الجمعة 19/9/1445 هـ الموافق 29/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كلُّ الورودِ.. هي أنتِ .... بثينة حمدان
كلُّ الورودِ.. هي أنتِ .... بثينة حمدان

.. أن يقطفَ لها الورودَ صباحاً،

يحتَرفُ تَقليمَها ووضعَها في آنيةٍ زُجاجيةٍ على رُخامةِ المطبخِ المرقط.

أن يُدرك معنى رائحتَها في الصباح، وعبيرَها المسائي، وانكفائَها على ذاتِها بعد يومين على قطفِها.. يغزوها الحنين، تغزوها ذاكرةُ الأيامِ الستةِ السابقة قبل تبديل تُربَتِها إلى ماءِه، أن يُدرِكَ الفرق بين موطِنِها وبيتِه، يُلاحِظُ بدءَ تساقطِ أوراقِها في اليوم الثالث لقطفها، ولا يحزن؛ فسقوطِها ليس مدوياً كما تفتحِها منذ البَدء، وتلاشي عِطرَها وتحولِه إلى رائحةِ ورقٍ قاتمٍ يابسٍ لا يعني اختفاءَه أبداً.. 

أن يدرك كيف تختبيءُ رائحةُ الورودِ بين أنسجتِها ريثما تُطل الأُنثى التي تستمد نضارتَها من قطرات ندى هذه الأوراق اليابسة، 

أن يُدرِكَ أثرَ يديه في عودةِ عطرِها إلى أجواءٍ مثل ريحانةٍ متيقظةٍ تنتظرُ ذاكَ الأثر لتمنحَ المكانَ عطرَها وتعلَق بين يديهِ مثل طفلة.

أن يدرك أن الورودَ لا تتلف، تموت مؤقتاً احتجاجاً على تقليمِها مبكراً، أن يقرأ صمت الورود بعد تفتحِها، يدركُ كنهَه، يقرأُ تحولَها، قتامتَها.. لا تعود الورود كما كانت لكن هذا لا ينفي أنها ورود! هذه الحقيقة التي تعيشُها كلَ وردة، كلَ امرأةٍ تغادر المكان وهي في كامل عطرِها، لكنها امرأة، تحمل الأنثى معها أينما تكون، تحمل ذلك الضوءُ الصاخب الذي في عينيها، وذلك الضوءُ التائه في صدرِها، والضوءُ الخافت بين تجاعيدِ وجنتيها، هل يدرك الآخر سِرَّها! هل يُُدرك سحرَها المفاجيء؟

أن يقطفَ لها الورودَ ليلاً،

يحترفُ تقليمَها ووضعَها في آنيةٍ زجاجيةٍ قربَ سريرِها..

أن يدرك أثرَ الورود على نومها، قد تصحو فجأةً عطشى فتروي عمرَها على أثيرِ رحيقِها ولونِها الجوري الأخّاذ، تُغلِقُ عيونَها مثلَ فراشةٍ. أو قد تصحو صباحاً وتَصطَدِمُ بورودِك، فتدرك أن عليك تصحيحَ ما اقترفته يداك بأن تقطف وروداً بيضاء لصباحها بدلاً من الحمراء!

أن تعرفَ أن الورود في يومِها الخامس ليست لها وليست لك، وأن رؤيتَها في آخر مراحل عمرها -أي الوردة- أمراً يدعو إلى غضب سيدةِ هذا المساء. أن تدرك رغبتها في قطفِ ورودٍ أخرى كلَ مرة، وتعي قسوةَ هذه المرأة في ذبح الورودِ على عتبةِ بابِها؛ أن هذه القسوة حباً ليس له مثيل، وعشقاً ليس له بديل.

أن تدرك أنوثةَ قسوتِها، وقسوةَ أنثاها..

وفي النهايةِ لا تحترقُ الورودُ في البيوت، لا تتساقط على ترابٍ يابسٍ يحولُها إلى سمادٍ طبيعي يختفي في التربة، بل تسقطُ على شرشفِ المائدةِ الأملس، أو رُخامةِ المطبخِ الملساء، سطحٌ باردٌ يخففُ عنها سقوطَها، قبل أن تأتي إحدى الأيادي لتعيدَ نثرها في الأجواءِ طبقاً للزينة، أو قناعاً رطباً يعيد شباب البشرة وينزعُ عنها ملامحَ التعب والأرق، ويُنظفها من شوائب الزمن.

هل تعلم أن الورود هي تلك المرأة؟ هل تعلمين أن تلك الورود هي أنتِ؟