الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
رحيل ترامب يؤجل الرد الإيراني رغم دعوات الثأر
رحيل ترامب يؤجل الرد الإيراني رغم دعوات الثأر

 لا يبدو أن إيران قادرة، الآن، على تنفيذ وعود الانتقام التي أطلقها المسؤولون بشأن اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة. والأمر لا يرتبط فقط برغبة الإيرانيين ولكن بالتوازنات القائمة في ضوء حالة التوثّب لدى الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، والذي قد يكون في حاجة إلى ردّ إيراني فعلي، وإن كان بسيطا، ليتحرر من حذره ومن ضغوط مستشاريه، ويوجه ضربة خاطفة لإحدى المنشآت النووية الإيرانية.

وبدأ الرئيس الإيراني حسن روحاني في البحث عن مبررات لعدم “الرد القاسي” حين وصف عملية الاغتيال بـ”الفخ الإسرائيلي”، للإيحاء بأن إسرائيل تريد جرّ إيران إلى معركة غير محسوبة ولا تتماشى مع خطط القيادة الإيرانية في عدم تمكين ترامب من مبررات استهداف إيران أو أذرعها في المنطقة.

وأضاف روحاني أن “إسرائيل تقف وراء الاغتيال” وأن “ترامب يهدف إلى إثارة الفوضى قبل مغادرة منصبه”.

ويقول محللون إن القيادات الإيرانية في موقع صعب في ظل ضغوط داخلية للانتقام، خاصة أن جمهور المتشددين بدأ يشعر أن المرشد الأعلى علي خامنئي ومؤسسة الحرس الثوري قد خانا قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس، وأن شعارات محو إسرائيل من الوجود باتت بلا معنى. 

وبالتوازي، لا يقدر خامنئي ولا الحرس الثوري على المغامرة، في ضوء توثب إسرائيلي للرد، ظهر في سوريا لأشهر طويلة، كما أظهر اغتيال فخري قدرة تل أبيب على اختراق الأمن الداخلي لإيران، وهو ما قد يفسّر الفشل في الوصول إلى منفذي الاغتيالات السابقة التي طالت علماء ومشرفين على المنشآت الإيرانية.

وتؤشر دقة التنفيذ وسرعتها في مكان حيوي في العاصمة طهران إلى نجاح إسرائيل في تجنيد عناصر إيرانية لتنفيذ العملية، وهو ما ألمح إليه وزير الأمن الإيراني محمود علوي حيث أعلن بدء العمل على تحديد العناصر المتعاونة في جريمة اغتيال العالم النووي فخري زادة.

ويرى المحلل السياسي الأميركي بوبي جوش، في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، أن توقيت اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة محرج بوجه خاص للقيادة الإيرانية السياسية والعسكرية على حد السواء.

وسيستمر المسؤولون الإيرانيون في رفع الشعارات والتلويح بالرد “في الوقت المناسب” بانتظار استلام الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لمهامه، وإجراء اتصالات مع طهران بما يخفف عنها الحرج الداخلي.

وقد يلجأ الإيرانيون إلى التصعيد في العراق باستهداف رمزيّ لمواقع أميركية عبر صواريخ الميليشيات الحليفة.

لكن مراقبين يقولون إن هناك مبالغة في توقعات المسؤولين الإيرانيين، وإن بايدن لن يعطيهم شيكا على بياض ليحلّوا كل مشاكلهم دفعة واحدة، خاصة العودة إلى ما قبل مرحلة دونالد ترامب برفع العقوبات وتسهيل تصدير النفط وعودة الشركات، مشيرين إلى أن هذا لن يتم قبل تنازلات إيرانية جديدة ترضي الكونغرس وإسرائيل باعتبارها لاعبا مؤثرا في الولايات المتحدة.

وأتى الاغتيال قبل حوالى شهرين من تسلّم بايدن مهامه، وهو الذي وعد بـ”تغيير مسار” سلفه المنتهية ولايته دونالد ترامب مع إيران. واعتمد الأخير سياسة “ضغوط قصوى” حيال طهران، شملت خصوصا الانسحاب أحادي الجانب العام 2018 من الاتفاق حول برنامجها النووي، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها.

ماذا ستفعل طهران أمام اغتيال أبي القنبلة النووية الإيرانية

وقال روبرت مالي، الذي عمل مستشارا لأوباما في الملف الإيراني، إن قتل فخري زادة يأتي في إطار سلسلة من التحركات التي تمت خلال الأسابيع النهائية في ولاية ترامب وتهدف إلى زيادة صعوبة مهمة بايدن المتعلقة بإعادة التواصل مع إيران.

وسبق لإيران أن رأت في فوز بايدن فرصة لواشنطن للتعويض عن “أخطائها السابقة”. وكان بايدن يشغل منصب نائب الرئيس الأميركي لدى إبرام الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى عام 2015.

وألمح روحاني في كلمته خلال اجتماع للهيئة الوطنية لمكافحة كوفيد – 19، إلى وجود رابط بين توقيت الاغتيال وقرب تسلّم بايدن مهامه.

وقال “هذا الاغتيال الهمجي يظهر أن أعداءنا يمرون بأسابيع عصيبة، يشعرون خلالها بأن فترة ضغطهم تتراجع، والوضع الدولي يتبدل”.

ورأى أن أعداء إيران “يريدون الاستفادة إلى أقصى حد (…) من الأسابيع المتبقية” بهدف “خلق وضع غير مستقرّ في المنطقة”.

ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الجمعة عن مسؤول أميركي ومسؤولَين استخباريين أن إسرائيل “تقف خلف الهجوم على العالِم الإيراني”.

ولم تعلق إسرائيل على الاغتيال. وفي حين أشارت وسائل إعلام فيها خلال الأيام الماضية إلى زيادة التأهب الأمني في سفاراتها حول العالم، رفض متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية في القدس تأكيد ذلك.

ويعدّ فخري زادة من أبرز العلماء الإيرانيين في مجاله، وكان يشغل منصب رئيس إدارة منظمة الأبحاث والإبداع في وزارة الدفاع.

وأدرجت وزارة الخارجية الأميركية اسمه على لائحة العقوبات العام 2008 على خلفية “نشاطات وعمليات ساهمت في تطوير برنامج إيران النووي”، واتهمته إسرائيل سابقا، عبر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، بالوقوف خلف برنامج نووي “عسكري” تنفي طهران وجوده.