الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
إنها ليست 'الأندلس'....فراس ياغي
إنها ليست 'الأندلس'....فراس ياغي

 تعبت الأقلام، وكفر الكي بورد بكل المصطلحات، وضاقت قواميس اللغات، ولم يعد لمفهوم الممكن في السياسة مكان، لا بسبب عودة العلاقات لطبيعتها بين السلطة وإسرائيل ولما قبل 19/5/2020 فقط، ولا بسبب "الإنتصار" البائس حتى كلاما، ولا بسبب ما بعد "إسطنبول" وما قبلها، إنما هي الحالة ككل، حالة الإنتظار الدائم ومنذ إنتهاء المفاوضات بين الرئيس "محمود عباس" ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "أولمرت" وبطلب أمريكي من إدارة ديمقراطية، هي حالة من التوهان الوطني للقيادة وبشتى معانيها وألوانها، هي حالة من سياسة ردات الفعل لا الفِعل، هي حالة مستعصية الفهم لأنها تدفع باتجاه الفكرة الواحدة للشخص الواحد بلا مؤسسات حقيقية فاعلة وداعمة.

المشكلة تكمن في الوصول لمفهوم السلطة المطلقة للفرد والحزب وكنخب لا كقيادة وكقاعدة، المشكلة في إزدواجية المواقف بإسم التكتيك والإنتظار، المشكلة في مفهوم اللّعيب الذي يهيمن على عقول البعض من نُخب التبريرات ونُخب العاشقين لجيوبهم...لست أدري هل ما يجري هو تعبيرٌ حقيقي عن واقع الحال؟!!! أم شذوذ تعبير الحالة؟!!!

لست من أنصار الشذوذ، فالحالة السياسية تُعبر عن نفسها وفق واقع الحال المُعاش، الحالة هي نتاج تراكمي لسياسات كانت ولا تزال ويبدو أنها تنتعش من جديد وستستمر لبرهة زمنية قد تقصر أو تطول، لكنها في عمر التاريخ ستكون "فترة معترضة" ليس كَ فترة "الهكسوس" في بلاد القبط "مصر"، وأقصد هنا بالمعنى الزمني،إنما هي فترة مانعة لإنطلاقة لا بدَّ قادمة، وجنون التاريخ في منطقتنا لا زال يُشكل حالتها.

لا "غساسنة" هذا العصر ولا "مناذرته" قادرين على الإستمرار في حركة تاريخية يكتنفها الشذوذ السياسي والوطني ومهما كانت طبيعة الأوراق التي يتغطيان فيها...الحالة وصلت لمكان ما لن تُحمدَ عُقباه، ومؤشراتها تدفع نحو التغيير، فجنون التاريخ في منطقة يُغَيّبُ فيها بعضاً من حقِّ أهلها لن يُنقذه "المخلص" "بايدن" ولا العودة لمفهوم "إدارة" الصراع.

ذهبت سياسة جنون القوة وسياسة فرض الوقائع بإسمها، وصاحبها الرئيس "ترامب" رجل الصفقات غير العادلة ذهب إلى غير رجعة، لكن!! معه ذهبت آمال فرضت نفسها موضوعيا، آمال الوحدة ودفن الإنقسام، آمال الإصلاح الداخلي عبر صناديق الإقتراع وتجديد الشرعيات لكل المؤسسات، آمال صياغة واقع داخلي جديد يؤسس للشراكة الوطنية وللعودة للشعب مصدر كل السلطات وكل القيادات.

هي حركة التاريخ تُعبر عن نفسها بإجترار بائس لظواهر بائسة في منطقة يحكمها جنون "الغيبية" والوعد "الإلهي" المُهيمن على عقول "أنبياء" الساسة الجُدد، وجنون فكر الفرد "المطلق"، جنون "الفرعونية" تتجلى في كل صغيرة وكبيرة في مُجتمع "المُحتل" وفي المجتمع الواقع تحت الإحتلال وتتكامل مع بعضها البعض وفق مفاهيم المصلحة للنحبة المُتحكمة بالقرار لا وفق مصالح الشعب...رئيس وزراء إسرائيل "نتنياهو" المُثقل بقضايا فساد وتهم يتحكم ويُوجه كل سياسات دولة الإحتلال لمصلحة البقاء وعدم دخول السجن، تقابله سياسات الزبائنية الإقتصادية ونخبها السياسية التي تبحث عن البقاء ثم البقاء وتحت عناوين "الوطنية" و "المقاومة"، ورغم أن هذين المصطلحين في تكامل وفق كل قواميس اللغات، إلا أنهما في الحالة الفلسطينية لا يلتقيان وكلٌ منهما له خط يوازي الآخر ولا يتقاطع معه، والسبب الحقيقي لشذوذ القاعدة هذه هو مفهوم "البقاء" للنخب التي تتحكم بمقدرات الشعب الفلسطيني، فالقضية ليست مع من "أوسلو" ومن "ضدها"، ف "أوسلو" إنتهت، ولا مع مفهوم دولتين لشعبين، فهذا إتفق عليه، ولا مع رفض "الإحتلال" ورؤيا "ترامب" المرفوضة فهذا أيضا متفق عليه، إذا الموضوع يتعلق بمكاسب فردية وحزبية ونفوذ ومصالح، ويبدو أن مفهوم "البقاء" للنخب كمصلحة هو الذي يتحكم بالبوصلة الداخلية لا مصلحة الوطن.

هي سياسة "أمراء" الأندلس تجتر نفسها من جديد، لكنها لن تبقى، فالأندلس هي "إسبانيا" ولشعب إسبانيا وليس لإمراء تنازعوا، اما هنا، فلا يزال شعب هؤلاء "الأمراء" هو صاحب الكلمة الأخيرة التي لا بدّ قادمة وهي قادمة فلا يُمكن أن تُصبح الفترة "المعترضة" هي الحال الدائم، لأن حركة الشعب تُعلمنا أنها تلفظ تلك الفترات وتدوس عليها وتدفنها..الحق المُمكن قائم وأدواته قائمة ولن يستطيع لا "الغساسنة" ولا "المناذرة" في زمن "الكورونا" تجاوزه أو تضليل أدواته لفترة طويلة من الوقت...هي فلسطين أيها السادة، وهي القدس أيها النخب، وهي مخيمات الشتات واللجوء والعودة أيها "الأمراء"، إنها ليست "الأندلس".