الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أرغب .....بدوي الدقادوسي
أرغب .....بدوي الدقادوسي

 لم تستطع الأحداث الكبار أن تزحزح صورة هذا الكهل من بؤرة ذاكرتي، منذ ذلك اليوم البعيد الذي تحقق فيه الحلم؛ ذلك الحلم الذي يراود كل خريج ؛ السفر لبناء مستقبل على غير نموذج : بناء أخضر بستائر خضراء على حديقة تكسوها الخضرة والوجه الحسن الذي أحتضنه فتذوب أوجاعي .

قبيل شروق الشمس توجهت لتسلم عملي ، فور وصولي وقفت دقيقة أنظر للمدرسة التي تضم بين أحشائها جنين حلمي ، جاء الباص الذي يقل الطلاب برفقة مشرف كهل تصحرت رأسه إلا من شعرتين بيضاوين وتصحر فمه إلا من سنة متآكلة في منتصف هذا الفم الذي علت ذقنه فكادت تسد الطريق إليه.

سألت المشرف : ألا تعفون هذا الكهل من عناء رفقة الباص وهو يمر على بيوت الطلاب فينزل ليساعدهم على الصعود حاملا عنهم حقائبهم؟ نظر نحوي شاكيا : كلما أعفيناه بكى متوسلا ؛ فهو بحاجة ماسة لبدل الإشراف .

بعد ترقيتي لوكيل صرت والمدير أصدقاء نسهر بمجلسه ، فور وصولي المدرسة وقبل تابور الصباح أرسل في طلبي ، أصابني ذعر ؛ فما الذي جد مسافة الليل ليلح في طلبي هكذا! ينظر نحوي بصمت ، قطعته بحسم : خير يابو نايف ؟ الكهل أصيب بجلطة أعاقت حاستي النطق والبصر !

اقترحت أن يسد كل معلم حصة من نصابه على أن يظل راتبه ساريا دون رفع تقرير للإشراف حتى يمر العام بسلام .

قبيل نهاية العام جاءتنا ورقة تجديد الرغبات ، استدعاني المدير لمكتبه ، ناولني ورقة ممهورة بتوقيع الكهل برغبته في التجديد ، نظرات المدير تخترقني وأنا أدعي الانهماك في اللاشيء ، تدحرجت عين المدير من أعلى وجهي حتى تعلقت بشفتي انتظارا لما سأعلق به ، وضعت الورقة على المكتب ، انصرفت صامتا .

ما أشبه اليوم بألف بارحة ، لقد أعفى موت الكهل ذلك المدير من الحرج ؛ فهل يفعلها مرة ثانية ويعفي هذا المدير من الحرج وأنا أحاول السيطرة على يدي المرتعشة كي أوقع في خانة أرغب ؟