الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
المحامي "مراد العبيدي" نحن أمام لحظة فرز.. حاوره من باريس ̸ الطاهر العبيدي
المحامي

▪ قضية الزميل" مهدي زقروبة" هي مثال حي لكل شيء يخالف القانون..


▪ بعض إعلامنا نشأ وتربى في دولة المستبد..


▪ حركة النهضة بدت هاويةً في ممارسة الحكم..

▪ الانقلاب لا سبب له غير الاستئثار بالسلطة..

▪ بدأت الدائرة تضيق حول الخطاب الشعبوي الواهم..

 

▪ بعد منتصف الليل 279 نقابة أمنية تقدم شكاية أمام القضاء العسكري ضد النواب وضد الأستاذ "زقروبة"

انقلاب أم تصحيح مسار؟ هل يعود مجلس النواب أم طوي الكتاب؟ إلى أين تسير البلاد  في ظل الغموض وتراكم المحاكمات؟ هل ما يزال للثورة التونسية إشعاع أم أسدل الستار؟... لكل هذه المحاور  وغيرها حاورنا الأستاذ "مراد العبيدي" المحامي لدى التعقيب، دكتور مرحلة ثالثة في القانون الدولي الجنائي، حقوقي وسجين سابق، صاحب كتاب امتيازات المحكمة الجنائية الدولية وحصاناتها،   
من مؤسسي مجموعة محامون لحماية الحقوق والحريات..
 عمل بالصحافة المكتوبة قبل الثورة في "الأخبار" وبعد الثورة في جريدة "الفجر"

ثم في جريدة "الضمير" مشرفا على صفحة شارع باب بنات.. ليجيبنا مشكورا على جملة أسئلتنا للمساهمة في استجلاء أوضاع البلاد. 

 

▪ 25 جويلية 2021 هل هو إلغاء للمسار الديمقراطي وطي آخر معاقل الربيع العربي، أم عملية إنقاذ وتصحيح، أم ردّا صارما على حالة الفشل والإخفاق لأداء الطبقة السياسية، أم هو انقلاب مع سابق الترصّد والإصرار؟ 

25جويلية هو إعلان انقلاب دستوري، يتفق على ذلك أغلب أساتذة القانون الدستوري، ولا ينكره إلا قلة ممن تجندوا خلف الانقلاب. شارك في هذا الانقلاب المعطيات الإقليمية ودول غير ديمقراطية، لازال يفزعها الربيع العربي بصدماته الكهربائية الانتروبولوجية، التي فاجأت الأنظمة الشمولية بشعب وادع، يثور على أحد أعتى أنظمة القمع ومصادري الحقوق والحريات، ثم ما لبثت أن طارت الثورة شرقا نحو مصر وليبيا وسوريا واليمن، لتحط على مشارف تلك الأنظمة، التي سعت ما وسعتها ثرواتها ومؤامراتها إلى الإجهاز على هذا المد الثوري. وجندت لهذه المهمة المخابرات والخونة والمرتزقة.

▪ ما وصلنا إليه هل مردّه حالة التفتّت في مجلس النواب، نتيجة قانون انتخابي يجعل دماء المواطن موزّعة بين القبائل، أم انسداد سياسي، واهتمام بمصالح الأحزاب دون الاعتناء بمشاغل العباد وأوضاع البلاد، أم فشل الديمقراطية في مجتمعات لم تكن مهيأة لتقبّل الآخر المختلف؟

الانقلاب لا سبب له غير الاستئثار بالسلطة  في كل الأزمنة وفي كل الدول. وأما غايته فتختلف من انقلاب إلى آخر، وفي تونس غايته تقويض مسيرة الديمقراطية. وأما الفلكلور الذي عرفه مجلس النواب وقانون العتبة وأكبر البقايا الانتخابي، وحالة السباب بين الفرقاء التي سادت الخطاب السياسي، فكل هذه المعطيات اتخذها الانقلاب مبررات  ليتذرع بها ويشرّع إلى الإجهاز على العملية الديمقراطية، التي دفع الشهداء والمناضلون ثمنها باهظًا. وأما حكاية أننا شعب غير مؤهل للعيش في ظل مناخ الديمقراطية، فيحسن أن نقول كل الشعوب مرت من هنا، وعرفت في أول ديمقراطياتها الفوضى والتعثر والثورة المضادة . غير أن "جورج واشنطن" تمسك  بالخروج من رئاسة الولايات المتحدة بعد انتهاء ولاية حكمه، رغم توسل مساعدوه بالبقاء وتجاوز الدستور، وهو ما فعله "منصف المرزوقي" ولم يفعله "السيسي" "وبشار" مهما غلت كلفة انقلاباتهم.

 

▪ كرجل قانون كيف ترى الوضعية القانونية والدستورية الحالية، وتحديدا ما قام به " قيس سعيد" استنادا إلى الفصل ثمانين من الدستور، وعملية التمديد وما رافقها من جدل؟

مهم فهم الآلية الأصلية المقررة بالفصل 80 من الدستور بعيدا عن التأثر بالحالة القائمة.
فالفصل 80 من الدستور يقرر آلية إعلان الحالة الاستثنائية من قبل رئيس الجمهورية تجاه خطر داهم (المثال الذي غالبا ما يُذكر هو حالة الحرب)، بعد استشارة رئيس المجلس ورئيس الحكومة في ظل وجود محكمة دستورية.  والأصل أن لا يكون ذلك الإعلان مصحوبًا بأجل، لأنه يصعب منطقيا الجزم بخصوص ما سيتطلبه عودة السير العادي لدواليب الدولة من مدة. وأما الثلاثون يوما المذكورة بالفصل 80 فهي منطلق جواز منازعة رئيس الجمهورية بخصوص تقديره استمرار قيام الخطر الداهم من عدمه.
بالعودة لصورة الحال يكون الأمر عدد 80 لما قرر مدة الشهر قد وقع في لزوم ما لا يلزم.

▪ بعد 25 جويلية نشطت المحاكم العسكرية في سجن حقوقيين ونواب شعب وكلهم مدنيين، هل هذا مؤشر على بداية عسكرة البلاد، وغلق الفضاء السياسي لصالح الأحادية والتفرّد بالسلطة، وهل هو مقدمة للتحول نحو نظام عسكري؟  

القضاء العسكري في تونس لا يخضع للمجلس الأعلى للقضاء، ولكنه يتبع السلطة التنفيذية، وتحديدا وزارة الدفاع التي تخضع لسلطة الرئيس مباشرة في اختيار الوزير والتسيير. وما يجري من محاكمات عسكرية للمدنيين بما يخالف صراحة المواثيق الدولية والعهود والدستور والقوانين، هو من عناوين المرحلة. ويدلل  على  انقلاب صريح بدون صعوبة في التكييف والتفصيل. 

 

▪ المحامون كانوا دوما صداعا في رأس الاستبداد، ومنحازين لقيم الحرية، ودفعوا في سبيلها ضريبة باهظة آخرها زميلك المحامي "مهدي زقروبة" الذي يقبع في السجن العسكري رغم صفته المدنية على إثر شكوى من طرف النقابات الأمنية حول واقعة المطار، فلو تبين لنا الاخلالات في هذه القضية وجملة التحركات لفائدة زميلكم؟

قضية الزميل الأستاذ "مهدي زقروبة " ببساطة  هي مثال حي لكل شيء يخالف القانون. المحامي استنجدت به منوبته بعدما منعت من السفر مثلما استنجدت بنواب من المجلس النيابي. في المطار وقع شجار وخصومة عندما حضرت النقابات الأمنية لنصرة زملائهم. وانتهت المسألة بفتح بحث تحقيقي أمام المحكمة الابتدائية بتونس يوم 15 مارس 2021. بعد انقلاب 25 جويلية وتحديدا  يوم 30 أوت بعد منتصف الليل تقدم عدد 279 نقابة أمنية شكاية أمام القضاء العسكري ضد النواب وضد الأستاذ "زقروبة". النيابة العسكرية  ضمنت الشكاية في توقيت ليلي غريب خارج أوقات العمل، وفتحت تحقيق معتدية على سابقية تعهد القضاء العدلي، واختصاص هذا الأخير حصريا في مقاضاة المحامين والمدنيين. وتمادى القضاء العسكري إلى إيقاف الزميل ورفض التخلي عن ملفه للقضاء العدلي.

 ▪ " محامون لحماية الحقوق والحريات " هذا الإطار الحقوقي الذي انبلج بعد 25 جويلية، والذي أنت أحد المؤسسين والأعضاء فيه، ما هي الأدوار المطروحة عليه، خصوصا أمام هجمة الاعتقالات والمداهمات الليلية التي من ضحاياها النواب "سيف مخلوف"، "الدكتور العفاس"، "ياسين العياري"، "عبد اللطيف العلوي"، "وفيصل التبيني" والمحامي "مهدي زقروبة" وسجن الكثيرين بالشبهة فكيف ستواجهون هذا المناخ الذي بدا يميل نحو التسلط؟

مجموعة محامون من أجل الحقوق والحريات هي هيئة دفاع آلت على نفسها التصدي لخروقات 25 جويلية القانونية، التي تسعى إلى إنهاء مشروع الثورة في تحقيق الديمقراطية. مجموعة من المحامين الأشراف ضد الانقلاب، ينوبون كل ملاحق قضائي بطريقة تعسفية للإجراءات والصيغ الدستورية والجزائية. هيئة دفاع تكونت بوجود الانقلاب وتنحل بانتهائه إلى غير رجعة. 

 

▪ البعض يرى أن "حركة النهضة" لها جزء من المسؤولية لما وصل له الوضع السياسي بالبلاد، والبعض الآخر يعتبر أن بعض الإعلام خرّب المسار الديمقراطي، وآخرون يرون أن حجم الإضرابات المتتالية صدّعت الوضع الاجتماعي، وهشّمت الاقتصاد، وغيرهم يعتبر الفشل صنيعة أحزاب سقطت في الانتخابات، وتدخلات خارجية ونخبة منفصلة عن المجتمع فكيف يراه المحامي مراد العبيدي؟

فشل العملية السياسية متوقع في سنوات الديمقراطية الأولى، هكذا حدثنا تاريخ الثورات. فأعداء الثورة بداية من بقايا النظام القديم إلى المحاور الإقليمية، التي تخيفها فكرة الثورة ومآلاتها، وما يمكن أن تتأثر بها شعوب تلك الدول، التي تتوق إلى الحرية والديمقراطية وتقرير مصيرها. وهذه المعطيات لا تعذر له "حركة النهضة" التي بدت هاويةً في ممارسة الحكم، وأمنت مكر التحولات، فمارست السلطة بطريقة ثقيلة وغير ناجزة، فتأخر الرخاء الذي يصاحب الديمقراطية، حتى ذاق الشعب ذرعا بالغلاء والانهيار الاقتصادي، ما جعل شريحة من الشعب تمجد الاستبداد، وتتوق للحكم الفردي. وغذى هذه الأماني الإعلام الذي تربى ونشأ في دولة المستبد "بن علي"، والذي كان خناجر يومية في صدر وخاصرة الثورة عبر خطاب تحريضي وتوضيعي. ومع كل هذا سوف يتراجع الانقلاب وتعود الديمقراطية، حيث لا وعاء له في تونس مثل الذي حظي به "السيسي" في مصر.

 

▪ بحكم موقعك هل يعود مجلس النواب في ثوب آخر، أم طويت هذه التجربة، ومعها طوي الحلم بالديمقراطية والمؤسسات، وهل تتصور أن تقع تراجعات حول  قرارات التمتع بالعفو التشريعي العام، وما مصير قرارات جبر الضرر من طرف "هيئة الحقيقة والكرامة"،  كما يتساءل العديد من المعنيين؟

 الأحداث بدأت تجدف ضد الانقلاب، ونادي الدول الديمقراطية استمر في رفض تحول 25 جويلية. وبدأ المجتمع المدني يعلن رفضه الانقلاب. وبدأت الدائرة تضيق حول الخطاب الشعبوي الواهم، والذي يدعي الكساء القانوني ويعد بالرخاء في المنعطف. لا أعتقد حتى من باب الحكمة أن تعود المؤسسات الدستورية للعمل بنفس الارتخاء والخيبة القديمة. ولن يكون لمجلس النواب فرصة ثانية لعرض الفلكلور القديم. ستتغير الأمور ولكن في إطارها الديمقراطي، وأتوقع أن يكون للمنتظم الأممي حضور في توزيع الأوراق  بين الفاعلين السياسيين، بعد انهيار الانقلاب..