الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
عيد اللدّ أمير الشهداء مار جريس الفلسطيني....د. روزلاند كريم دعيم
عيد اللدّ أمير الشهداء مار جريس الفلسطيني....د. روزلاند كريم دعيم

يتمُّ الاحتفال بعيد القديس جريس في مدينة اللدّ في السادس عشر من تشرين الثاني من كل عام، وهو التاريخ الذي نُقِلت فيه رفاته إلى الكنيسة التي بُنِيت على اسمه في اللدّ. ويشتمل الاحتفال على مراسيم دينية وشعبية.

تحتفل الكنيسة الأورثوذكسية عمومًا بتاريخ اشتشهاده في الثالث والعشرين من نيسان من كل عام، وله مكانة مرموقة في الكنيستين الأورثوذكسية والكاثوليكية. كما أنّه يحظى بمكانة خاصّة في الثقافة العربية الإسلامية والتوحيدية.

 

مار جريس

تعبير سريانى معناه القديس جريس ويتكون من مقطعين:

مار: كلمة سريانية معناها السيد.

جريس: الاسم الذي عُرِف به في فلسطين.

يُعرَف في مصر وفي الثقافة العربية باسم جِرجِس أو جِرجيس.

 

من الألقاب والأسماء التي ترافقه

مار جريس الكبير (لتمييزه عن قدّيسين آخرين يحملون نفس الاسم)؛ مار جريس الفلسطيني (لأنّ والدته فلسطينية)؛ أمير الشهداء (بحسب الروايات فقد ظهر له ملاك الربّ وقال له إنّ الله اختاره ليكون أمير الشهداء)؛ سانت جورج (الاسم الذي عُرف به في الكنيسة الغربية)؛ مار جرجس الروماني حيث أنّه مُنِح حقوق المواطنة والجنسية الرومانية كاملة (طِبقًا لقانون كاركالا الصادر سنة 212 م، والذي ينصّ على منح الجنسية الرومانية لجميع سكّان الإمبراطورية الرومانية والأمراء الأصليين)؛ جوارجيوس (من الأصل اليوناني وترجمته في العربية الفلاح أو عامل الأرض، استعمالًا مجازيًّا كنسيًّا لعمله في حقل الرب)؛ مار جريس الكبادوكي أو الملاطي (حيث كان واده حاكمًا في ملاطية، موطن آبائه وأجداده في إقليم كبادوكيا في آسيا الصغرى أو تركيا اليوم)؛ سريع الندهة (اسمه الشعبي لدى الأقباط في مصر، وهذه الصفة معروفة عنه في بلادنا أيضًا)؛ اللابس الظفر (نظرًا لانتصاراته الدائمة في الحروب).

 

حياته وسيرته

ولد القديس جريس في إقليم كبادوكيا في تركيا سنة 280 م.

في المسيحية هو أمير الشهداء أو العظيم في الشهداء.

قُتِل والده بسبب إيمانه بالمسيحية، وعادت أمه إلى موطنها اللدّ في فلسطين، حيث عاشت هناك.

كان جوارجيوس قائدًا كبيرًا في جيش القيصر الروماني ديوقليانوس (284 – 305 م)، دون معرفة القيصر بأنّه مسيحي. وحين كان جوارجيوس بزيارة في نيقوميديا (تركيا) تناقش مع القيصر حول الظلم الذي يطال المسيحيّين هناك فاكتشف القيصر ذلك.

عندما عرف القيصر أنّه مسيحي عذَّبه كثيرًا، وحاول قتله بعدّة طرق ولكنَّه نجى منها بأعجوبة، مما أدّى إلى اعتناق الكثيرين المسيحية، ومن بينهم اثنان من حرس البلاط أناطوليوس وبروتولاون، الساحر أثناسيوس والإمبراطورة ألكسندرة زوجة ديوقليانوس، وقد حُكِم على جميعهم بالإعدام. وتمّ قطع رأس جريس في 23.4.303 م.

اختارته الإمبراطورية البيزنطية حاميًا لها في الحروب ونسبت إليه انتصاراتها العديدة.

الإمبراطور قسطنطين[1] البيزنطي كان أول من بنى كنيسة على اسمه وأمر بنقل رفاته إلى الكنيسة الفخمة التي تم بناؤها على اسمه في اللدّ.[2] في وقت لاحق تم توزيع رفاته على عدة كنائس في العالم.[3] وفي القسطنطينية شُيِّدت 5-6 كنائس على اسمه.

يحظى بمكانة خاصّة في عدّة دول أوروبية. في إنجلترا، نجده على شاطئ البحر لحماية البحّارة، وهو حامي الجزر البريطانية، وتمّ صكّ أيقونته على العملة البريطانية. حمل اسمه عدّة ملوك بريطانيّين، وفي النمسا هنالك رتبة عسكرية خاصّة على اسمه. في فرنسا يبارك كروم العنب ووفرة خمورها. كذلك الأمر مع الروس الذين يولون له أهمية كبيرة وخاصّة، يضعون صورته على حصانه، على أحصنتهم، وكذلك الرتبة العسكرية على اسمه.[4] ورُويت العديد من القصص على ظهوراته في الحروب.[5]

الأساس التاريخي في قصصه وأساطيره الكثيرة هو أنّ شخصًا مسيحيًّا اسمه جوارجيوس قُتِل في ديوسبوليس (اللدّ)، على ما يبدو في فترة ديوقليانوس قيصر، بحسب التقليد سنة 303 م.

وثائق من القرن الخامس للميلاد تُشير إلى قبره في اللدّ، التي تقدّست باسمه، وانتشرت قصص الفارس الكبير في الشرق البيزنطي ووصلت حتى الحبشة. تمّ تداول قصّته ينقذ ابنة الملك من التنّين منذ القرن السادس للميلاد. على ما يبدو فإن هذا الموتيف تبِع جوارجيوس، قديس اللدّ، من برسيوس الذي قتل التنّين وأنقذ أندروميدا، بحسب الميثولوجيا الإغريقية، (يُنظر لاحقًا)، بينما تشير بعض المصادر إلى أنّ قصّته مع التنّين لم تكن معروفة بشكلها الواسع قبل القرن الثاني عشر للميلاد.[6]

انتقلت طقوس القديس جريس إلى الغرب ووصلت روما في القرن السادس م. ولكن فقط بفضل الحروب الصليبية تحوّل جريس لأحد القدّيسين المشهورين في أوروبا، وأصبح شفيعًا لعدّة دول مثل البرتغال وبريطانيا، خلال اجتماع المجمع الكنسي في أوكسفورد (1222 م).[7] ومنذ فترة إدوارد الثالث يُعتبر سيد بريطانيا وشفيعها.[8]  

 

مدينة اللدّ

من أكبر وأقدم مدن فلسطين التاريخية. تبلغ مساحتها نحو 12 كم2.

تقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة يافا وتبعد عنها حوالي 24 كيلومترًا، وفي الشمال الشرقي من مدينة الرملة وتبعد عنها نحو 5 كيلومترات، وتبعد عن شمال غرب القدس 38 كيلومترًا.

أسَّسها الكنعانيّون في الألف الخامس قبل الميلاد وورد ذكرها في مصادر تاريخية عديدة.

تعرَّض سكّانها الفلسطينيون لتهجير عام 1948، ويسكنها الآن اليهود والعرب من مسيحيّين ومسلمين ممّن بقوا في المدينة قبل التهجير أو قدموا إليها لاحقا بالهجرة الداخلية.

 

معالم مدينة اللدّ الحضارية

تقع مدينة اللدّ على ملتقى طرق مواصلات، لذلك فقد سيطرت في الماضي على الطريق الرئيسية وخط سكّة الحديد يافا – القدس، كما أقامت حكومة الانتداب فيها مطار اللدّ الدولي الذي ما زال يُعتَبر من المرافئ الجوية الهامّة في الشرق الأوسط.

أما معالمها الأثرية فهي: بئر الزئبق، بئر أبو شنب، بئر الصحابي أبي محمد عبد الرحمن بن عوف، خان الحلو، جسر جِنْداس (يقع شمالي المدينة، تم بناؤه في عهد المماليك بأمر من الظاهر بيبرس، يبلغ طوله 30 مترًا، عرضه 13 مترًا وارتفاعه 6 ست أمتار ونصف ويُسمّى أيضًا جسر الملك الظاهر)، الساحة الشرقية ومنارة الأربعين.

والمعالم الدينية الأثرية الرئيسية: مسجد دهمش الذي بناه خليل دهمش من سكّان مدينة يافا، الجامع العُمَري الذي تمّ بناؤه بأمر من الظاهر بيبرس في عهد المماليك وكنيسة القديس جوارجيوس.

وقد أمر الظاهر بيبرس باستعمال أحجار كنيسة القديس جوارجيوس المهدومة لبناء جسر جِنْداس والجامع العُمَري.  

 

بناء الكنيسة

بحسب الروايات فقد بنى الإمبراطور قسطنطين (305 – 337 م) أول كنيسة في اللدّ في مطلع القرن الرابع على قبر القديس جوارجيوس، وبحسب رواية أخرى بنى الكنيسة الإمبراطور جوستنيانوس (527 – 565 م). وقد يكون جوستنيانوس قد قام بترميم الكنيسة فنُسب بناؤها إليه.

هدم الفاطميون الكنيسة عام 1010م إلا أنّ الصليبيين أعادوا بناءها. وبعد معركة حطين هُدِمت الكنيسة عام 1191 م وأُقيم على أنقاضها عام 1859 م الجامع العُمري الكبير، وعلى أحد أعمدة الجامع توجد كتابة يونانية تعود إلى الفترة البيزنطية.

بنت بطريركية الروم الأرثوذكس عام 1872 م كنيسة جديدة على أساس الكنيسة القديمة، يقع تحتها ضريح مار جريس الذي يمكن النزول إليه بدرج لولبي.

 

الأيقونة

تنتشر أيقونة مار جريس الفارس مصوِّبًا سهمه إلى فم التنّين منقِذًا بذلك العروس ابنة الملك في معظم البيوت الفلسطينية، المسيحية وغير المسيحية وفي كنائس العالم. قد نجدها معلّقة على شكل أيقونات أو منقوشة على عتبات ومداخل البيوت. تستمد هذه اللوحة قصّتها من أسطورة "أندروميدا" الإغريقية،[9] أو من لوحة الإله حوروس الفرعونية.[10]

على ما يبدو، فإنّ المصدر الفني الأول لهذه اللوحة هو أسطورة الإله "حورس" ابن "أوزوريس وإيزيس" الذي يطعن "ست" إله الشر المتمثل في شخصية التنّين، لأن التنّين في الميثولوجيا المصرية يرمز إلى الشر.[11] وتكمن أهمية اللوحة في أنّها المصدر الأوّل لأيقونات قدّيسين على أحصنة في الفنّ القبطي وبالأخص صورة مار جرجس.[12]

يظهر مار جريس في الفن البيزنطي من المحاربين المقدّسين. منذ نهاية القرن العاشر الميلادي وُجِدت أيقونة في كبادوكيا يظهر راكبًا على حصان ويقتل برمحه التنّين، المشهد الذي اتَّخذ مكانته لاحقًا في الفن البيزنطي.[13] يعبِّر القديس جريس في الفن البيزنطي عن الخير والتنّين عن الشر.

تعدَّدت تفسيرات رموز الأيقونة وإن كانت جميعها تؤكِّد انتصار الخير على الشر.

رسم الفنّانون أيقونة الفارس الوسيم طويل القامة يقتل التنّين بحربته وينقذ ابنة الملك التي تقف خائفة من التنّين بينما ينظر والداها من أعلى وهما قلقين عليها. رمزية القصّة أن الفارس البطل انتصر على الشيطان.[14]

"الأيقونة السوداء" (نوفجورد روسيا 1400 - 1450 م)،[15] إحدى أقدم القطع الفنية التي تصوّر القديس جريس يطعن التنّين، وهي أيقونة روسية يظهر بها القديس – بغير لِباس الفروسية - على حصان أسود، ينقذ أميرة مستعملًا سلاحًا خاصًّا بالفرسان. والأيقونة من الحقبة البيزنطية. بينما تظهر الهالة من الذهب حول رأس الفارس القدّيس. أمّا لون الوشاح الأحمر الذي يطير بفعل السرعة فيرمز إلى ألوان الخلاص والفداء في المسيحية.[16]

من اللّافت للنظر أنّ الخيول في سائر اللوحات بيضاء، رغم أنّه من غير المألوف استعمال الخيول البيضاء في الحروب.

رسم فنانو عصر النهضة هذا الفارس بلوحات عديدة وخاصة انتشرت في العالم،[17] ولعل أشهرها اللوحة التي رسمها الفنان الإيطالي رفائيل (1504 – 1506)،[18] حيث نرى مار جريس مرتديًا بزّة الحرب الرومانية والخوذة النحاسية مدجّجا بالدروع وأدوات القتال (بدون الوشاح الأحمر الذي نجده في أيقونات عديدة) وهو يمتطي جوادًا أبيض يطعن بحربته حيوانًا خرافيًّا تنّينا ضخمًا بينما تقف خلف الفارس أميرة حسناء.

 

الرموز التي تحملها أيقونة مار جريس

تمثّل الأيقونة انتصار المسيحية على الوثنية؛ يظهر مار جريس في الأيقونة التقليدية على حصان أبيض يقتل التنّين بحربه، والعروس (الكنيسة عروس السيّد المسيح) التي تظهر في الأيقونة هي الكنيسة المقدّسة التي تنظر إلى أبنائها الأبرار باعتزاز. يشير التنّين إلى الشيطان الذي يحارب الإيمان بينما تشير الحربة إلى صليب ربّ المجد الذي يهزم التنّين ومعه الشيطان فينتصر الإيمان على الكفر والخير على الشر. أما لون وشاح القديس الأحمر فهو لون القيامة الفصحية والبعث (رؤيا يوحنا 20، 2 – عن رمزية التنّين بالحية؛ لوقا 10: 19 عن رمزية السلطان لسحق الحية).

 

أسطورة مار جريس وأصولها البدئية

تعدّدت أماكن حدوث قصّة القدّيس جوارجيوس بين الروايات؛ بين بيروت وليبيا والحبشة ويافا الفلسطينية وتركيا. مما لا شك فيه أنّه في كل مكان قد يجد الدارس بذورًا أو أساسًا للقصّة فهل البطل برسيوس أو جوارجيوس أو بيليروفون أو غيره. وإن كانت القصّة الأكثر شهرة هي قصّته مع التنّين في سيلين كبادوكيا.

وأصل القصّة: يحيط بالمدينة الجميلة التي حكمها ملكها بالعدل مستنقع يعيش فيه تنّين مخيف لا يُعَرف شكله، ومن يقترب إليه يموت من لهيب النار الخارجة من فمه. واعتاد سكّان المدينة تقديم ثيران ونعاج، حتى أكل كل ما وُجِد، فبدأ بالاقتراب من المدينة.

بدأ أهل المدينة بتقديم قربان بشري تمّ اختياره بالقرعة حتى وقعت القرعة على ابنة الملك، فألبسوها أجمل الثياب وخرجت لملاقاة قَدَرها. وفي حين أُغلِقت الأبواب وراءها بدأت بطريقها إلى التنّين، فظهر الفارس على الحصان الذي حارب التنّين وأنقذ الفتاة وربط التنّين إلى حزامها حيث جرَّته مقتولًا إلى المدينة، وفي مصادر أخرى رُبِط إلى جديلتها.[19] وبعد الحادثة اعتنق المسيحية 150.000 شخص. رفض جوارجيوس الحصول على مكافأة مقابل عمله، بل طلب أن يتمّ توزيع الأموال على الفقراء وبناء الكنائس.

من المؤكّد أن القصّة عبارة عن خرافة بدئية لا أساس لها من الجوانب التاريخية سوى أنّه قُتِل أيّام الملك مكسميانوس. كما أنّ القصّة انتقلت إلى أوروبا على ما يبدو من خلال الحروب الصليبية، وتمّ تدوينها في الأساطير الذهبية "The Golden Legend" الذي صدر عام 1260 م.[20] ولا بدّ أن تكون الأسطورة قد امتزجت ببعض المأثورات الشعبية القديمة.

 

أسطورة أندروميدا في الميثولوجيا اليونانية

أندروميدا ابنة كيفاوس وزوجته الجميلة كاسيوبيا. تفاخرت كاسيوبيا بأنّ ابنتها أجمل من حوريّات البحر فعاقبها بوسيدون إله البحر بالفيضان وبإرسال وحش البحر لتدمير المدينة. وحين طلب كيفاوس الحماية من آمون إله الشمس والريح والخصوبة في الميثولوجيا الإغريقية نصحه بأن خلاص البلاد سيكون إذا قدّم أندروميدا قربانًا لوحش البحر، فتمّ ربط أندروميدا إلى صخرة على شاطئ البحر. وعندما عاد برسيوس[21] من إحدى معاركه رأى أندروميدا وأحبّها. وافق كيفاوس على زواج برسيوس من أندروميدا إذا نجح بتخليصها من الوحش وكان ذلك. وهذه ليست القصّة الوحيدة لأندروميدا ففي صيغة سابقة ورد أن المملكة على شواطئ يافا الفلسطينية (يافا القدس). ويجد الباحث في الفولكلور العالمي قصصًا عديدة تدور حول أندروميدا (Andromeda Theme) كموضوعة أو تَيْمة لإنقاذ عذراء من التهلكة كقربان بشري، بينما الفكرة الأساسية هي انتصار الخير على الشر.[22]

 

أسطورة بيليروفون في الميثولوجيا اليونانية

قد تتشابك المصادر الميثولوجية هي الأخرى وقد تكون قصّة الفارس امتداد لأسطورة إغريقية أخرى بطلها بيليروفون ابن بوسيدون. قتل بيليروفون خيمييرا (وحش عملاق في الميثولوجيا اليونانية، له رأس أسد، جسم ماعز ومؤخرة تنّين)[23] الذي كان يهدم ليسيا في الأناضول - برمحه وهو ممتطي الحصان المجنح بيغاسوس. 

تتشعّب التفاصيل والروايات المقارَنة ولكنّ بيليروفون في الغالب من نفس الأصل الذي أتى منه برسيوس. الاثنان مرتبطان بإله الشمس هيليوس أو آمون وإله البحر بوسيدون وأهم ما يجمعهما هو البيغاسوس.[24]

 

مديحة مار جريس في الأدب الشعبي

يجد الباحث في الفنون الشعبية القولية مدائح وأناشيد تستمد موتيفاتها من الأساطير الشائعة والمتداوَلة، ومن هذه المدائح "مديحة مار جريس"[25] (من كتاب التراث في أناشيد المواسم، آمال عوّاد رضوان، عام 2018، ص 34).

أهزوجة (مديحة) للقدّيس جاورجيوس لإنقاذ الفتاة من التنّين

1* مارجريس قاعد يمدح  وِبْمَدْحُه قاعِدْ يِصْلح

                                      سِرُّه علينا قد باح في وُجود الإكرام 

2*وْلمارجريس نِقرا ونِمْدح بمَدْحُه لا يِقوى صَلاحْ

                                          بِشْرُه عَلينا بَاح بجُودُه والإحسانِ

3* أبوه مضى عَ الحرْب وْمات/ وخلّفْ لِجريس الحسْرات

                                                      مع وِحشةِ الأوطانِ

4* مارجريس رِبِي يتيم وِلْفِعْلِ الخيرْ كانْ كَريم

                                فِي بيْروت ذهَبْ تنّين عْيونُه بْتِقدَحْ نيرانِ

5* اتَّفقوا وصاروا يَعطوه كلّ يُوم غنْمَتين يَعطوه

                           قلِّ الغنمْ وصارُوا يَعطوهُ كلّ يومْ غنَمة وإن كانْ

6* راحِ الزّمان وإجَتِ الأيّام/ وإجا الدّور لَلمَلِكِ اللّي كان.

7* قالولُه: يامَلِك دُورَك دُورَك وماحَدا خالفْ شُورَك

                                       قَدّمْ بنتَك دَستورَك تا ياكُلْها الثعبانِ

8* قالْهُنّ: يامين يُوخُذمالي وْمَملكتي وْيِعفي عنّي وْعنْ بِنتي

                             أهِلْ بيروت يامدينتي/ قتلني شوقي وإدماني                                                    

9* قالولُه: يا مَلِك شو مالك تِخسَرْ نفسَك وْأمْوالَك؟

                            أعضاءِ المَجلِس وِجْوارَك حَكَمواعَليك بالدّيوانِ

10* جاب بنتُه ولبَّسها تاج المْلوك عَ راسها

                       كَحَّل بنته وبدَّلها وقدّمها لحراسها وقدّموها للثعبانِ

11* إجا عليها مارجريس الخيّالْ وبإيدُه رُمْحِ الأوْطان

                           يْصولْ وِيْجولْ بالمِيدانِ/راكب عَ ظهر الحصانِ

12* قالْها: يا صبيَّه شو مالك؟ خبرينا عن حالِك

                                 مال عبيدِك وجوارِك بتفرَّجوا عَ الحيطانِ؟

13* قالتْلُه: ياشبْ اُهْرُبْ اُهرُبْ لا فيك تِحْمي وْلا فيك تُضرُب

                            حُسْنِ الجَمال لا تِرغْب رُوحْ وْخَلّيني بْمَكاني

14* قالها: يا صَبيّة لا تْخافي الدّموع اللّي واقفِة عنْ قتْلِ التنّين مَنْعاكي

                     عن قتْلِ التنّين مِشْ عافي أنا مار جريس النّصراني                                             

 16*رِكِب حْصانُه يِتْدَرّجْ وْنَحو التنّين يِتْعَرَّجْ

                                       وْخَلّى العالَم يِتْفرَّجْ عَ قَتْلِ الثّعبانِ 

 17*طِلعِ التنّين وتُمّو فاتح مِنْ بَطنِ المَيّ وْهُوِّ سابِ

                               وْلَمّا شافُه جايْ عليه مارجريس غارْ عليه

18* وْضَرَبُه بينْ عِينيه وِالأسْنانْ/ والرّمُح مِنْ خلفُه بانْ

                              وْأُمَم وخَلايِقْ تتفرَّجْ/ عَ مارجريس النّصراني                           

19* ما رجريس فِي ذاك الحين سَلّْ سيفُه وْذبَحِ التنّين

                             وْجَرّوهْ سبع فَدادينِ/ وشَحَطوه وَرا الحِيطان

20* / وْأُمَم وخَلايِقْ تتفرَّجْ/ عَ مارجريس النّصراني                           

21*نادى الصّبيّة السّاعة وقالْ لها تَعي نحوي السّاعة

                                    اِفرَحي معَ الجَماعة/على قَتْلِ الثّعبانِ

22* مارجريس كانْ مْأمّنْهُن/ بْقتْلِ التنّين مْواعِدْهِن

                             سبع آلاف عَمَّدْ مِنهِن/ غيرِ النّسا والصّبيانِ

23*في الطُّرُق والبْيوت/ لأنّهُن نَجُوا مِنِ المُوت

                                     قدَّموا أَهِل بِيروت/ الشّمِع مَعِ اللّبانِ

 

احتفال عيد اللدّ

يُعتبر عيد اللدّ عيدًا رسميًّا لسكّان مدينة اللدّ من مسيحيّين ومسلمين بالإضافة لكونه عيدًا رسميًّا في التقويم الأورثوذكسي. يحضر القدّاس الإلهي البطريك الأورثوذكسي ولفيف من الإكليروس والشعب. تمر المسيرات الكشفية في الشوارع المحيطة بالكنيسة.

يفد الزوار من جميع المناطق الفلسطينية للتبرُّك والصلاة وإيفاء النذور. ولا تقتصر الزيارة على المسيحيّين فقد يقصد المكان المسلمون للإيفاء بنذورهم وخاصّة سكّان المنطقة الأصليّين الذين ترعرعوا في عادات المكان وشفيعه.

من التقدِمات البارزة الشموع التي يوقدها الزوّار في المكان والزيت الذي يُسكَب على أيقونة مار جريس فوق الضريح، وبالمقابل يأخذ الزوّار من هذا الزيت عيِّنات لبيوتهم بعد أن تمّ تقديسه. ومن العادات أيضًا أن يلبس بعض الأطفال ثوب مار جريس لإيفاء نذر لدى الأهل أو للحصول على رعاية القديس وبركته.

بالإضافة للتقدِمات والصلاة وإيقاد الشموع التي ترافق كلّ زيارة لمكان مقدَّس، يقف المؤمنون منتظرين دورهم لربط جنزير وسلسلة وحذوة حصان مار جريس حول رقابهم والصلاة. لم نجد أي أثر لهذه العادة في الرواية الشفوية أو التقليد المسيحي، وإن كنا نعزوها إلى تقليد ربط ابنة الملك إلى صخرة منتظِرة الوحش، بحسب الأسطورة.

أما القربان المقدّس الذي يتمّ توزيعه على المؤمنين فتُطبَع عليه أيقونة القدّيس جريس، وقد يعدّه راعي الكنيسة بنفسه أو يحضره المؤمنون معهم كتقدمة.

ورد في المصادر عن تقديم الذبائح في عيد اللدّ. وبرأينا أنّ هذه المعلومة غير دقيقة لأنّ قربان الدم غير موجود في المعتقد المسيحي الرسمي أو الشعبي (عدا عن قربان دم المسيح له المجد). وغالبًا ما يحضر الباعة المتجولون إلى ساحة الكنيسة لبيع تذكارات مختلفة ومسابح وأيقونات. وكما هو الحال في الزيارات المقدّسة يتم بيع الطعام للزائرين. وقد يجد الزائر الغنم والحلال في محيط الكنيسة فيعتقد لوهلة أنّ الأمر معدّ لتقديم الأضاحي. ولا بد الإشارة إلى أن موضوع تقديم الذبائح قد ورد في بعض المصادر وإن كان كما ذكرنا غير دقيق. وقد يزور المؤمنون المكان للسهر فيه ليلة العيد ولكنّ الطقس لا يسمح بالتنزه والتخييم في هذه الفترة من العام كما هو الحال مع أعياد الصيف؛ عيد مار الياس، عيد الرسل وعيد التجلي.

عيد اللدّ في الحضارة الفلسطينية

ترتبط حياة الإنسان الروحانية بحياته المادية وواقعه اليومي وطبيعة علاقته ببيئته المحيطة، وقد اعتاد فلاحو بلادنا ربط مواسمهم الزراعيّة بالأعياد. وقد ورد الأمر بشكل واضح في الحديث عن عيد الصليب، حيث ينتهي موسم الصيف ويضع الفلاح رزنامته السنوية للموسم القادم.[26]  

يقع عيد مار جريس اللابس الظفر الذي يُعرف في فلسطين بـ "عيد اللدّ" في السادس عشر من تشرين الثاني، أي حين يستعدّ الفلّاح الفلسطيني للمواسم الشتوية. وبسبب وقوع مدينة اللدّ في أواسط البلاد فهي تحتلّ مكانة خاصة لدى الجميع في فلسطين التاريخية من الشمال وإلى الجنوب.

ومن أمثال الفلاح الفلسطيني في عيد لِدّ:[27]

عيد لِدّ قِدّ وجِدّ: يتوجب على الفلاح أن يجتهد بحرث الأرض بعد أن تكون قد سقطت كمية من الأمطار سهلت العمل في الأرض، وعليه أن يجد في قطف الزيتون في المناطق الشمالية الجبلية على وجه الخصوص.

إن أوْسَمَت على عيد لِدّ اُحرث وجِدّ: بنفس المعنى السابق.

بعد عيد لِدّ يا مطر بِهِدّ يا صيف بِجِدّ: أو أن تكون الأمطار وافرة لبداية العمل في الأرض والبرد قارس، أو أن تنحسر الأمطار وتظهر مظاهر الصيف بعد المطر العابر، فكأن الصيف امتد وطبعا السنة ستكون سيئة من ناحية زراعية.

عيد لِدّ يا مطر بِهِدّ يا صيف بِجِدّ: بنفس المعنى السابق.

في عيد لِدّ اللي ما شدّ يشدّ: يشرع الفلاح في تحضير نفسه للمواسم الشتوية وتجهيز بذاره. ويقال للفلاح الذي لم يتهيأ بعد الزراعة لسبب ما بأن يقوم بتجهيز أرضه وبذاره.[28]

عيد لِدّ كل شدّاد يشدّ، يا قبله بـ 15 يا بعده بـ 15، يا الوسم فيه: الأرض ارتوت من كثرة الأمطار ويمكن البدء بالموسم الزراعي الجديد.[29] والوسم هو الفترة الواقعة لمدة 35 يوما بعد الصليب الشرقي ويصادف أوائل تشرين الثاني. المطر الوسمي: اول مطر الربيع، وعكسه البدري: يكون في آخر الخريف.[30]

عيد لِدّ كل شدّاد يشدّ: على الفلاح العمل بجد وتحشيد أهل بيته بعد سقوط المطر ومسك المحراث والانطلاق إلى الأرض.

يا عيد لِدّ يا قمح المواليدي: بسبب انتشار كمية معقولة من الامطار وارتواء الأرض يستطيع الفلاح زرع قمح المواليدي لأنّ الأرض مرتوية بالمياه. والقمح الذي يُزرع في تشرين الثاني يمكن أن يُزرع في أوائل كانون الثاني على عيد الميلاد الشرقي أيضًا لأرتواء الأرض.

عيد الصليب وقت قطاف العنب وعيد لِدّ وقت الزرع.[31]

 

كيف تمازجت شخصية مار جريس مع شخصية الخضر في التراث العربي؟

تداخلت شخصية جوارجيوس مع شخصية الخضر بعد احتلال المسلمين لسوريا وفلسطين.

تعرّف المؤرِّخون المسلمون على شخصية القديس جرجس (جرجيس) من خلال الروايات التي سمعوها عنه من المسيحيّين خاصّة في بلاد الشام وآسيا الصغرى. وقد ورد جرجس في المدوّنات الإسلامية بشكل مختلف بعض الشيء عن سرديّته التقليدية المسيحية. تعرَّض له الطبري في كتابه "تاريخ الرسل والملوك" والمسعودي في "مروج الذهب ومعادن الجوهر والثعالبي في كتابه "عرائس المجالس". كما ورد في مدوّنات الشيعة. ولعل هذا الخلط والتمازج وتطوير الشخصية النبوية التي تُبْعَث هو من أحد الأسباب للدمج بين مار جرجس والخضر فاعتُبر الاسمان يشيران إلى شخصية تاريخية واحدة خصوصًا أنّ كلًا من الخضر وجرجس قد نُسِبت إليهما الخوارق والمعجزات في الثقافتين المسيحية والإسلامية.[32]

كما رأينا فقد تشابكت الموتيفات الدينية التاريخية مع الموتيفات الأسطورية في قصّة القديس جريس وإن كانت أشهرها أسطورة سيلين وإنقاذه الأميرة من التنّين. من هنا قد يكون جريس أحد نُسخ الإله تموز أو أدونيس،[33] خاصّة وأنّ أسطورة أدونيس ظهرت من خلال عدّة شخصيّات مقدّسة في التراث العربي الإسلامي. اختلط اسم الإله تموز بجرجس الذي وُلد في اللدّ ومات في الموصل (العراق)، وقد كان جنديا مسيحيًّا في جيش ديوقليانوس الروماني، عانى وقُتِل عدة مرات وفي كل مرة كان يعود للحياة. أقنع زوجة الحاكم باعتناق المسيحية ومات عندما طلب من الله أن ينهي حياته.

وكما رأينا قد يكون جرجس المسلم والمسيحي هو امتداد لأسطورة إغريقية أخرى بطلها بيليروفون ابن بوسيدون، أو برسيوس التي كانت منتشرة في الشرق وتكوّنت مركباتها قبل المسيحية والإسلام.

يحترم الإسلام الشهيد المسيحي ويراه شاهدًا على البعث والنور التي تنير الظلمة،[34] ويبشر عيده (23 نيسان)[35] بقدوم الربيع، وتنتشر قصّته قبل الإسلام.

جرجس في الإسلام يرتبط مع الخضر وإلياس. وفي عيده في الثالث والعشرين من نيسان خاضت الإمبراطورية العثمانية عدة حروب وانتصرت.

بحسب الرواية الإسلامية أن جرجس سقط في الموصل أيام ديوقليانوس، وبُعِث ثلاث مرات وقت قتله. تطورت القصّة كثيرا وبجوهرها أمر واحد؛ موت وبعث موت وبعث... وقد بعث هذا القدّيس أمواتًا للحياة، وأنبت الثمر على الشجر، واسودّت السماء مرّتين حين مات ولم تشرق ثانية حتى بُعِث.[36] وقد أثّر على زوجة الحاكم أن تعتنق المسيحية، وبالفعل تمّ قتلها لاعتناقها المسيحية فطلب من الله أن يموت هو الآخر.

يكرّمه المعروفيّون الموحدّون ويضعون أيقونته المشهورة مع التنّين في بيوتهم. يزورون مقامات الخضر جميعها، ويحتفلون بعيده – أي عيد سيدنا الخضر صلى الله عليه – في 25 كانون الثاني وخصوصًا مقام الخضر في كفر ياسيف وِفق عادات وتقاليد الطائفة المعروفية.

يستمدّ بنو معروف قصّته وأحداث حياته من المصادر العربية الإسلامية وإن كانوا يؤمنون بظهورات وأدوار مختلفة في حقب متعاقبة مما يعزّز التمازج بين الشخصيات.

 حيفا