الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مقابلة عمل.. ليلى حجة
مقابلة عمل.. ليلى حجة

في أحد الايام، بينما كان سامح الموظف النشيط منهمكا في العمل، وإذ برسالة تصله عبر الحاسوب في البريد الالكتروني، تنص على مناقصة وظيفة لمركز مدير في قسم من الشركة التي يعمل بها.

سامح قليلا ما يعير هذا الأمر أي اهتمام، لأنه يعرف ان شركته بمديرها الحالي، لا تراعي قواعد التوظيف الصحيحة، ذلك لأن للمدير مواصفات خاصة في المتقدم للوظيفة، تختلف عن تلك التي يظهرها للملأ، وهو بمحض تجربته الشخصية يعرف هذه الأمور، ولكنه يتجاهلها، وما هذا الإعلان الا بروتوكولا إداريا  ليس الا.

نظر سامح مرة أخرى الى هذا البريد، وأمعن النظر فيه وقال في نفسه:

"هل ما زال المدير بصفاته هي؟ ألم يتغير بعد ويعرف ان عليه ان يضع الشخص المناسب في المكان المناسب؟ ألم يتعلم بعد من تجربته كيف ان هنالك الكثير من الاقسام قد تراجعت في العمل، وان هنالك الكثير من الموظفين قد أصابهم الإحباط بسبب مرؤوسيهم غير المؤهلين؟"

قرر سامح أن يتجاهل أفكاره تلك التي تلاحقه باتهام مديره بأن له أصدقاؤه الخاصين به، وهم أولئك الذين يحيطون به دوما، ويمدحونه في كل حركة يقوم بها، خاصة عبر قنوات التواصل الاجتماعية، ما ان يضع صورة لابنه او ابنته، حتى ترى الرسائل قد انهالت عليه من كل حدب وصوب تمدحه وتمدح أبناءه.

وقال سامح في نفسه:

"العمل.. عمل.. لا يجوز الخلط بين الصداقة والخبرة والتفاني بالعمل، فهذا امر وهذا امر آخر.."

ومع أن سامح يحب عمله ولا يفكر في تركه، الا انه تقدم لهذا المنصب في تلك البلدة البعيدة عنه، وفي ذلك القسم الصغير الذي لا يعطيه مجالا للتقدم، لكنه قرر أن يخوض تلك التجربة وقال:

"الأيام فرص، ويحب ان نحاول اقتناص تلك الفرص كلما سمح لنا المجال، والراحة في التغيير. لمَ لا أجرب قسما آخر، قد أبدع فيه وانجح اكثر من وجودي في هذا القسم الكبير المليء بالمشاكل المتواصلة والمعقدة، والتي أسعى دائما لحلها بحسب خبرتي الجيدة في العمل؟"

قرر سامح ان يتقدم للوظيفة، وحضّر نفسه للمقابلة جيدا، واستطاع اجتياز كل الامتحانات الخاصة بالوظيفة بنجاح، وكذلك المقابلة الجماعية التي تم عقدها لكافة المتقدمين، وبدأ يستعد للمقابلة النهائية مع مدير الشركة.

في قاعة الانتظار للمقابلة الشخصية، التقى سامح مع عدد من المتقدمين، وتمنى لهم النجاح في هذه المقابلة. لم يرَ سامح كل المتقدمين، ومن خلال الفراسة والتجربة يستطيع ان يعرف من سيفوز بالوظيفة. سأل الحاضرين إذا كان هنالك أناس آخرون، فقالوا:

     - "لا نعرف، لقد جئنا قبلك بقليل، ولا نعرف الا بوجود خليل بالداخل".

دارت الأفكار في رأسه حسب الترتيب للدخول لمقابلة الدير، فقد كان دوره آخر شخص،؟

لماذا؟ هل هذا الترتيب له أهمية كبيرة؟ هل يعني أن المدير قد استقبل أشخاصا لم نرهم من قبل وفي البداية؟

حينما دخل سامح لمقابلة مدير الشركة، رحب به هذا الأخير أجمل ترحيب، وقال له:

- تفضل بالجلوس سيد سامح، هنا على هذا المقعد المقابل لي.

   بدأ المدير ينظر في سيرته الذاتية ويتصفحها بعناية، انها جيدة جدا، ويتضح فيها كم هو شاب مجتهد ومواظب على التعلم والانجاز، كانت للحق أكثر بكثير من جيدة، فقد رأى المدير أن الشاب قام بعمل جيد للغاية طوال فترة حياته الدراسية والعملية، وبدأ المدير ينظر إليه باهتمام ويسأله:

- هل فعلا انت تريد هذه الوظيفة؟

سامح: انا فعلا اريد هذه الوظيفة، خاصة انها بهذه الشركة التي اعمل بها، وأحب ان ادعم شركتي، أحب ان آخذ هذا العمل لقناعتي ان التغيير شيء جيد للشركة، وهو يجدد الخلايا ويبعث النشاط للموظفين.

المدير: الست سعيدا بالقسم الذي تعمل فيه؟

سامح: أنا سعيد به وأحب عملي كثيار، ومن محبتي لعملي اردت ان اعمل بقسم آخر، كي اعطيه من خبرتي ونصائحي.

المدير: الا ترى ان القسم الذي تعمل فيه يحتاجك أكثر من هذا القسم الجديد؟

سامح: أنا أعرف ان العمل بكل الأقسام هو لمصلحة الشركة، ونحن نعيش في عالم دائم التغيير، ويحدث التغيير بسرعة في كل وقت ووقت، ونرى التجدد الدائم فيه، مع ان فيه الكثير من المخاوف، لكني اريد التغيير والعمل في هذا القسم.

 كانت المحادثة مع المدير وديّة جدا، دار بها  حوار شخصي ومهني، ولم يسأله  المدير كثيرا بعد عن العمل في القسم، انما اخذ يسأله بأموره الشخصية عن الأولاد والعائلة.

انتهت المقابلة، ومد المدير يده للمصافحة متمنيا لسامح النجاح بالوظيفة مع ابتسامة خبيثة صفراء.

ترك سامح المكان وخرج ليركب سيارته، لشراء بعص الحاجات من المجمع التجاري المقابل لموقع الإدارة قي الشركة، وما ان فتح باب السيارة واخذ مقعده داخلها، وإذا بهاتفه يرن، لقد كان هذا الهاتف من رقم مجهول، وزاد استغرابه بهذا الأمر وقال في نفسه:

   - "يا الهي من يهاتفني الآن؟ اريد أن اشتري بعص الحاجات، الا يصبر الأولاد حتى اعود الى البيت، وما هذا الرقم الغريب؟!"

 فتح سامح هاتفه وقال:  الو..

الصوت: الو.. سامح...؟

سامح: أجل.. من يتكلم؟

الصوت: أنا مساعد المدير في الشركة.

سامح: أجل.. لقد خرجت الان من الشركة.. هل من امر سيء حدث عندكم؟

الصوت: لا..لا.. الكل بخير.. لكني اريد ان اخبرك إنك قد قدمت طلبا للوظيفة في القسم الجديد لدينا.

سامح: أجل.. الان خرجت من المقابلة مع المدير..

الصوت: المدير يخبرك ... آه..  انه يخبرك يا سامح...

سامح: بماذا يخبرني الان.. كان بإمكانه اخباري بما يريد في الداخل.. ماذا يريد؟

 الصوت: " المدير يخبرك بأنك لم تفز بالوظيفة.. آسف سامح.. مع أن المدير يحبك كثيراً، وهو يعتذر عن ذلك.

لم يصدق سامح ما سمع، لقد مضت بضع دقائق على خروجه من غرفة المقابلة مع المدير، ألم يكن بمقدور هذا  المدير أن يخبره بهذا الكلام وهو في الداخل؟!

أخذ سامح نفسا عميقا، فليس هكذا تكون مقابلات العمل، وليس هكذا يُعطى الجواب عن المقابلة، لكنه استجمع قواه، وسأل مساعد المدير:

 - حسنا.. لا بأس.. أستطيع ان اسأل من أخذ هذه الوظيفة.. اكيد يوجد لديك جواب؟

أجاب الصوت: جواد  هو من أخذ هذا المنصب

قال سامح في نفسه: "من جواد هذا؟ لم اسمع به ابدا.. أهو موظف جديد؟"

لكنه أردف قائلا لمساعد المدير: ألف مبروك..  

أغلق الهاتف، وأخذت الأفكار تعصف بداخل رأسه،  ويتساءل:

"من هذا الشخص، لم اره ضمن المتقدمين اليوم؟  هل جاء للمقابلة وحده، من يكون هذا الشخص لم نسمع به ابدا؟!"

مع ذلك قرر سامح الدخول الى المجمع التجاري، اشترى الكثير من الأشياء، وعاد للبيت كأن لم يكن معه أي مقابله، لكنه قرر في داخل نفسه ان يعرف من هذا الشخص.

وفي اليوم التالي وفي الأيام التي تلت تلك المقابلة، اخذ يسأل سامح عن " جواد" هذا، فعرف انه من أسرة بعص المقربين للمدير، وكان المدير قد أخذه لمكان العمل الجديد كي يبدأ العمل فيه، ويتعرف عليه قبل نشر المناقصة للوظيفة. 

عرف سامح ان هذا المدير هو.. هو لم يتغير ابدا، ولِم يتغير وحوله الكثير من الأصدقاء الذين يدعمونه بالتصفيق المتواصل لكل عمل يقوم فيه.. فهو المدير؟!

24/02/2021