السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
معارض فنية إفتراضية!!...عبد الهادي شلا
معارض فنية إفتراضية!!...عبد الهادي شلا

 ظاهرة غريبة بدأت تتفشى في مرحلة "كورونا" وما تلاها ومازلنا نعاني منها. 

 ظاهرة كانت تطل بين الحين والأخر على استحياء ،إلا أنها ظهرت بقوة و تمادى أصحابها حين توفرت لها البيئة المناسبة والمناخ العام و شمر الكثيرون ممن ساهموا في تنشيطها عن سواعدهم فو ضعوها في مكان عال وعظموا من شأنها لتجذب الكثيرين الذين أخذهم بريقها وما رُسِم لها من صور وآمال فانجرفوا نحوها وأخذهم التيار بل صاروا جزءا منها..!!

 

هذه الظاهرة حملت إسما اقتحم الميدان الثقافي و خاصة الفني منه و أطلق عليها"معارض فنية إفتراضية"،وهو إسم ملفت للنظر ..رنان يجذب قليلي الخبرة على وجه الخصوص في عالم الفن التشكيلي ،و قد ينضم إليهم عدد من أصحاب التجارب الفنية المرموقين حين يكون هذا المعرض الإفتراضي يحمل عنوانا وطنيا أو تحت مسمى ثقافي من المستوى الرفيع لإحساسهم بأنه موقف يتفق مع مبادئهم بالولاء للوطن و قضاياه..!!

 

هذا لا يعني أننا نستنكر كليا مثل هذه المعارض الإفتراضية فهي ليست عيبا أو خللا في عالم الفن بل قد تكون مفيدة في مرحلة التحول نحو عالم التقنيات الذي ساد و تمكن من أسلوب الحياة العصرية، ولكن ما أفسد جوهرها هو "إبتذال" واضح في المادة المعروضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ،والتي لا تميز بين هاو وبين محترف وكذلك لا تخضع الأعمال إلى لجنة اختيار المناسب لعرض يحمل قيما فنية هي أساس العرض لأي أعمال فنية في أي معرض تقليدي والتي لا يمكن الخروج عليها بنزوة أو مزاجية حيث لا قيود تفرض على هذه المعارض الإفتراضية أو يتحمل القائمون عليها تكلفة مادية، وإن كان بعض المنسقين لها يشترطون رسوم مشاركة فيها بدعوى أنهم يجذبون الراغبين بالإقتناء عن طريق مواقعهم التي تحتوي على أعداد كبيرة من الصداقات،وهذا أيضا أمر فيه استخفاف بعقول الفنانين خاصة المبتدئين أو الهواة الذي يجدون مساحة متجاورة لأعمالهم مع أعمال فنية عالية القيمة، كذلك فهي هدم للقيم الفنية الرفيعة التي رسخت في تصور العامة رغم الفقر في الثقافة الفنية قياسا بالمجالات الثقافية الأخرى مثل القصة أو الشعر و الموسيقى وغيرها..!

 

المقارنة بين المعارض التقليدية التي تقام في قاعات مخصصة لذلك وبين المعارض الافتراضية التي تقام في فضاء تقني قد لا تُحسم بمقال واحد عابر ،ذلك أن لكل من النوعين خصوصيات يعتمد عليها في تقديم ما يراه القائمون عليها مناسبا لرؤيتهم وتصوراتهم ،ولكن النتائج لا يمكن التنبؤ بها في وقت يتفاقم فيه الوضع الاقتصادي العالمي وتعاني بعض المجتمعات من ركود و أزمات مالية لا شك أنها تنعكس على الحالة الثقافية والفنية مما يسبب ركودا في نشاطات القاعات و هي التي تتحمل التكلفة المادية مقابل استقطاع نسبة غير مضمونة من مبيعات الأعمال الفنية!! 

بقي أمر هام نبت مع هذه الظاهرة الطارئة والتي لن تختفي بسهولة بل ستبقى لفترة زمنية مادامت"كورونا"حاضرة.

هذه الظاهرة الطارئة تتجلى في أن القائمين على المعارض الافتراضية يسعون في"أكثرهم" إلى تحقيق مكانة اجتماعية و ثقافية وإن كانت ستبقى باهتة لكنها تُرضي غرورهم مع إحساسهم بحجمهم الطبيعي وسط عالم الفن الرفيع الذي يكون الخاسر الأكبر فيه هو الفنان الجاد فقط لأن الفنانين الطارئين يكون وجودهم طارئا أيضا، ولن يكون لهم حضور حين يخفت بريق هذه الظاهرة و تفقد مكانتها.