الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
التدخل التركي في ليبيا أهداف وتداعيات... أحمد رمضان لافى
التدخل التركي في ليبيا أهداف وتداعيات... أحمد رمضان لافى

 

 يلعب صانع القرار في الدولة دوراً مهمّاً في رسم سياسة الدول الخارجية، التي تعبّر عن مدى تحقيق أهداف الدولة العليا، وذلك من خلال مجموعة الاعتبارات التي تتخلل تنفيذ تلك السياسات. والسياسة الخارجية لأية دولة تعكس وجود عملية دينامية تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدولة الإستراتيجية، والقومية، والظروف البيئية والدولية التي تترجمها لواقع ملموس من خلال جميع الأدوات المتاحة للدولة. كما أن السياسة الخارجية للدول تتحكم بها مجموعة عوامل ومؤثرات داخلية وخارجية ونفسية خاصة لصانع القرار، لذا فإن نتائج هذه السياسة لا تبقى في مسار واحد، حيث تشهد مراحل مختلفة يتم تقديرها وفق المعطيات التي تقتضيها المصالح العليا والإستراتيجية للدول بشكلٍ عام . ولما كانت الأحزاب التي تهيمن على الحكم في الدول هي من تصنع تلك السياسة لذا, فإن من الطبيعي أن حزب أردوغان الذى يتنمى للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين ذات الأصول والارتباطات الأجنبية الاستعمارية يصنع سياساته الخارجية وفق ما تتطلب احتياجاته وأديباته حسب المطلوب منه, وعليه: فما هي أسباب التدخل التركي في الشؤون العربية بهذه الفظاظة وخصوصاً في ليبيا ؟ وإلى أي مدى حصول أردوغان على سند أمريكي  إزاء هذا التدخل؟ وما هي تداعيات هذا التدخل؟ وإذا كان فضاء الأمن القومى التركى وفق مفهوم أردوغان ينشط في الإقليم فإن فضاء الأمن القومى المصري الجار المهم للدولة الليبية يفرض نفسه لمواجهة التدخل التركى بكل الوسائل.

ولنعود بالقضية إلى أول زيارة لأردوغان إلى إسرائيل في العام 2005 ولقاءه برئيس الوزراء أرئيل شارون الذى رحب به في أرض إسرائيل التاريخية, كما التقى نائبه شمعون بيريز ورئيس الدولة موشي كتصاف والذى تحدث هذا الأخير أثناء الترحيب بأردوغان بأن تركيا الجديدة وإسرائيل على موعد للمشاركة في إعادة رسم وتشكيل الشرق الأوسط الجديد حيث العلاقات الوثيقة بين البلدين تؤهلهما للقيام بذلك. وما يعزز هذه المشاركة الفعلية ما ذكره وزير الدفاع التركى الأسبق وجدى غول (2000/2011 ) وكيف فتحت تركيا مجالاتها الجوية لطيران التحالف أثناء احتلال العراق ويؤكد الوزير غول بأن عدد الطلعات الجوية لطيران التحالف الذى تقوده أمريكا بلغ (4700) طلعة لضرب العراق ما يعنى أن تركيا شاركت أمريكا في تدمير العراق, وفى معرض خطاب لأردوغان أمام حشد من أنصاره  عام 2006 أكد أردوغان أن مهمة تركيا القادمة هي إعادة تشكيل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهذا ما نفعله الآن , وهو ما أكده عبداللطيف شندب أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية في مقابلة له مع أحد القنوات التركية بأن الربيع العربى الذى خططت له أمريكا وكان لتركيا دور فيه لتخريب المنطقة العربية وهو الدور الذى رسمته لها واشنطن, ويضيف شندب حتى إعلان القدس عاصمة لإسرائيل في عهد الرئيس الأمريكي  ترامب يأتي في سياق هذا المشروع والذى يلعب أردوغان فيه دور المُحتج والغاضب من خلال خطابات نارية وبكاء مزيف.

وإذا ما نظرنا للتدخل التركى في سوريا وهى الدولة الجار لتركيا خصوصاَ عندما يتعلق الأمر بالوجود الكردي فإن هذا التدخل قد يبرره البعض وفق معايير محدودة للحفاظ على الدولة التركية أما أن يتدخل في ليبيا بهذا الشكل الفاضح فإن هذا يثير الاهتمام وقد يكون الغاز والثروات  الطبيعية جزء منها ولكن الأصل في الموضوع هو المهمة الموكلة لتركيا من قبل أمريكا والتي تكمن في توريط مصر في مشاكل مفصلية تؤثر على استقرارها وأمنها القومى واستنزافها عسكريا في الوقت التي تفتح جبهة سد النهضة عليها , وتعتبر مصر فضاء أمنها القومى يبدأ من شمال أفريقيا غرباَ إلى حدود إيران شرقاَ والذى سوف لن تتخلى عنه مهما كلفها الثمن في ذلك. إذا المسألة باتت غاية في الوضوح للدور التركى في ليبيا والذى يأتي في سياق مشروع إعادة تقسيم وترسيم الشرق الأوسط الجديد وفق مشروع الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجي بغض النظر عن الحزب الحاكم أكان ديمقراطياَ أم جمهورياَ , ويكمن ذلك في موقف واشنطن من التدخل التركى في ليبيا وعدم أخذ موقف صارم ضدها والتي بعلمها تقوم تركيا بنقل الإرهابيين إلى ليبيا, فهل ستحقق أمريكا هدفها بتوريط مصر في حرب عسكرية مع تركيا في المرحلة القريبة؟

هذا ما سنشهده في الأيام القادمة.

 

[email protected]