العالمية يومًا بعد يوم، وازدياد التعليمات للحظر والحجر الصحي، ما انعكس في كمية المواد الشعبية وأنواعها، والتي تربو على المائتي مادة كلها سهلة الحفظ والنقل كما هو الأمر في العالم التكنولوجي اليوم. وتم تحديد الفترة التكوينية لهذه المواد الشعبية وتقرر جمع ما توفر للباحثتين منذ بداية الأزمة وحتى الثالث عشر من آذار 2020، كونه تاريخًا مفصليا في تصعيد الأزمة وإعلان حالة الطوارئ في البلاد وفي الدول العظمى.

 

الكورونا في الميديا

قد احتل وباء الكورونا حيزًا شاسعًا في تفكير الأفراد والمجتمعات، وأثر في نظام حياتهم؛ حتى باتوا يعبرون عن أفكارهم ومشاعرهم ومخاوفهم من هذا الوباء علنا، ووجدوا في منصات الميديا التكنولوجية الاجتماعية ملاذا يُسقِطون على صفحاتها ما يجيش بين ضلوعهم وما يعتمل في أذهانهم.

وقد برز موقع الفيسبوك للتواصل الاجتماعي كمنصة مطروقة تتيح التنفيس لرواده، كذلك تطبيق واتساب بدا ودودًا لمستعمليه لما يتيحه من إمكانيات المحادثة الزوجية أو الجماعية، كتابة، صوتا، صورة وفيديو، قد تكون أصلية أو مركبة على مواد سابقة مع ملاءمتها للحدث.

من مستجدات عصر التواصل التكنولوجي تصوير المادة بأشكال مختلفة، سهولة إنتاجها ومونتاجها وانتشارها. ومهما تعددت الوسائل التكنولوجية والأنماط الإعلامية إلا أنها تحمل في طياتها مادة سردية قد تأتي على شكل قول أو صورة أو حركة، تغطي مساحة واسعة وسقفًا عاليًا للعمل والحرية والانتشار. 

 

المضامين والجانرات:

من المواد التي انتشرت في الفترة المرصودة ما كان رسميًا، إعلاميًا وتوعويًا، ومنها ما كان شعبيًا تطغى على معظمه النكات والنوادر والتوجه الساخرة. وهي في الغالب مواد سردية شعبية مجهولة المؤلف، تعبر عن أزمة يمر بها الفرد أو الشعب، ربما تكون بسبب الهروب من الواقع وعدم القدرة على مجابهته، خاصة عندما تصعب رؤية الحل عما قريب. فحملت هذه المادة السردية في طياتها جرأة وألما، وتنمرا جندريا، جنسيا، أو حتى عرقيا. ويُعتبر سردها أو سماعها عملية كثارتية تطهيرية للنفس، تنطوي في تكرار سردها أو نقلها على متعة مضاعفة، كعادة الأدب الشعبي عامة في سد حاجات المجتمع النفسية فيذوته ويتناقله.

المواد السردية الساخرة ليست بأمر مستحدث في الحضارة العربية، ولكنها على امتداد العصور أثبتت سهولة في وصولها وتداولها ونشرها، لا سيما وأنها لا تنتهك سرية الهوية لمطلقها. ولعل الحفاظ على سرية الناشر في العالم الافتراضي أتاح للباحثتين استعمالها دون المس بالملكية الفكرية لصاحبها.

وقد عرفت الحضارة العربية على مر العصور مواد سردية عديدة كالنوادر والطرف والملح والفكاهات، التي هدفت إلى التسلية أحيانا وإلى تخفيف الهموم في حالات أخرى، كما هو واقعنا الحالي في ظل أزمة كورونا، حيث تستعمل المواد بالأساس للتخفيف من الضغط النفسي المأزوم. وكانت المواد السردية في الغالب شفوية تتطلب سرعة البديهة، لذلك يصعب حفظها بشكل منظم مع انتهاء صلاحيتها، على خلاف واقعنا المعاصر ووسائل التوثيق والنشر التكنولوجية.

قد تكون المادة السردية فارغة المضمون حد التهريج، وقد تكون وسيلة تعبير عن وضع مرير يصعب التعبير عنه اجتماعيا أو سياسيا، وقد تكون وسيلة للتنفيس أو للتعبير عن الأزمات.

المواضيع المتداولة في المواد السردية تكون في الغالب موجودة في حياة الشعب، وتعبر عن حالات إنسانية طبيعية كالتعامل مع الأزواج والأولاد والعلاقات الاجتماعية والظروف السياسية، إلا أنها تجد لها أرضًا خصبة مع ظهور الأزمات. يكون مؤلفها في الغالب صاحب حس فكاهي ساخر وسريع البديهة، لديه القدرة على تأليف المواد وتبديل طريقة طرحها، يستعمل لغة بسيطة تصل إلى المتلقي بسهولة. طبعًا هذا عدا عن المواد التوعوية المنشورة رسميا تحت أطر ومسميات يكون منتجها إعلاميا.

استيعاب مضمون المادة السردية هو أحد أنماط استيعاب الحدث السياسي والاجتماعي والصحي. وتستخدم للتعبير عن القضايا غير التقليدية وغير الشائعة، وهي، كما ذكرت الباحثتان، تتطلب سرعة بديهة ورد فعل لاذع، وهذا ما نلحظه مع تطور المدونات والمواد بسرعة غريبة، وما يلفت النظر هو سرعة تأليف مواد جديدة ومتطورة مباشرة مع ظهور كل حدث وكل خبر إعلامي جديد، والسرعة المذهلة بين لحظة ولحظة في مضمون المواد وتركيبها صوتا على مواد أكثر قدمًا.

في الحالة المتداولة أظهرت النصوص والمادة السردية انضباطا أخلاقيا في معظم الأحيان، ولكنها أظهرت أيضًا جرأة فجاءت في بعضها خارجة عن المألوف. أسهم في اعتماد الجرأة سرية الهوية، ما يحمي الناشر من الرقابة الاجتماعية.

في تعقب النصوص ذات العلاقة بالكورونا ومضمونها السردي في ميديا التواصل التكنولوجي على أنواعها وجدت الباحثتان تنوعًا في آلياتها، إذ اعتُمدت المناشير، المحاضرات، الخطابات، البطاقات، والمشاهد التمثيلية.

اشتملت النصوص الرسمية الصادرة عن الدوائر الحكومية كوزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم وسلطة الإطفاء، والمؤسسات الرسمية؛ كالجامعات والمدارس ولجان أولياء أمور الطلاب، على: شروح حول المرض وكيفية انتقاله، إعلام عن إبطال فعاليات وأنشطة، كفعاليات أقسام التربية والتعليم في السلطات المحلية، أو أنشطة المراكز الجماهيرية والفعاليات القطرية كيوم النظافة، احتفالات يوم الأم، المنافسات الرياضية، والرحلات المدرسية، وجاء بعضها مؤكدا دور التواصل التكنولوجي في سد الفجوة التعليمية، خصوصًا عند البدء بتعليق الدراسة والتعلم عن بعد.

وفي جزء من المناشير تم الإعلان عن كورونا كوباء عالمي، وفي جزء آخر تم إيراد الخطوات الاحترازية الوقائية للحد من انتشاره ومنع انتقال العدوى كالحجر الصحي، والامتناع عن السفر بالطائرات والقطارات وسائر وسائل النقل العامة، منع التجمهر والاختلاط، الحفاظ على النظافة والتعقيم، الامتناع عن المصافحة، الحفاظ على مسافة مترين على الأقل، والتخفيف من زيارة كبار السن وذوي الضعف المناعي.

ومن النصوص ما جاء على صورة خبر صحفي، أو مقطع فيديو يتناول القرارات التي تم اتخاذها في الدوائر الحكومية، وتحديد مناطق وبلدان القادمين منها عليهم الالتزام بالحجر الصحي، ويلاحظ اتساع الرقعة الجغرافية التي يشملها الحجر الصحي كلما تقدم بنا الوقت. كما اشتملت هذه الأخبار تتبعا لأخبار المصابين بفيروس كورونا المستجد، من الناحية الصحية، وتتبعًا للفحوصات المخبرية الدائبة في البحث على مصل ولقاح يقي البشرية من مخاطر هذا الفيروس الذي يبدو عصيا على السيطرة. ومن الأخبار الصحافية التي تم تناقلها في الميديا التكنولوجية ما تناول تزايد أعداد المصابين والمتوفين بسبب الكورونا، وقرارات المؤتمرات الصحفية الطارئة المتصلة بالحدث الكوروني، الداعية إلى تصعيد الإجراءات الوقائية. ورافق كل هذا شائعات لأخبار مسربة من وزارات مختلفة، أو شائعات حول إيجاد لقاح وعلاج للكورونا.

ولوحظ في معظم البطاقات ومقاطع الفيديو وستاتوسات ومدونات الفيسبوك الميل إلى السخرية، ما أدى في كثير من الأحيان إلى ابتكار النكات واستحداث النوادر، حتى انتقلت عدوى السخرية بين الرواد ما جعل من السخرية معلما بارزا في نصوص الكورونا الواردة في ميديا التواصل الاجتماعي. وتميزت النكتة أو الطرفة الكورونية بقصرها، وبعنصر المفاجأة، وبارتباطها في كثير من الأحيان بمناسبات اجتماعية أو دينية أو بحدث تاريخي تم تحويره ليتلاءم والحدث الكوروني. ومنها ما هدف إلى التعبير عن حالة الهلع أو العجز وبعضها هدف إلى النقد الاجتماعي الأخلاقي السلوكي والسياسي.

نجد أن نكات وطرائف الكورونا التي تناولها المقال، قد تنوعت في مضامينها ويمكن توزيعها من حيث المجالات والمضامين إلى:

نقد اجتماعي أخلاقي، فمن فوائد الكورونا أنها تقلل من ظواهر العنف كالبصق في أوجه الآخرين، وتمنع الناس من الالتصاق والاختلاط المبالغ به. كما أنها تفسح المجال للجلوس مع أفراد العائلة بسبب الحجر في المنازل.

كما أنها في المجال الاجتماعي تتناول العلاقات الزوجية غير المتوازنة فأعراض المرض كالأعراض عند المتزوجين: وجع رأس، وجع في الجسم، ضعف نظر، صعوبة في التنفس، أو هي كأعراض الإمساك بالزوج في حالة تلبس. كما أن وجود الكورونا يجعل الأزواج أكثر إخلاصا لخوفهم من الإصابة بالعدوى. وقد أبرزت النكات والطرائف أن المرض يتيح الفرصة للانتقام من الزوج من خلال إبلاغ وزارة الصحة بأنه يسعل لحجره 14 يومًا. وقد برز الخطاب الجندري في عدد من النكات، فقارنت النصوص والمواد السردية خطورة المرض بكيد النساء، فأوصت بإغلاق صالونات الشعر. وفي إحدى النكات تم الادعاء أن أول مريض يموت في الكورونا خنقته زوجته بعد حجره بأربعة أيام، كما قُدمت النصائح بالانتقام من خلال العناق والقبل.

وجهت المادة السردية، ومقاطع الفيديو، والتعليقات المرافقة للصور، والكاريكاتيرات نقدا شديدا لسلوكيات البشر إزاء العطاس، فنجد في بعض الصور أوجهًا بشرية مشمئزة، تشبه في ملامحها الاشمئزاز الصادر عن اشتمام رائحة كريهة، وذلك عند سماع العطاس أو الشك بوجودهم في فضاء موبوء، حتى أننا نجد التغيير السلوكي في الخطاب القولي، ففي حين أن الرد على العطسة هي يرحمكم الله، صارت في ظل الكورونا: "انقلع من هون".

ومن السلوكيات البارزة على الصفحات التكنولوجية التزام الناس المبالغ به بالكمامة حتى في أشهر الصيف، فنرى أثر الكمامة على الوجوه المتسفعة. وجاءت بعض الفيديوهات لتنتقد السلوك غير المسؤول في المجتمع العربي، نحو عدم استغنائهم عن الحميمية الداعية إلى العناق والتقبيل في التعازي والأفراح رغم كل التحذيرات، وعدم الالتزام بالعزل والحجر الصحي، أو إلغاء الأعراس. وحثت النصوص الكورونية على إبعاد الناس، فما كان من الممثل السوري باسم ياخور إلا نشر فيديو ساخرًا، يدعو به الناس إلى أكل الثوم والبصل لإبعاد الآخرين للفوز بفرصة الوقاية. ونجد بعض المواد السردية تسخر من السلوكيات الناتجة عن تدخين الحشيش، كونها تؤدي إلى "تسطيل" المدخن والفيروس معا.

وطالت النكات المجال الاقتصادي، لتبرُز المبيعات الأكثر رواجًا في ظل الأزمة الصحية العالمية، فاحتلت الكمامات وأوراق التواليت وفوط الديتول وأوراق الكلينكس المراتب الأولى، إذ فرغت الحوانيت والشبكات التجارية منها، فتعرضت الشبكات التجارية إلى النقد التهكمي لاستغلالها الأزمة الاقتصادية التي أفرزتها حالة الهلع العالمية، فرفعت أثمان المقتنيات والمشتريات ذات العلاقة بالوباء، لنجد الأسعار قد ضوعفت تباعًا للعرض والطلب في السوق التجاري، لزيادة فرص البيع والربح السريع.

واستمرارا لنقد النهج الاقتصادي، فقد عبر الأزواج عن سعادتهم بالوباء الذي أتاح لهم المجال بالتفكير في برامج توفير، كون الزوجة لا تتطلب سفرا ولا أزياء ولا تتبضع في المتاجر.

أما في مجال التجارة والأزياء فقد سارعت ماركات الأزياء العالمية خصوصا في المجال الرياضي إلى تصميم كمامات مع شعارات الماركات. وظهرت عارضات الأزياء والعرسان والعرائس مع كمامات واقية، وبدا زِي النحال بديلا لبدلة العرس أو ملابس العيد، كخطوة وقائية احترازية. واقترح بعضهم التقنع بالملابس الداخلية. وبعض الصور المعبرة عن الهلع أبرزت المبالغة في اتخاذ وسائل الحيطة والحذر نحو: ارتداء العديد من الأقنعة معًا، ابتكار أقنعة ووسائل لتعقيم الهواء من القناني البلاستيكية الفارغة والالتفاف بأكياس النايلون.

وفي الترويج، انتهز عدد من التجار اسم الفيروس لرفع المبيعات للسلع التي تحمل نفس التسمية مثل بيرة كورونا أو شوكولاته كورونا.

وتعرض عدد من التعقيبات إلى السخرية من جودة البضاعة الصينية، إذ اعتاد الناشرون على معظمها في إطار تقليد البضائع، بينما الفيروس أصلي على عكس المتوقع.

في المجال الديني، لم تسلم الطقوس الدينية من الاقتراحات الداعية إلى تغيير في نظامها، فتساءلت الطرف عن فرص التوبة ما دامت كل أماكن الحج مغلقة؛ مكة، الفاتيكان وغيرها بسبب الحظر والحجر. وعند الإعلان عن احتمال إلغاء فريضة الحج تم التساؤل عن احتمالات إلغاء سائر الفرائض والشعائر من صوم وصلاة. أما بالنسبة لطقس تناول القربان الأقدس المسيحي الذي يستدعي التناول بالملعقة نفسها لجميع المصلين، فتعالت الأصوات لحظر التناول بالملعقة وفي المقابل اتهِم من حظر الملعقة بقلة إيمانه.

أما المؤمنون فقد أوجدوا علاقات جادة بين الأمطار الغزيرة والمرض فاعتبروا المطر تعقيما ربانيا. ولم تنس الأدعية الدينية والصلوات أن تشمل المرض ضمن الكوارث التي تستوجب التوبة وطلب الحماية من الخالق الرحمن، الذي يمكن أن يقهر عباده بجرثومة.

من النكات ما جاء محملا بالشحنة السياسية، فبعض الأخبار تتهم بعض الجهات في نشر الفيروس بهدف القضاء على اقتصاد الصين. ومن المواد السردية ما جاء لنقد المسؤولين، لاتباعهم نظام المحسوبيات حتى في توزيع الكمامات، ومنها ما انتقد السلطات بتجويع الشعوب، ولكن على ما يبدو بحسب المواد السردية الواردة؛ فإن الفيروس سيقضي على الشعوب قبل الجوع. 

أما الدوائر الحكومية المسؤولة عن المواصلات والمطارات في الدول العربية فتعرضت للنقد الشديد، إزاء التساهل في اتخاذ الاحترازات الأمنية والاستكفاء بالقسَم، دون الفحص الجاد للقادمين من خارج البلاد. وطال النقد المسؤولين الكبار كونهم غير مستعدين لمواجهة الأزمة إلا بحفر القبور. وسخرت بعض النصوص من وزارات الصحة التي ادعت وجود لقاح، وتبين أنه تسبب في موت كل المرضى.

وكان لغزة نصيب وافر من النكات الساخرة التي ترى في عزل غزة وحصارها نعمة تحفظها من الفيروس. وفي فيديو عن غزة في الحصار، تم إبراز غزة الحلم / الأوتوبيا التي تنعم بكافة المرافق الترفيهية والتربوية والثقافية بمستوى أوروبي، وكلها معرضة للإغلاق بسبب الفيروس والحجر الصحي.

وعلى صعيد الشرق الأوسط، تمت مقارنة كورونا بداعش فقيل زجلًا: على دلعونا على دلعونا ارتحنا من داعش جتنا كورونا.

وعلى الصعيد البيئي، سخرت النصوص من كميات الكلور الممزوجة بمياه البرك، ليطمئن مرتادو البرك، بأن الكورونا لا يمكنها الصمود، كما سخرت من عدم نجاعة الكمامات إزاء التلوث البيئي الذي يجتاح الكرة الأرضية حتى قبل كورونا.

تناولت السخرية أيضا مجال الطب الشعبي، ففي حين أكد العامة على فوائد الليمون والعسل والثوم والبصل وزيت الزيتون والعرق واليانسون في تقوية المناعة ومكافحة الفيروس، جاءت البطاقات والفيديوهات والنصوص ساخرة منها، فيقول أحدهم في تسجيل فيديو، يبدو أن الناس لا يميزون بين صلصة الفول وعلاج الكورونا.

وبرز الإيمان الشعبي بالنصيب والحظ في عدد من النصوص الساخرة من نظام القرعة في موسم الحج في مصر، فمن لا حظ له لا داعي ليسعى، فهناك من مضى عمره في انتظار قرعته وعندما أذنت فرصة الحج تم إغلاق الحدود للحجر الصحي. وللتعبير عن فلسفة شعبية في الحياة تم توظيف الأمثال الشعبية في الكاريكاتيرات: فـ "الدنيا دوارة" كان التعليق على رسمة فيها الناس سجانى الأقفاص بينما الحيوانات متفرجة.

 أما في المجال النفسي فجاءت النصوص والمواد السردية والفيديوهات والتعقيبات لأكثر من غاية؛ أولها: التعبير عن مشاعر الهلع من الداء الذي عبر الحدود الجغرافية ليصبح داء عالميا، وكثيرا ما اتسمت هذه المواد بالمبالغة، فنشرت صور للمصابين بالكورونا أو المشتبه بإصابتهم وكأنهم مصابون بالجرب، ودعت بعض النصوص إلى تعقيم المجموعات الافتراضية على صفحات الفيسبوك، وإلى تسريح الطلاب من المدارس، حتى قبل الإعلان عن الحظر العام. وقد انتشر كاريكاتير لطائرة خرج ركابها ليستقلوها راكبين على أجنحتها وأسطحها. وانتشر فيديو السمكة العاطسة في المحيط، لإبراز الرعب في تفشي الكورونا وعدم القدرة على السيطرة على الداء حتى وصل المحيطات. كما تم توظيف الدبكة والدلعونا: "والله جافيت اعمامي واخوالي وامي لاضمها بلبس كمامة"، في حين يدبك الأطباء الدبكة وهم يرتدون اللباس الواقي.  

أما الغاية الثانية الملموسة من نصوص الميديا فكانت علاجية تهدف إلى تهدئة النفوس والتخفيف من حالة الهلع المسيطرة، من خلال بث الأمل بوجود فرص في القضاء على الفيروس باتخاذ الحيطة والحذر. وقد جاءت بعض النصوص لإبراز المنافع المترتبة على انتشار المرض، إذ تم التنبه إلى القدرة على تدبر البشر دون المواقع التجاري الافتراضية.

وثالث الغايات: التعبير عن البهجة والاحتفالات المتوقعة بعد انتهاء الأزمة، إذ تم تصوير النساء الحوامل الخارجات من الحجز وهن في أزياء ملونة ومزركشة.

وهذا غيض من فيض، على أن نتابع تطور مضامين المواد الصادرة في المرحلة القادمة بعد أن تم الإعلان عن تعليق الدراسة المؤسسات التربوية والأكاديمية، بينما يدور الحديث، شعبيا، حتى هذه اللحظة، عن حجر صحي لجميع المواطنين لمدة 14 يوما.

وأخيرًا، بعد أن تتضح الصورة الضبابية التي تخيم على العالم بأسره والتي شلت حركته الدولية، فيما إذا سيتم التغلب على فيروس كورونا، أم أنه سيبقى ويلازمنا فنضطر إلى تطوير طفرة معيشية لنتعايش مع الواقع الجديد ستعيش بعض المواد السردية في صيغتها المتبلورة الناضجة المتطورة، وسيسقط منها الكثير لترتدي ثوب الذكريات، فيأتي توثيقها في ميديا التواصل التكنولوجي ضرورة حتمية لحمايتها من النسيان والاندثار.