الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الحريات النقابية والنضال المطلبي يؤسس لمجتمع حر...د. سلامه ابو زعيتر
الحريات النقابية والنضال المطلبي يؤسس لمجتمع حر...د. سلامه ابو زعيتر

 يستمد العمل النقابي قوته، من شرعية مطالبه، وامتداده وانتماء أعضاؤه والايمان بالفكرة، والاستعداد للتضحية لتحقيق الهدف، وقد سجل عبر التاريخ النقابي، ملاحم البطولات النقابية والعمالية، والتي تجسدت بنضالات مطلبية ومواجهات كلفت العمال والقيادات النقابية أغلى ما يملكون، فدفعوا فاتورة النضال النقابي من دمائهم وقوت أبنائهم في سبيل تحقيق مطالبهم وحقوقهم وإنصافهم بكرامة وعدالة، هكذا بنى العمال والقيادت النقابية عبر التاريخ قواعد العمل النقابي، وارسوا القيم والمبادئ التي أسست لحرية العمل النقابي، والحق في النضال المطلبي بكل السبل المشروعة والأخلاقية واللاعنفيه وصولا لتحقيق الأهداف والعمل اللائق والكريم والعدالة والانصاف بالتشريعات والقوانين، ما يثير الجدل الحالة التي وصلت لها الحريات النقابية وأشكال النضال النقابي في فلسطين اليوم في ظل المتغيرات والظروف البيئية، وطبيعة الحالة المشوهة التي أصبحت تحكم أي عمل أو نشاط نقابي أو اجتماعي، وهذا يدعو لوقفه، وإعادة دراسة للواقع؟ ومحاولة فهم المستجدات؟ ولماذا تتجه فلسفة العمل النقابي نحو الاستسلام وتقبل الواقع الجديد؟ وتبرير الحالة وتجاهل مصالح الفئات وحجم الضرر الواقع عليهم؟ وضعف الاستجابة لاي تحراك ثوري او نشاط تفعالي لاظهار القضايا والدفاع عنها بقوة وتأثير في ميادين العمل؟

اعتقد ان حال التشخيص والتحليل للواقع بات واضحا، فاختلاط الأمور واتساع حالة الاشتباك والانقسام والحصار والاحتلال وسياساته، تؤسس لحالة من الانفصام والتخبط في الشخصية الفلسطينية وخاصة في طبيعة تحديد الأولويات، ومدي التعاطي مع الإشكاليات والقضايا الاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما يتناقض مع طبيعة الانسان الفلسطيني الثائر التي تتبلور شخصيته وهويته في بعدها الثوري والوطني التي لا تقبل الخنوع والاستسلام، وهذه الحالة المشوهة والتي سببتها الكثير من العوامل والمؤثرات البيئية والسياسات العصبوية، التي فرغت الانسان من الكثير من القيم والمبادئ والعقائد الثورية التي كانت تطغى على شخصيته في التعامل مع المواقف والحقوق، وحولته لسلبي غير قادر عن التعبير عن مشاكله والدفاع عن مصالحه، ووضعته في حالة من التوتر والانفعال اللارادي المهزوم، هذا خطر جديد يهدد طبيعة الانسان، والتي يصعب علاجه والتدخل لاعادة التوازن للشخصية بطبعها الإنساني والوطني والثوري، فالقاعدة لا تنتظر أن ينتصر الانسان المنكسر لحقوق الاخرين....

الخوف والقلق حالة طبيعية في ظل ظروفنا الفلسطينية، وما نواجه من تحديات واشكاليات ومتغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية...، لكن؟؟!! الخنوع والاستسلام حالة شاذه وجديدة على شعبنا ونحن نخوض معركة التحرر والبناء الوطني، فكان ومازال الانسان الفلسطيني هو الوقود للثورة ومصدر التغيير والتحدي، وصاحب المبادرة في خطوط المواجهة الأولى دائما بما يملك من قوة وإرادة ثورية وانتماء وإيمان بالقضية وعدالتها، هكذا شعبنا الفلسطيني بما يملك من ثقافة وقيم ومبادئ وعقيدة راسخة بأن الحقوق لا يستهان بها، والتضحية في سبيلها واجبه وحق مشروع، والاصل أن نحافظ على هذه الطبيعة في الانسان الفلسطيني ونعززها ونطورها، لا أن نقهرها بالظلم والتنكر لحقوقه، فالثائر والفدائي يملك ما لا يملكه الانسان العادي من عزيمة، وقوة الشكيمة، والانتماء والمشاعر الصادقة للعطاء والاستعداد للتضحية في سبيل عدالة القضية وحماية الحقوق الوطنية والاجتماعية، وهو ما نحتاجه في الانسان في ظل استمرار معركة التحرر الوطني وبناء المجتمع والانسان الفلسطيني.

أن الحالة النقابية والحريات والنضال المطلبي اليوم في أسوء وأضعف حالتها، ارتباطا بالواقع والمستجدات والحالة المشوهة والتداخلات التي نعيشها سواء المرتبطة بالعوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتداعيات الانقسام وجائحة كورونا، والفئوية والجهوية، والفقر والبطالة، وزيادة المشاكل الاجتماعية والعنف، وغياب المرجعيات وتخبط السياسات، وغياب القوانين والتشريعات، والرقابة والمتابعة، وتسويق التبريرات على حساب حق المواطن والفئات الأضعف، في ظل صمت الفصائل والقيادات السياسية والشخصيات العامة، والتي لا تعطي أولوية لقضايا الناس في ظل غياب الانتخابات وعدم الحاجة للاصوات الانتخابية، والمراهنة على عواطف الناس، والشطارة في تبرير الظلم وانتهاك الحقوق، وتسويق الأفكار والمبررات لاي فاحشة ترتكب وأي قضية تنتهك، ووجود من يسحج أو يبارك او يطبل لصالح مواقف مخزية ومجحفة تتعارض مع القانون والأخلاق والأصول، والصمت يخيم على المكان......

ان الحالة التي وصلنا لها ونحن نتابع العديد من القضايا التي تتعلق بحقوق العمال والموظفين، وما يقع عليهم من ظلم في العمل، وانتهاك للحقوق واستغلال للظروف، ومزيد من البطش بحقهم سواء بالخصومات بالرواتب والأجور، وزيادة في ساعات العمل أو الطرد أو إعادة الهيكلة، وتغيير اشكال التعاقد، والتقاعد المالي والإداري والمبكر....الخ كلها ممارسات قائمة على استغلال الظروف، ومحاولة لتحميل العمال والموظفين تداعيات المتغيرات الجديدة والانقسام وضعف دور الحكومة، وهذه الممارسات والانتهاكات كالمرض المعدي والوباء انتشرت كالنار في الهشيم، في القطاع العام والخاص والأهلي والمؤسسات الدولية....، وتزامنت مع غياب القوانين والرقابة، والاخلاقيات والأصول المهنية، عن هذه الممارسات، والجرائم التي ترتكب بحق الفئات الضعيفة التي تعيش على قوت يومهم ودخلها المحدود، والادهى الصمت والخنوع الذي يواكب الحالة والمستجدات المحيطة، ويعزى ذلك لاختلاط الأدوار والوظائف والمسئوليات، فالنقابات والمؤسسات الرقابية، وهيئات الرقابة ومكافحة الفساد والمؤسسات الحقوقية والإنسانية والأحزاب السياسية وقوى المجتمع...الخ مؤسسات مسئولة عن الدفاع عن العدالة والحقوق وكشف التجاوزات والانتهاكات في زمن الحروب والاوبئة، والتجارة بقوت وحقوق الناس واستغلال الظروف لتعظيم مكاسب ومنافع على حسب الفقراء والعمال والفئات المهمشة ومحدودي الدخل...

ما هو المطلوب لنعيد الاعتبار للحريات النقابية والنضال المطلبي ونحفظ الانسان الفلسطينى؟ اعتقد أن من واجب النقابات العمالية والمهنية أن تتحمل مسئولياتها ووظيفتها الحقيقية، وهي الدفاع عن مصالح الفئات التي تمثلها، وأن تعبر بمصداقية وموضوعية عن قضاياهم وحقوقهم بالطرق المهنية والأخلاقية، وضمن استقلالية القرار النقابي، والقيام بالدور النقابي والمهام وفق القانون، وضمن خطة منهجية واضحة تحكمها النظم واللوائح والقوانين واخلاقيات المهنة، فهذه خطوة أساسية  يمكن أن تساهم وتعيد الاعتبار للعمل النقابي وتشكل قاعدة لمواجهة أي شكل من أشكال الاستغلال، ومطلوب من الحكومة ان تكون نموذجا للعدالة وإعمال القانون وانصاف موظفيها بوضوح وشفافية وعدالة ضمن القانون، وعلى من مؤسسات المجتمع المدني وقواه الاجتماعية والسياسية أن تكون مباردة ومبادأة في حماية مصالح الناس والدفاع عنها، وان تسعى لترسيخ قيم ومبادئ العدالة والحوكمة في المجتمع، وأن تناصر مصالح الناس وتقدم المبادرات والحلول والأفكار البناءة، لتعزيز حالة التوازن في المجتمع، ورفع الظلم عن الفئات المتضررة والتي تتعرض كل لحظة لاستغلال وبالكاد تستطيع أن تلبي الحد الأدنى لمتطلبات الحياة...

أخيرا إن استمرار الصمت والامبالاة لما يحدث من انتهاكات بحق العمال والموظفين والفئات الأضعف بالمجتمع، وتغييب للقوانين والكيل بمكاييل مزاجية وسطوة الفاجر والمستغل، بعيدا عن القوانين والتشريعات، وتبرير الانتهاكات، حالة لا يجوز استمرار الصمت عليها، لما لها من أثار وتداعيات وانعكاسات تشكل خطر حقيقي على استقرار المجتمع وثباته وأمنه، وتهدد الفرد والانسان الفلسطيني، ومستقبله ارتباطه بقضيته الوطنية ودوره في المرحلة القادمة في معركة التحرر والبناء الوطني .

كم نحتاج للافكار البنيوية والوحدوية والمبادرات التي تخرجنا من الازمات والاشكاليات، وتوحد الموقف وتعزز قيم الوحدة الوطنية والشراكة الحقيقية والتعاون في مواجة التحديات والمعوقات والصعوبات، لا أن تعزز التفرقة والعصبوية والانقسام والفئوية والجهوية، والتي جميعها تصب في تعزيز ثقافة سلبية ومشوهه وقهرية للرجال وقاتلة للابداع والتغيير الإيجابي والفعال في مثل حالتنا الفلسطيني، بما تحمل في ثناياها من تحديات ومسئوليات وطنية وثورية وتحررية، نخوضها في معركة البقاء والدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات...

  • عضو الأمانة العامة ف الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين