الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أزمة إبداع...محمد بوري
أزمة إبداع...محمد بوري

نعاني ركودا فكريا وأزمة إبداع في العقود الأخيرة، الرداءة والتمييع فرضا على كل ذي ذوق فكري أو أدبي الركونَ إلى كل ما هو كلاسيكي أصيل، حديثي هنا سيقتصر عن الكتابة فقط.

في زمن "تيك توك" و"instagram" و "snapchat"من العبث أن تتخيل عقلا قادرا على الإبداع في التدوين والكتابة، عدا عن ذلك برزت طرق ومفاهيم استحمارية أخرى لتقييم ونقد أي محاولة تدوين، هذه الطرق المفاهيم المستحدثة متمثلة فيما يلي: لعَمري إنك قد صادفت ذات يوم تدوينة لإحداهن قد كتبت فيها "لتوي استفقة"، ولربا قد صُعقت من تعاليق النقاد المتابعين لها من الذكور وأنت تطالع فحواها -بوركت أناملك المقدسة- ، إطراءٌ وتقديسٌ لكأنما الخنساء نسجت لنا قصيدة إعجازية متراصة البناء في زمن "إنسطاكرام"، إنك لن ترى ولو واحدا منهم قد نبهها إلى خطئها الإملائي-وخطيئتها في حق اللغة-، كونها كتبت العبارة بتاء مربوطة، لن تكون الجرأة مادام الهدف من أساسه هو التودد، فالتهافت الذكوري هذا لم يكن البتة وليدَ حسٍّ وميول فكري، كلنا واعون بهذا، كلنا واعون أن الإنجذاب لقراءة ما تكتبه إحداهن من الصعب جدا أن يكون مقتصرا على سواد عيون ما تخطه أناملها، وإنما لمعطيات أخرى يلتبس فيها الحس الذكوري بميولاته نحو كل ما يتعلق بكيان أنثوي ولو كان مجرد لقب لحساب وهمي، قليل جدا من يقوم بتجريد الكتابة عن جنس صاحبها(بتها) فيقوم بانتقاءٍ صارم لما يقرأ -وهذا هو الوعي الفكري- ، لطالما كنت على يقين تام أن الغوص في المجاملات والتملق لن يصنعا لنا عقلا مبدعا إطلاقا، بل على العكس، إذ أن وهم الإحساس بالعظمة نتيجةََ تقييمات مغلوطة غير محايدة، ومن أشخاص دخلاء على الإبداع وفاقدين لأهلية الإفتاء ..

كل هذا كفيل ببروز (كتاب) يسمون حرفين قصيدة، ويطلقون على ثلاث جمل ركيكة التعبير روايةً، أليس من العيب الإنصياع لوهم التميز هذا و تدنيس الساحة الأدبية بالتفاهة والركاكة؟ قد يؤاخذني البعض أني اقتصرت على المدوِّنات دون المدونين في حديثي، والحال أنني كملاحظ بسيط أجد من العيب أن أقارن بين الإثنين، إذ أن الفرق شاسع ومنطقي بين من يخوض تحديا لنفسه ويفني فكره وحده دون مجاملات، وبين من هي ضحية لمجتمع يعاني نوعا من الكبت، منغمسة وسط هالة من التقييمات المائعة التي تخفي أهدافا لاشعورية أخرى.. الأمر إلى حد كبير أشبه ب"روتيني اليومي" مقزز يشعرك بالنفور..

وعليه فإنني دائم الدعم لكل من لمست فيه حسا إبداعيا كائنا من كان، ودوما ما أشجع على الإنتقاء، إنتقاء من تقرأ له، إنتقاء من يقرأ لك وانتقاء من له أهلية الإقتصار على القراءة لك وتقييم زلاتك بمنتهى الحيادية، متجردا من كل المؤثرات التي من شأنها إيهامك بما لست أهلا له بعد..

في الاخير آثرت أن أنقل مقطعا من مقال للمدونة المغربية "فاطمة الزهراء مخام" طالعته مؤخرا : "..يقال أن حبل الكذب قصير، مما ينطبق على المتملقين، ووجب التخلص منهم بتجاهل شناعة أمر هذا الصنف بالبتر والعزل والتعامل بنوع من الجانبية، أملا في قطيعة تحول دون نقل عدوى وباء كهذا عبر الأجيال بما فيه من الخطورة بما كان، أقول: ما لا يدرك جلّه يترك كلّه، كسب الود لا يأتي على أنامل طبق منفوخ بريح، ولا بُغضَ كبُغضِي لمن يبحث عن مطامعه، لمن يجري وراء مصالحه، لمن يتملق ليتسلق متصرف بنوع من الانتهازية والبرغماتية العالية، لذا لنا أن نعتز بذوي الكفاءة وناذري الطينة، البعيدين بعد السماوات والأرض عن هذا الإيدز الزئبقي."