الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قصة قصيرة - ارغفة من اللحم - شوقية عروق منصور‎‎
قصة قصيرة - ارغفة من اللحم - شوقية عروق منصور‎‎

دخل الحلم في حلم آخر رأى جسمه وسط غرفة واسعة خالية من الأثاث. نظر إلى الجدار فوجد لوحة رسمت بالألوان الزيتية تصور قافلة من الجمال يجرها حمار صغير. ضحك من شكل الحمار، نحيف وعظامه بارزة وقامته قصيرة وأقدامه تكاد تشبه أقدام قط كبير. والأدهى صوت الحمار, فبدلاً من النهيق سمع صوت زئير أسد.
هناك أصابع تدق على ظهره. استيقظ بسرعة. زوجته تسأله:

-          لماذا يضحك بصوت عال؟ لم يجب لأن الجواب سيكون أسخف من رواية تفاصيل الحلم العابر، والذي من المتوقع أن تسخر منه زوجته.
الساعة تشير إلى الساعة الرابعة صباحاً. طلب منها العودة إلى النوم. رفضت قائلة انها لم تعرف النوم ما دام الجنين في بطنها يرفس بقدميه ويتحرك بطريقة تجعلها تقفز من الذهول كل مرة. عاد إلى النوم لكن زوجته عادت ودقت على ظهره وقالت له فجأة:
-  انا جاي على بالي خبز سخن.. روح اشتريلي من الفرن...! بتعرف انا بتوحم وبخاف اذا ما أكلت يطلع شكل الرغيف على وجه المولود، وأنت بتعرف أمك توحمت على ورقة الدوالي فطلعت بوجه أخوك.
لم يتحمل تخيل الوحمة على وجه ابنه فهب واقفاً، ارتدي ملابسه وهبط مسرعاً. الفرن في الحارة المجاورة. سار بين البيوت حتى وصل إلى الفرن. دخل من الباب فاستقبلته رائحة العجين ولهيب الحرارة وغبار الطحين في كل مكان. لم يلحظه أحد. سرعان ما شعر بضربة على رأسه, وهناك من يجره على البلاط. لم يستطع الكلام. لكن عندما وجد نفسه في مخزن ضيق اخذ يصرخ بأعلى صوته:
- يا ناس...! يا ناس...! تعالوا أنقذوني..!
لم يأت احد لإنقاذه. بعد مضي زمن طويل شعر به كأنه دهر. فتح الباب. انتشلته أربعة أيدي. وقف أمامهم. اعتذروا له لأنهم اعتقدوا أنه سارق الخبز, الذي يأتي صباحاً ويسرق بخفة عدة أرغفة ويذهب.
خرج من الفرن حاملاً أرغفته الساخنة في كيس من النايلون وقد سامحه صاحب الفرن بثمنها ، بعد أن عرف الخطأ الذي ارتكبه عماله. خاف من العودة إلى بيته. من بين الطرق الملتوية عبر بيوت الحارة سيسلك الشارع الرئيسي،  فذلك اضمن وأفضل له.
لم يعرف كم الساعة الآن، خاف من بروز الوحمة على وجه المولود، خطواته سريعة، لكن يشعر انه يقف مكانه، العمارات لم تتغير، والرصيف أيضاً ما زال كما هو. ألقى نظرة على قدميه ،  إنهما تسيران ... تسيران, لكن كيف يفسر وجوده مكانه. كأنه لم يتحرك. شعر بالتعب وبالنعاس الشديد. جلس عل حافة الرصيف. تمنى لو يمر أحد ويسأله, لكن لم يأت أحد.
نام وعرف انه الآن نائما عندما دخل الحلم. زوجته تنادي عليه وتقول إنها ولدت صبياً على وجهه وحمة، ولكن ليست على شكل رغيف بل على شكل رصاصة. أراد الاستيقاظ من الحلم لكن لم يعرف. تمنى أن تدق زوجته او أحد المارة ظهره حتى يستيقظ لكن لا أحد،  وبقي نائماً.
عندما كان عمال النظافة يجمعون حاويات القمامة لتفريغها في السيارة الكبيرة, وجدوا جثة رجل يحمل في يده كيس خبز. نظر أحد العمال حوله ثم سرق الكيس من بين الأصابع، أخذ يقضم الرغيف الساخن ، وبعد أن شبع وزع باقي الأرغفة الساخنة على العمال الذين يعملون معه.
بعد أن أكلوا الأرغفة اتصل احدهم بسيارة الإسعاف, طالباً منها القدوم بسرعة لرؤية الرجل الملقى على الرصيف.
عندما خرج رجال الإسعاف من السيارة مسرعين بكامل لباسهم وعدتهم تجمعت الحشود، لكن ما أن رأوا الرجل حتى ضحكوا وقالوا: أخيراً مات..!
- هذا متسول مجنون..! لا نعرف أصله وفصله كل يوم بنلاقي نايم في محل.. يتسول الخبز ويجمعه في المغارة التي يعيش فيها.. هناك بتلاقي أكوام من الخبز، ولما نسأله بقول اخزنوا الخبز خوف من الحرب، الحرب جاي...!
لم يحاول رجال الإسعاف القيام بإسعافه، فالموت قد ترسب فوق وجهه الأصفر المائل إلى البياض المخيف.
طلب رجال الإسعاف من عمال النظافة أن يضعوا جثة المتسول في سيارة النفايات الكبيرة، فلا أحد سيسأل عنه، او ينتبه لرحيله.
سيارة النفايات تقطع النفايات وتفرم البقايا بوتيرة سريعة ومنتظمة، والحشود ما زالت واقفة تسمع صوت تقطيع لحم المتسول وطرطقة عظامه. وبينما كان عمال النظافة ينتظرون انتهاء عملية الفرم، خرج لحم المتسول المطحون على شكل أرغفة حمراء، ووقفت الحشود في تلهف تنتظر توزيع أرغفة لحم المتسول، وعمال النظافة ينظمون عملية التوزيع بمهارة وخفة..!!

 

شوقية عروق منصور