الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ميلان لايشبه الرقص" ومسرحة الصورة النصية عند نعمان رزوق...سمر محفوض
 ميلان لايشبه الرقص

صدرت عن مؤسسة بدور التركي الدولية و دار دال للطباعة و النشر للشاعر السوري نعمان رزوق المجموعة الشعرية ( ميلان لا يشبه الرقص) المكونة من خمسين نصاً نثريا ..وهي المجموعة  الثانية بعد الأولى ( وعول الخيبة) و كتابه الثالث بعد أنطولوجيا ( دولة شعراء النثر ) ..المجموعة تحمل نزعة معاصرة و تعمل في إطار الاحالة الحركية  وخلق المسرح الذهني  كبداية من العنوان الجاذب (الميلان الذي لايعني رقصا بالضرورة) , في متتالية شعرية سردية  لغوية تسعى لتفكيك  نسيجها  بما يتناسب مع شخصيته وهموم سورية الوطن الذي يحب ويؤلمه مايتعرض له,(تكذبُ  حنين  التي أُقرضها منذ شهر ثمن ربطة الخبز ..\أن أمها مريضة بعضال\و أن والدها كان محاربا  نظيف اليد\قبل أن تبصقه الحرب ..نظيفا من يديه ..)حنين ص  34 - ويغرق رزوق بالتفاصيل تعزيزا لمصداقية الدمج بين الهم العام  والدلالة الرمزية للحب باعتباره محركا  معبرا عن المشاعر ومقترنا بمفهوم الفضاء مكانيا وزمانيا وتاريخيا (كُلما  ذُكرت دمشق أمامي ..\تحولت كريَّات دمي إلى مشمشية\ الشّعرُ بلا دمشق ..\جثة مُفردات) ص 5- ديوان له مناخ خاص..كأنما هو جزء من مسرح شعري يمتزج فيها الواقع مع سيل المخيلة , اختاره نعمان رزوق  كوثيقة يسجل فيها تأملاته في فترة الحرب والحب معا (أوَّل دمشق كآخرها ..\جرح بحجم شفق ،\لا أعرفُ من أين تُؤلمني)ص 5 يسرد الحياة عبر الضمائر جميعها  والغاية  خلق فضاء متخيل لجماليات  التشكيل  المشبع بكامل عناصره  بدء من العنوان و مرورا بأسماء النصوص  التي تنتمي لتيمات الخطاب وهي تحقق شروطها المعرفية والفنية (.لم يتقصد بدمه أ ن يرسم على ظلّه عصفور ا ..

غير أن الرصاص من حوله كان يطوفه بلا أعين

كما شتيمة غير موجهة نحو أحد

و لكن ترنوه من حائط ،

و بلا صخب ..

يُشبه غابة تز ق أغصانها تحت مطار ق الريح

هسهسة

إلى صباحها الأسود ..،

لم يتقصد بدمه

أ ن يرسم على ظ لّ ه عصفور ا ..

و لا فراشة

و لا خنفساء ،

لكأن سما ء قديمة تفيقُ إلى رشدها من تحت أظافره.)(\يكفي أن يشبهك الوقت\لأن يذوب خراب بلادي بغتة إلى موسيقا) حاجز تفتيش ص 10.. يمكنك أن تكتشف مخيلته الخفية والملتبسة  باحثا عن ملامحها  في تجليات الحاضر(لا أعرف السباحة سوى في ظلي ..\و لست أميا  بلغة المجاديف .. بل أبله) زورق ص 11 - يقرع بوابات الشغف  بحيوية  التتالي (   لا أعرف السباحة سوى في ظلي  ) الى تلك الأعماق المشحونة بالذكريات وولع التفاصيل الصغيرة  التي تبتعد عن الرتابة ( لست أميا  بلغة المجاديف .. بل أبله) مابين بين تقنيات  القطع والاستباق  والاسترجاع نتابع سردياته

 

(بميوعة قُبّر ة أتقنت ركل الفخاخ ..

رقصتُ

بلا موسيقا ..

بلا وقت ..

نحو كل اتجاه

كما صباح يُس كب فجأة على صباح آخر ،)ص28... لغة تحتفي بالبهاء الشعري  وتضفي عليه مناجاة فلسفية أعطته  طابعا متفردا وعبثيا احيانا.( رقصة فالس (

يكونُ مجنون ا أحيان ا

حين يعزفُ مطر قريتنا فالس) أختبر الحب -ص 21

 

مثقل بما يحتويه وهو يعيش فترة غنية بالتحولات الكبيرة التي لا تتسع لها القصيدة ، أو القصيدة اللوحة أو التشكيل ،  تمتلك  زمنها الخاص وإيقاعها الداخلي

 

 ينحو نحو الدرامي الذي يتسع للصدى والصوت والمعنى مع الاحتفاظ بقابليته للتأويل دائما ،  (في الخارج

بلا أصابعه ..

مثل ر ب جيد

لا يكترث لعناوين بيوتنا

أو لصناديق بريدنا

أو لحساباتنا الفيسبوكية..

حين على الضوء يخط رسائل محبته لنا برق ص فراشات ،

يكون مجنون ا جد ا

أو يحاول .. الرقص على رأسه

كنوء تخلص لتوه

من صلبه المقيت) ص40-نستعيد الأسئلة التي يقترحها نعمان رزوق بعيدا عن التقييم و التصويب  والقبول  أو الرفض بل في منطقة التلقي والإبداع واشتراطاته بالمنظور الفني والجمالي وهو يستند إلى موروث وتراكم نوعي غير قابل للتلاشي (الرقص الأخير(

من دونك ..

يخلو سقف روحي من ثقوب ها المتروكة فخاخا لصيد الحُبّ ..

و القصائد ..

و المطر ،

فلا أتقصد أبد ا بين دُكن عظامي

نسيا ن سنونوات كُحل ك بلا ضوء ..

و تركهنّ يختبط ن بظمأ ،

من دونك ..

يخرجُ قلبي عن سليقته

كهنديّ مدسوس من الثلج

بقبيلة حمراء ..

و لم يدفن رأسه يوم ا بجناح نسر ..

فيجمع لرقصه الأخير ما يكفي

من حطب خصرك

فتفيض عن الشو ق حصتي من اللوعة ..،

و تفيض عن البر د حصتي من الرجفة..،)" ص55، ضمن المسرود الشعري يزعزع رزوق التوازن  ويفككه(يخرجُ قلبي عن سليقته

كهنديّ مدسوس من الثلج

بقبيلة حمراء..) ليعيد تركيبه في الاتجاه الأخر(يجمع لرقصه الأخير ما يكفي\من حطب خصرك)  في تلميح للتشظي على وهج الروح وجدلية الواقع المسروق(فتفيض عن الشو ق حصتي من اللوعة ..،

و تفيض عن البر د حصتي من الرجفة ..، و تفيض عن الشوارع الغائص ة حتى العين

بطحين الحرب الأسود .. حصتي من العتم) مخلصا  للشعر وتجربة كتابته, يستدعي البحث عن مفهوم الكتابة عن نعمان رزوق لغةً وإيقاعاً وتصويراً وأغراضاً،  البحث في ماهية الفهم الفني والجمالي للقصيدة مضمونا أو شكلا ،  بعيدا عن التشكيك بجدوى الكتابة (كحارة عيد لا نهار فيها يعيرُ ليسار الوق ت ظلا ضاحكا

و لا باكيا ليمين ..

تلك التي تولمُ الأراجيح للذكرى ،

و توثق الأغنيات إلى ريح منزوعة الحنجرة ..)

( ..

و قبلما تستعيد الحربُ فرشاة أسنانها من حر ب تجاورها ..

لتنظف لعاب ها .. منَّا ،

و من القهر

المستقرّ في عظامنا كما دود القصب )من نص ليس اليفا ص 58- لا يوجد عند نعمان رزوق  منهج واحد في الكتابة  فهو يعمل على تقاطع النصوص مع محيطها( المعنى والدلالة ) ليعيد تشكيلها في اطار (مسرحة الصورة الشعرية ) لغة ونتاج تراكمي معرفي خارج  التصنيف  والتحليل  والنمط , مبديا انزياحا واضحا لصالح المحاكاة دون تناقض مع جماليات  هندسة النص  بمعناه الاسمى (الوقتُ ..

أن لا أنفض الفراغ أبد ا من حُدوثك المُمكن

و أن أُغلق باب الفكرة جيد ا

على أصابعي) من نص الوقت ص63

 

يكتب  بحماسة  فتتبدى متانة الأسلوب  وجودة الإحالة  بلا تكلف أو إقحام  الحكم المعياري او التمرّد على الصياغة, حتى يخرج بالنص إلى ما يمكن تسميته بالمسرح الشعري (أن ندفن فكرة أن نُكتشف يوما ..

و فكرة أن نُفكر بالأمر ..

و فكرة أن نُفكر أن فكرة موجودة أصلا ،ص

فقد كان القصد أن نفتح جلد السراب من جميع جهات مسامه

و نخبئها فيه ..

مزقا

مزقا ..

ليسهل طيرانها بين تلاشيه )من نص اسرار ص75   مابين الاستهلال والختام او الذوبان  في التلاشي  يجري نبع الإبداع  ببساطة  تعزيزا  للواقع  والفكرة وإظهار الصورة  منسجمة  دون إسراف في تحميل في مضامينها ,يحفز القارئ على متابعة القراءة  و فتح أفق التوقع .( بعض الأسرار كان يجب أن يغوص إلى أعمق من قاع النسيان ..

أو

إلى الجهة الأخرى من تحت تحت البحث

و الاشتهاء

و التوقع

و التذكر

و الكيمياء

و الفلك ..

و الفيسبوك ..،

كان يجب أن نقتل أسرارنا بصمت كُلّيّ ..

كما لو أنَّ الهواء ليس موجودا

و حناجرنا غير مثقوبة ،) اسرار- ص 76..في النهاية يمكننا القول أن نصوص المجموعة هي  إعادة صياغة ساحرة  لما في داخلنا، في تزاوج ملفت للتجربة الفردية والشاملة من هم وطني نعيشه جميعا, " ميلان لايشبه الرقص" بوصفه بنية نصية تالية  في فضائه الدلالي  له إشاراته الثقافية والمعرفية  كتب بلغة  جميلة وعميقة خرجت عن سياق المشهدية البصرية  الى  رؤية كلية، تتجاوز الجزئيات  نحو الفهم الفني والجمالي الأرحب.