الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كورونا والعائلة....ناريمان شقورة
كورونا والعائلة....ناريمان شقورة

 

 ما لبث وأن أعلن الإغلاق في فلسطين على الأقل وهي من الدول الأولى التي اتخذت مثل هذا الإجراء، إلا وفرض على الجميع التزام المنازل، من موظفين وطلاب وعمال، ووضع خطط التعليم عن بعد، والعمل عبر الانترنت، نعم وهنا توضح لنا العديد من الأمور والجوانب التي ربما لم نكن لنعرفها في دولتنا ومجتمعنا وقدرات الحكومة ولا حتى أنفسنا، طبعا منها ما هو الإيجابي والآخر سلبي حال أي أمر في الدنيا، وكان من الأمور الإيجابية هو تعامل السلطة الوطنية الفلسطينية أو "دولة فلسطين" القابعة تحت الاحتلال بمسؤولية عالية جدا أشادت بها منظمة الصحة العالمية، وعمل الأجهزة الأمنية بكفاءة عالية لضمان السلامة الصحية للمواطنين من مساعدة في فرض الطوق الأمني ومن مرافقة العائدين للوطن إلى الحجر الصحي، وإيصال الطعام والشراب إلى مدينة بيت لحم، والتعاطي مع الإعلام بتحذير ومساءلة من ينشر إشاعات تثير الرعب للمواطنين، وتوزيع الكمامات والمعقمات، وإصدار البيانات المتعلقة بفرض إغلاق على المقاهي وقاعات الأفراح وكل ما يجتمع فيه الناس حفظا على سلامتهم، وجبر البنوك على تأجيل الدفعات البنكية بعض الأشهر، والكثير الكثير من الإجراءات، كما يمثل التزام المواطنين ببيوتهم والتعميمات المتعاقبة أيضا أمرا إيجابيا جميلا خاصة مع بعض الأمور الإنسانية اللطيفة كتوزيع أحد المواطنين أو التبرع بمآدب وولائم زفافه إلى أحد فنادق الحجر الصحي وإلغاء مراسم الزفات، والعديد من الطرائف ذات النكهة الإنسانية، ويضاف إلى كل ما سبق تعميم ثقافة النظافة والتعقيم والتطهير المستمر بدئا من الأطفال حتى الكهول، وجعل الناس أكثر اطلاعا ومتابعةً للأخبار.

 

أما عن العلاقات الاجتماعية فبدأ يحدث تغيير غير مسبوق على شكل العلاقات على صعيد الأسرة الصغيرة إلى الصداقات، فرغم عيش معظم الآباء مع أسرهم إلا أن كورونا كان ولايزال بتاريخ كتابة هذا المقال سببا رئيسيا في تعرف الآباء والأهل عموما عللا أبنائهم، فبدأ الأب يتعرف عن قرب على أبنائه وطباعهم وأمزجتهم المتغيرة، رغباتهم، ما يحبون من الطعام وما يكرهون، سلوكياتهم الغذائية وعاداتهم في المنزل، والأهم كيفية إدارة الأم للبيت، فبالوضع الطبيعي يخرج رب المنزل إلى عمله سواء كان وظيفة أو مهنة أو حرفة أو تجارة، ويعود في المساء يتناول وجبة الغذاء ويرتاح بعض الشيء وغالبيتهم يعود للخروج مرة أخرى إما لعمل آخر ليتمكن من تكاليف الحياة أو للترفيهه والتسلية على المقاهي مع الأصحاب، ولكن وبعد إغلاق المقاهي، الكل مجبر على الجلوس في المنزل حتى وإن كان يعمل من داخله عبر الانترنت، مما جعل الآباء تحديدا أمام حياة جديدة كانت غائبة عنهم، مسؤوليات المنزل التي عادةً تتولاها النساء سواء ربات البيوت أو العاملات من طهي وتنظيف وكي وترتيب وتدريس للأولاد والاعتناء بالأزواج، وغيره.

 

ربما أن الإيجابي في الأمر أن الرجال أصبحوا يدركون حقا خاصة في شهر المرأة (آذار) الأعباء التي تتحملها النساء والتي يتذمرون منها هم الآن، وأيضا أضحى الأب والوالدين إجمالا أكثر قربا من أبنائهم ما يتيح فعلا التعرف عليهم، اذكر أن بعض الأمهات عندا كانت تتلقى شكوى من المدرسة على سلوك معين صدر من أبنائهم، كانوا يبدون التعجب فوراً مع استنكار ذلك، أما اليوم فباتت الأمور واضحة مع تعرف الأم الموظفة على أبنائها بشكل واقعي ووقت أطول، وهنا أيضا تكشف الأمر السلبي وهو الأسف بعد الأهالي عن أبنائهم الغريب حتى مع جلوسهم معهم بعد الدوام، لكن ما قبل كورونا كانت كل جلسات الأهل مع الأبناء لا تتجاوز الأربع ساعات بأحسن تقدير بعد الغداء وغالبا لتحضير الواجبات المدرسية، دون معرفة مشاعر الأبناء وطباعهم وسلوكياتهم منذ الصباح الباكر حتى النوم، طبعا مع انشغال الجميع في مواقع التواصل الاجتماعي فكانت الأم تدرس أولادها وهي تطالع تلك المواقع، كذلك لو تركت الأمر لهم لحل الواجب منفردين فتجدهم يلهون على الآيباد والهواتف والأجهزة الذكية.

اليوم وإن زاد التصفح على مواقع التواصل الاجتماعي بفعل الفراغ الوظيفي إلا أن اتاحته 24 ساعة جعلته بالمرتبة الثانية أو الثالثة بعد الاعتناء بالأبناء والبيت، أصبح هناك متسع لعودة العلاقات الاجتماعية المنزلية، فعدنا لمشاهدة التلفاز بشكل جماعي مع اغلاق الهواتف لو عالأقل فترة المشاهدة، عدنا نتناول الفطور والغداء وما بينهما مجتمعين على مائدة واحدة، ربما كورونا جمعنا وعزز علاقاتنا ببعضنا البعض وزاد من حرصنا على بعضنا البعض، فترى الكل في المنزل يسأل أخاه أو من له، هل عقمت يديك بعد لمس المصعد ويد الباب؟؟ هل سلمت على أحدهم اليوم؟؟ و........الخ.

 

كورونا علمنا التعليم في المنازل والعمل من المنزل، لكن هذا الأمر على إدخاله ثقافة جديدة إلا أنه أيضا كشف عيوبنا في التعاطي الجديّ مع التكنولوجيا، فقبل كورونا كان التعاطي فقط اجتماعي ترفيهي أما اليوم فهو تعليمي وتثقيفي، ووظيفي ومهني، ربما بعد كورونا وانتهاء الوباء يتبع لاحقا كنظام، وهنا يكمن الخوف من الاستغناء عن عدد كبير من الموظفين على المدى البعيد، وربما يكون وسيلة ناجحة في حالات الطوارئ الأمنية والإنسانية والأزمات.

فيروس خطير أو غير خطير كما تضاربت الأنباء عنه، فمنهم من يقول أنه قاتل مميت ومنهم ما يؤكد أن شبيه للإنفلونزا العادية لكن الخطر مرتبط بضعاف المناعة وكبار السن، والبعض رجح نظرية المؤامرة والحرب البيولوجية والاقتصادية وبالتأكيد السياسية، كل هذه التضاربات كشفتنا على حقيقتنا، هل نخاف على أروحانا أم لا؟ كيف نحافظ عليها؟ هل حياتنا قبل كورونا ستختلف عن بعدها؟ هل حكوماتنا جديرة بالثقة والاحترام في حمايتنا؟ هل سنرسخ عادات وسلوكيات جديدة سواء في العمل أو التعليم أو الثقافة حتى؟ هل نحب بعضنا؟ ما هو حجم إنسانيتنا؟ وهل هو كافٍ للعيش بسلام داخلي؟ ما هو المعنى الحقيقي للحرية؟ هل استمتاعنا بها أو أحيانا حرمانها من أجل الصالح العام؟ كيف يعيش الاسرى والمساجين إجمالا؟ وهل السجن عقاب ناجح لمخترقي القانون، باعتبارنا مسجونون ومحجورون؟ هل يستحق قطاع غزة تعظيم سلام على صبر سكانه على الانعزال عن العالم لسنوات أم أن الاعتياد يصبح نمط حياة؟

  ما هي نظرتنا لأنفسنا ونحن نعيش ما يعيشه المواطن في الدول العظمى التي تعرضت للوباء إذا ما قارنا بين إدارة حكوماتنا وحكوماتهم للأزمة؟ هل ترسخ لدى العاملات ان الوظيفة والخروج من العمل هو سبيل من سبل الراحة بعد تشاكي الكثير من الأمهات من أولادهم الذين تعرفوا عليهم بعد الأزمة؟ أم أن الجلوس في المنزل راحة؟ ههل تأكد الرجال أنهم بحاجة إلى مراجعة أنفسهم تجاه عائلاتهم وزوجاتهم والأبناء؟

 

كلها تساؤلات تدور في ذهن أي منا، ولكن الإجابات ستظل رهينة بانتهاء الوباء ومرور وقت، وحتى ذلك الحين، نتمنى لكم السلامة والخروج من وباء أقوى وأفضل.