الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
يلا نحكي: اغتيال نزار بنات ... والمعالجة المختلفة...جهاد حرب
يلا نحكي: اغتيال نزار بنات ... والمعالجة المختلفة...جهاد حرب

 

أثارت وفاة الناشط الاجتماعي والمعارض السياسي نزار بنات إثر عملية الاعتقال التي تعرض لها صباح يوم الخميس الموافق 24 حزيران الحالي التي شهدت اعتداء عنيفا عليه أفضت إلى استشهاده وفقا لشهادات المتواجدين معه لحظة اعتقاله سخطا شعبيا لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني. هذا الفعل يصنف سياسيا اغتيالا سياسيا خاصة في ظل التهديدات التي تعرض إليها شخصيا أو عبر أطفاله، وحقوقيا يعد جريمة تعذيب أفضت إلى الموت حسب أقوال الطبيب الذي عاين جثته. وفي كلا الأمرين فإن السلطة الحاكمة تتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية والجنائية لهذا الفعل.  

تشكل عملية الاعتقال التي تعرض لها الشهيد نزار بنات من قبل قوة أمنية فلسطينية انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان ومساً خطيرا بكرامة المواطن الفلسطيني؛ خاصة أن عملية الاعتقال تمت في الهزيع الأخير من الليل ما يعيد إلى الأذهان مناظر الاعتقال التي مارسها ويمارسها جنود الاحتلال الاسرائيلي الغاصب، وتعديا على حرية التعبير المنصوص عليها في القانون الأساسي الفلسطيني، والحق في المشاركة الفاعلية في رسم السياسيات العامة وإدارة الشأن العام؛ باعتبارها حقا دستوريا مقدسا لكل مواطن فلسطيني يروم الحرية وبناء دولة ديمقراطية حلم بها.

إن الشعور السائد اليوم بين قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني أن نضالاتهم وتضحياتهم التي قدموها على طريق التحرير لم تكن من أجل خلق نظام استبدادي يحجر حرية التعبير وحريات المواطنين. هذا الشعور الغاضب على اغتيال الناشط والمعارض نزار بنات هذه المرة يختلف عن جميع الحالات السابقة بسبب اعتقاد المواطنين أن التصفيات السابقة باعتبارها تصفيات داخلية تعني السلطة ذاتها والحزب الحاكم، بل هذه المرة رسالة لكل من يعارض سياسات السلطة الحاكمة عبر الوسائل السلمية. أدى هذا الغضب إلى خروج المئات من المواطنين في مظاهرات واسعة بمدنيتي رام الله والخليل مع رفع كبير للسقف الشعارات التي يهتفون بها والمطالب ينشدونها.

هذا الأمر يفرض على السلطة الحاكمة النظر بطريقة مختلفة في معالجة تبعات عملية الاغتيال هذه، أي أن تشكيل لجنة تحقيق حكومية لم تعد ذات جدوى في ظل غياب الثقة بالسلطة الحاكمة وبنتائج أي لجنة تحقيق رسمية تقودها شخصيات حكومية، وأن قمع المتظاهرين لن يزيد المواطنين الا إصرارا، وتعجل من الربيع الفلسطيني، وتقود إلى الفوضى.

إن تجاهل الأمر أو اعتبار أنها عَاصِفَةٌ في فِنْجَان وستنتهي كما الحوادث السابقة في ظني أنه تفكير محدود وساذج لا يفهم التحولات الاجتماعية التي تجري في البلاد ولم يفهم الزلزال الذي حدث إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والتراجع الكبير في نظرة المواطنين للسلطة الحاكمة ومكوناتها. كما أن التأخير في اتخاذ إجراءات فعلية ذات مصداقية من قبل السلطة الحاكمة لمعالجة آثار عملية الاغتيال السياسي يزيد من الاحتقان الشعبي ورفع سقف المطالب من إحداث تغييرات واسعة في مكونات النظام إلى إسقاط النظام ورحيله بمجموعه، وفي ظني أن العقلاء يتعلمون من تجارب الاغبياء فتجربة الربيع العربي لا بد من دراستها سريعا من قبل قيادة النظام السياسي لاستخلاص العبر قبل فوات الأوان.

إن جملة من الإجراءات السريعة قد تسترجع جزءاً من الثقة أو العلاقة مع الشارع الفلسطيني منها على سبيل المثال؛ تحمل السلطة الفلسطينية المسؤولية السياسية عن هذا الاغتيال السياسي، والتوقف عن كافة أشكال التعدي على الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي، واقالة الحكومة التي من واجبها حماية أرواح المواطنين المعارضين منهم قبل الموالين، وإحالة رؤساء الأجهزة الأمنية إلى التقاعد، وتشكيل لجنة تحقيق من شخصيات وطنية تحظى بثقة المواطنين مشهود لها بالنزاهة والاستقامة على أن تعلن نتائج التحقيق في مؤتمر صحفي للجمهور الفلسطيني تحدد فيه المسؤوليات عن عملية الاغتيال وذلك لمساءلة ومحاسبة جميع المسؤولين والأطراف التي شاركت في هذه الجريمة الأليمة.

إن أنّ قد آن أوانه؛ دون إضاعة الوقت، ودون تكرار تجارب فاشلة؛ فالعاصفة أعتى من أي نظام أو مؤسسة، والخسارة فادحة لا يفوت منها أحد أو يخرج منها أحد ناجياً، والجنون لا ينفع، والإصرار على الموقف لا يفيد، والقوة لا تعالج المشاكل الاجتماعية والسياسية، والسطوة لا تقوى على مواجهة إرادة الشعوب، والعزلة خانقة وقاتلة.