الثلاثاء 9/9/1445 هـ الموافق 19/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
لأنها إمرأة.... !/ ولاء جدعون
 لأنها إمرأة.... !/ ولاء جدعون

غاصتْ في كرسيّها الصّغير الملون في زاوية الشُّرفة المُطلَّة على الحارة، ترقبُ المارّة وحركة الشَّارع الَّتي لا تهدأُ، بعد نهار زاخر بالعمل: تنظيف، طبيخ، ترتيب، غسل الأَواني، ريثما تهدأُ أنفاسها لتعاود الكرّة في العمل وإنجاز المهام البيتيّة والمدرسيّة. فَهي معلّمةٌ في مقتبل العمر تعمل لتعيل عائلتها وتدعم زوجها في المصاريف البيتيّة وتربية الأبناء.

وهناك في طَرف الشَّارع وقفت شابّةٌ تعْبث بهاتفها ريثما تصل الحافلةُ، وعلى مقربة منها رجل كهل كثّ اللِّحية ممتلئ القوام، يرتدي كنزة رماديّة اللّون مع جيبين واسعين تغوص كلتا يديه بهما باحثتان عن الدّفء، يرقبها ويتأمّل أناملها الَّتي تداعب شاشة ذكيّة، يجول بنظره بين الشّاشة وأَصابعها الَّتي طليت أظافرها بطلاء أحمر لامع بكامل الدقة والاتْقان ممّا يجعل النَّاظر إليهما يدقِق بلمعان اللّون والزركشة الّتي زينته، زركشة موشحة بلون رماديّ يعكس تمردا أخرس!

فقالت في نفسها: كيف لها أن تتوجه لعملها مع هذه الأظافر وهذا الطلاء؟ ماذا تعمل؟ كيف تنفذ واجباتهاالمنزلية؟ ألا تنظف الأواني وتغسلها يوميا؟ ربما لا تعمل؟ ربما ليست مسؤولة عن تنظيف المنزل؟ وما هو نظام حياتها اليومي؟

ألا تعمل مثلي وتهتم بمنزلها وأبنائها؟ ألا تغسل الأواني وتراجع المهام المدرسية مع فلذات كبدها؟

والعديد العديد من الأسئلة راودتها في الاستراحة التي سرقتها من واجباتها اليومية، وتوجهت إلى المطبخ لتتابع ما بدأت به قبل مراقبتها للحياة الصاخبة في الشارع والتي تدور عجلتها ساحقة من يقف بطريقها ولا يتخذ موقفا، أو خطوة نجاة!

تأمل وتأمل وإذ بالحافلة تقترب وتعلن وجهتها للمحطات المقبلة، تصعد الفتاة وتجلس في مقعد أزرق وسط الحافلة، ويصعد الرجل ويتخذ له مقعدا وراءها، ويتابع عن كثب حركاتها، ثيابها، يديها، طلاء الأظافر، حقيبتها، والهاتف الذي دسته في الجيب الصغير الخارجي للحقيبة.

اما في المطبخ تبدأ معلمتنا بمزاولة أعمالها المنزلية وهي تستمع لإذاعة محلية تبث أغنية من أغاني فيروز اللطيفة والتي تشهد على محبة تامة وصادقة من الحبيبة للحبيب وهي تقول:

"بقطفلك بس هالمرة هالمرة بس عبكرة عبكرة بس شي زهرة، شي زهرة حمرا وبس"

وينقطع البث ليعلن المذيع: حادث طعن في الحافلة المتوجهة إلى مركز البلد من رجل كهل ذي لحية كثة، والمعتدى عليها شابة كانت متوجهة إلى مكان عملها في مكتب السياحة بمركز المدينة".

الشابة هي المعيل الوحيد للأسرة: والدتهاالمريضة، وثلاث أخوة أصغر منها سنا!!!