الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
تعقيب على دراسة عريقات حول أموال المقاصة....طارق زياد الصيفي
تعقيب على دراسة عريقات حول أموال المقاصة....طارق زياد الصيفي

بقلم الناشط السياسي طارق زياد الصيفي

مقال بعنوان " تعقيب على دراسة عريقات حول المقاصة "

كثيرا ما نسمع حول مصطلح " أموال المقاصة " ما هي ، وما الأزمة التي تدور حولها ، ولماذا تم رفض القيادة الفلسطينية لاستلامها ، وما السر وراء رجوع القيادة عن قرارها في عدم استلام أموال المقاصة من الجانب الإسرائيلي وهذا ما وضحته الكاتبة د. دلال عريقات : أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، في دراستها التي نشرته قبل أيام بعنوان

" الحقيقة وراء استلام أموال المقاصة ".

ومن هنا يجب أن نؤكد على ما جاء في هذه الدراسة والتمعن والتدقيق بما جاء في مضمونها ، كما نحث الخبراء والباحثين في علم الاقتصاد السعي وراء تطبيق الدراسة ع أرض الواقع لما سيكون لها أثر ايجابي على وعي وإدراك الشعب الفلسطيني بخصوص الاتفاقيات الدولية التي تعقد بين قيادته والجانب الإسرائيلي ع مدار بداية الصراع بين الجانبين من وقت تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية لحتى يومنا هذا .

فقبل أن أتطرق إلى النقطة الهامة في دراسة عريقات خلينا نوضح بعض النقاط حول ، ما هي أموال المقاصة ؟ ومن أين جاءت وما هي مصادرها  ولماذا تم رفض استلامها .

بموجب اتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقية باريس تم إبرام اتفاق تعاقدي يحكم العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

اتفاق أو معاهدة أوسلو، أو أوسلو (1)، والمعروف رسميا باسم " إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي" ، هو اتفاق سلام وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن الأمريكية في 13 سبتمبر/أيلول 1993، بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون .

سمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية التي تمت في عام 1991.

أما اتفاقية باريس

هو الاسم المتداول للبروتوكول الاقتصادي الملحق باتفاقية غزة – أريحا، الموقعة بين إسرائيل وممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية.

وقعت الاتفاقية بتاريخ 29 أبريل/ نيسان 1994، ثم تحوّل البروتوكول لجزء من اتفاقية أوسلو 2 (اتفاق المرحلة الانتقالية للضفة الغربية وقطاع غزة) الذي وقع في 24 و28 سبتمبر/أيلول 1995.

تضمنت اتفاقية باريس بنودا تنص على تحويل إسرائيل مبالغ شهرية للسلطة الفلسطينية تعرف بـ (المقاصة)، والمقاصة مصطلح اقتصادي يعني آلية مالية لتسوية المعاملات التجارية والمالية والمصرفية بين الأشخاص والبنوك والجهات المختلفة.

مصادر الأموال

المبالغ الشهرية للسلطة تأتي من ضرائب الدخل من العاملين الفلسطينيين في قطاع غزة ومنطقة أريحا الذين يعملون في إسرائيل .

كامل المبلغ من ضريبة الدخل المحصل من الفلسطينيين من قطاع غزة، ومنطقة أريحا العاملين في المستوطنات.

ضرائب الاستيراد (الجمارك) والرسوم الأخرى على البضائع التي يكون مقصدها مناطق السلطة حتى لو قام باستيرادها مستوردون إسرائيليون مسجلون لدى السلطة الفلسطينية وتقوم بنشاط تجاري في المناطق

ضريبة القيمة المضافة المدفوعة من منظمات ومؤسسات فلسطينية غير ربحية، والمسجلة لدى السلطة الفلسطينية، على صفقات في إسرائيل.

استقطاعات تأمين التقاعد التي تُحصل من أجور الفلسطينيين العاملين في إسرائيل، على أن تستخدم المبالغ المحولة لتقديم تأمين التقاعد لهؤلاء العاملين، مقابل عدم التزام إسرائيل ومؤسساتها الاجتماعية ذات العلاقة وأرباب العمل الإسرائيليين بأي التزامات ومسؤوليات تتعلق بمطالب شخصية وحقوق ومنافع تنجم عن هذه الاستقطاعات

تحصل إسرائيل تكاليف إدارية تقتطعها من عملية المقاصة تصل إلى 10 حتى 15% .

حجم المقاصة

بلغ إجمالي الإيرادات في الموازنة العامة لدولة فلسطين عام 2017 مبلغ 12.75 مليار شيكل (نحو 3.5 مليار دولار)، وبلغت إيرادات المقاصة نحو 8.72 مليار شيكل ( 2.4 مليار دولار) تمثل 68.4% من إجمالي الإيرادات، بينما بلغ الإنفاق وصافي الاقتراض مبلغ 15.73 مليار شيكل ( 4.32 مليار دولار).

يبلغ متوسّط قيمة إيرادات المقاصة (الضرائب الشهرية)، التي تجبيها إسرائيل وتحولها للسلطة الفلسطينية، نحو 180 مليون دولار أمريكي، وفق أرقام وزارة المالية الفلسطينية.

بدون هذه الأموال، لن تستطيع الحكومة الفلسطينية الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه الموظّفين والمؤسّسات الحكومية، وفق تصريح سابق لرئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله.

تبدأ السنة المالية في فلسطين مطلع يناير/كانون الثاني وتنتهي يوم 31 ديسمبر/كانون الأول من ذات العام، وفق قانون الموازنة العامة.

بداية الأزمة

 في مارس/آذار 2018 صادق الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، بالقراءة الأولى، على مشروع قانون يتيح لحكومة إسرائيل احتجاز جزء من أموال الضرائب الفلسطينية (المقاصة) تعادل تلك التي تقدمها السلطة كمخصصات لعائلات الأسرى والشهداء.

تصرف الحكومة الفلسطينية رواتب رمزية لعائلات الشهداء وللجرحى وآلاف المعتقلين في السجون الإسرائيلية.

 صادق الطاقم الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر على قرار بدء تنفيذ القانون وقررت حكومة نتنياهو أن تقتطع نحو 140 مليون دولار من أموال المقاصة.

أشارت تقارير إلى أن نحو 138 مليون دولار دفعتها إدارة عباس رواتب للمعتقلين في 2018، قال مجلس الوزراء الأمني إن مبلغا مماثلا سيتم تجميده من الضرائب التي تم جمعها لحساب السلطة الفلسطينية.

قال وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون إن خصم المبلغ سيبدأ من الشهر المقبل.

يهدف القرار إلى معاقبة السلطة انتقاما على استمرارها في دفع مخصصات لعائلات الأسرى والشهداء.

وعلى أثر هذا القرار الرئيس محمود عباس رفض استلام المقاصة

قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنه لن يستلم أموال المقاصة.

أضاف في تصريحات بثتها الإذاعة الرسمية (صوت فلسطين) خلال لقاء مع وفد من الكونغرس الأمريكي عن الحزب الديمقراطي وأعضاء في مجموعة (جي ستريت) "نرفض استلام كل المقاصة. لا نريدها، لا نريد المقاصة كلها، خليها عندهم".

تابع قائلا "وبقلكم (أقول لكم) بصراحة لو كان عندنا فقط عشرين مليون أو ثلاثين مليون شيكل وهي ما يدفع لعائلات الشهداء سندفعهم لعائلات الشهداء .. يعني لو لا يوجد في السلطة أي قرش غير هذه ، سأدفع لعائلات الشهداء وعائلات الأسرى وعائلات الجرحى هذا يجب أن يكون مفهوما ".

أوضح الرئيس الفلسطيني أنه " إضافة إلى ذلك أنا سأذهب إلى كل المؤسسات الدولية لأشتكي (إسرائيل) لعل العالم يسمعني ".

 كما وصف رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله قرار إسرائيل بأنه تعدٍّ يقع في إطار مخطط هدفه تدمير السلطة الفلسطينية وسلب قدرتها على الاستمرار في تقديم الخدمات والوفاء بالتزاماتها .

وقال إن خصم هذا المبلغ يشكل سرقة وجريمة بمقاييس دولية وانتهاكا لميثاق جنيف، وخرقا للاتفاقات المرحلية الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي منذ عام 1995.

وعلى ضوء المؤشرات السابقة جميعا جاءت دراسة عريقات توضح عدول القيادة الفلسطينية عن قرارها في استلام المقاصة .

وقالت " لقد بحثت طويلاً منذ إعلان القرار لأحاول الوصول لتفسير منطقي لقبول القيادة الفلسطينية المفاجئ باستلام الأموال دون مقابل ، وبعد البحث والتقصي وبعد مراجعة وقراءة دقيقة لبنود اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة عام 1994، وفيما يخص أموال المقاصة، اتفق الطرفان أن تقوم إسرائيل بتحصيل ضرائب معينة نيابة عن السلطة الفلسطينية وتحول هذه الإيرادات المحصلة وفقًا لبنود بروتوكول باريس وكما اتفق عليه الطرفان في المواد 3 و 5 و 6 من الاتفاقية.

وجدت في البند الثالث من الاتفاقية نصاً صريحاً قد يفسر السبب الذي تم اتخاذ القرار بناءً عليه خوفاً من خسارة المستحقات والأموال وأشارككم النص :

“ لغرض حسم الضريبة، الفواتير تكون صالحة لمدة ٦ أشهر من تاريخ إصدارها ”. إذاً، نستنتج انه وفقًا لبروتوكول باريس وإجراءات المحاسبة المتعارف عليها بين الجانبين وكذلك وفقًا للقانون الإسرائيلي، يجب أن يتم حساب ضريبة القيمة المضافة في غضون ستة أشهر من تاريخ الفاتورة !

بحسابات سريعة ، نجد أن آخر شهر لاستلام أموال المقاصة كان في شهر نيسان (ابريل) أي أن الشهر السادس بناء على النص السابق هو شهر تشرين الأول (أكتوبر)، وحسب القراءة القانونية الصريحة للاتفاق ، ان لم تقبل وتراجع السلطة الفلسطينية حسابات أموالها المستحقة بعد أكتوبر يسقط حقها القانوني في المطالبة حسب النص .

لتبسيط المشهد للمواطن ، هذا تماماً مثل التعامل مع الشيكات البنكية حيث أننا لا نملك الحق في صرف أي شيك بعد انقضاء ٦ أشهر من تاريخ استحقاقه !

لذلك بعد شهر أكتوبر، وحسب نص الاتفاق والقانون الإسرائيلي في حسابات الضرائب، لن يتمكن الفلسطينيون من المطالبة بأي مبلغ أو التقدم بطلب للحصول على السداد بناءً على الفواتير الصادرة أو الموقعة بعد أبريل 2020.

وأخيرا ما أكدت عليه عريقات في دراستها وكذلك أدعم قرارها في مقالي هذا بخصوص ما قالته " بأن الحصول على المعلومة هو حق عام ، ومن نابع احترامي لعقول الشعب الفلسطيني والمواطنين الذين تحملوا كبد وعناء المرحلة السابقة ، رأيت انه من واجبي محاولة تقديم تفسير مبني على دراسة وتقصٍ للحقائق والقوانين التي تحكم كل مناحي حياتنا كشعب تحت الاحتلال .

لذلك وجب على خبراء الاقتصاد والباحثين اطلاع المواطن الفلسطيني على كافة الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من حيث ايجابيات وسلبيات وحيثيات وأهمية هذه الاتفاقيات الموقعة .