الأربعاء 15/10/1445 هـ الموافق 24/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قراءة في قصيدة 'اوركسترا الغروب'للشاعر الفلسطيني صلاح الفقيه .... خالدية أبو جبل
قراءة في قصيدة 'اوركسترا الغروب'للشاعر الفلسطيني صلاح الفقيه .... خالدية أبو جبل

هي وخزةٌ وتَمُرْ

موتٌ آخرٌ موتٌ صغير

فأنزف لتعرف ما اقترفتَ

وتعزف النغم الاخير

أ - المغني

قالوا بان الارض واقفة

فقلت لهم نعم

والشمس تشرق من هديل حمامةٍ

والريح تجري كيفما دار النشيد

وكيفما حار النغم

لم الق صوتا غير صوتي

فالتجأت الي

يأكلني الندم

وذهبت للمرياع

اشكوه القطيع

وحين ماء ،

رجعت نحو المسرح العبثي تتبعني الغنم

انا صاحب الوثن الاخير

تركت للنساك كعبتهم

وطفت على دمي

رؤياي بوصلتي

ومقصلتي صنم

القيت نفسي عند اول صفعةٍ

وجلست أسترقُ الألم

ودعوت كل المنشدين

لكي نؤسس دولةً

تغفو على طرف العدم

ولكي يكون لنا كتاباً واضحا

وخريطةً بيضاء نرفعها علم

ونعيد تسمية الحدود

بما يليق

فلا بريق

ولا سيوفاً كي نجردها

ولا خيلاً ودم

هل كنتُ أغنية ً؟

أغني مثلما شئتم

وأصرخ دون فم

ب- الشاعر

لو كنت أدري ربما لوضعت حداً للصهيل

ولملت مثل العاطفيين الكسالى

واتكات على الرخام

ولربما كونت رابطة لنسِّاك الكلام

وذهبت للتاويل

كي اجد المعاني في الزحام

ولملت ما شاء المجاز

وليس عيبا ان اميل

هي نزوة اخرى

ودوريٌ قتيل

لو كنت ادري ربما لفهمت ذاكرة الربيع

أعلنت ان الفجر للفقراء نافذة ٌ

وليس كما اشيع

ولربما غيرت جلدي كالافاعي

وانتميت الى القطيع

وعشقت برد الروح والفوضى واوَّلت الصقيع

لو كنت أدري لاهتديت الى الوطن

وعرفت ما معنى الثمن

ولكنت اول من يبيع

ج- مقامات

تاه المجاز

تقفُ الكمنجةُ بين اسفاف البياتِ

وبين غطرسة الحجاز

وتآمرُ النهوند والسيكا

وزيف الرست

والإيقاع

و العزف النشاز

د - المسرح

الجوقة انتظمت

يسير الحاضرون كما تشير الشاخصة

والمنشدون يرممون هياكل الموتى

لتكتمل الصفوف الناقصة

والعازفون بحكم لوائح الدستور

والدستور في عزف النشيد محاصصة

والقائد اختار القيادة بعدما وقعت عليه مناقصة

واصطف فوق المسرح الكورال

يتلون القصائدَ

بانتظار الراقصة

ه - الآلات

الناي كان عصا

تلَقَّنَ

ثم في عجبٍ تيقَّنَ

قبل ان يغفو ويذهب للحياد

ولأنه لم يفهم المعنى

ولم يعط الثقوب حرارة الانَّات

مات

وعاد جلاداً وزاد

وتسوَّست روح البيانو

بعد ان طاف البلاد

فحاول الغجر استعادته

ليرفض ثم يذعن

ثم مكسورا بلا شفتين عاد

متكلّس النغمات

مهترئ الصدى

وبغفلةٍ بيعت مفاتيح البيانو في المزاد

والعود لم بتقبل الايقاع

فاختلفا

شماليٌ بلون الثلج والانداء

جنوبيٌ بلون الرمل والصحراء

خاوٍ كالسواد ؟؟

والنحاسيات... خلاسيات

فوضى اللحن

آلات هجينة

تاخذ النهوند مكسورا الى لغز الرماد

و - النشيد

هللوليا

هللويا

لنا سهول الناصرة

كما تقول الذاكرة

لنا العراق والشآم

ونجد والبيت الحرام

لنا حواري القاهرة

هللوليا هللويا

هللوليا

هللوليا

 

أيهاالشاعر الفلسطيني ، وأنت المستنير الذهن فياض الشعور والإحساس ، تصُب خلاصة العقل البشري في شعرٍ نَبَش الزمن طويلا ليُفكك لغز شعبٍ ماعرف للحياة مستحيلا .

شعبٌ عرف نفسه منذ وُجد على هذه الارض وحيدا ،

فلن يقف اليوم ليقول : بقيت في وجه الظُلّام وحدي !!

شعبٌ لم يعول يوما على ملوك غرقوا في رذائلهم ، وما سودوا به تاريخهم من عار ، وسودوا به وجه شعوبهم .

شعبٌ لم يفقد الأمل يوما بحصى أرضه وصخورها ، فوحدها صخور فلسطين من ينبت منها الشجر صلبًا قويًا .

ف،هلولويا يا ناصرة ( ترنيمة تجعلك تَرْقُدُ بها ، لقربها ودفئها، وأعذرني إن تذوقت جمالها )

....

لكن أن تصهر تاريخ شعب لم يعرف راحة ولا إستكانة البتة ، في قصيدة ، هي أيقونة زمانها ، فهذا يا صديقي

ما يُصيب النفس بالذهول ، مما يحتاج المتلقي لكثير وقت حتى يُلملم شتات نفسه !

رأيتك وانت ترقُب قائد الاوكسترا وهو يلوح بعصاه بظهر منحنٍ ذليل ، وقلبك يستجدي العبرات من وجع ألم دفين ، وانت موقن انه النغم الأخير ..

نطق المغني بحلمك واملك ،حين إستفاق وسأل :"

هل كنت أغني أغنية

أغنية مثلما شئتم

وأصرخ دون فم "

ويتعب الشاعر من إباء الصهيل ، وتسول له نفسه أن يُسلّم وحيه للقطيع وأن عن الطريق يميل

"وليس عيبا أن أميل

هي نزوة أخرى

ودوري قتيل "

....

تعصف الاوكسترا وتضج الالحان ، من صوت تهجين لمقامات يصم الأذان .

...

تعزف الكمنجة ،تترفع الحجاز ، تتداخل مع النهوند والسيكا ، فيخلق مولودا نشاز .

(إيحاء في غاية الذكاء ، وصفت به حال العروبة وتمرغ عباءاتها بقاذورات البيت الابيض ، حتى كان هذا المولود المسخ - السلام !!!-)

...

أما المسرح يا صديقي ، فكان إجتماع للقطيع بإكتمال نصابه القانوني ، من القائد الذي عُين بمناقصة ، ومن المطبلين والمزمرين المنتظرين للراقصة .

وأخشى ان يطول إنتظارهم !!

...

أُطبق على أنفاس العازف ( سياسة كم الأفواه ، وقتل الحريات ) ، فما تنفس الناي ، وعاد عصا في يد الجلاد

وسُرق من البيانو المفتاح ، والعود عانى من الأنقسام .

ضاعت الألحان في فوضى النحاس

( تبدع شاعرنا في هذا الوصف العميق الجميل رغم ألمه

لحالة التشرذم والانقسام التي نعاني منها في الداخل وفي الشتات ، وفي كل الاقطار العربية )

........

ياتي النشيد صادحًا مترنمًا وإن علته رجفة خوف وأسى

في عبارة ( كما تقول الذاكرة )

وأبدا لا تكذب الذاكرة

فدع الناي ينفث أنفاسه بحرارة ،

وأعد للبيانو مفتاحه

وضمد جرح العود

إنفض عن النحاسيات الصدأ

فنشيدنا

هلولويا هلوليا

لنا سهول الناصرة

لنا العراق والشام

ونجد والبيت الحرام

لنا حواري القاهرة

...

ولن تصدأ ولن تموت الذاكرة .

 

خالدية أبو جبل

طرعان ، الجليل الفلسطيني

10/10/2020