الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الهدر اللا إرادي .. تأملات في هدر الطعام ونظرية الثلث....عمر عاصي
الهدر اللا إرادي .. تأملات في هدر الطعام  ونظرية الثلث....عمر عاصي

 لعل أكثر جُملة تتكرر على مسامعي، كُلما بادرت بالحديث عن هدر الطعام سواء في لقاء عائلي أم قاعة أفراح أم في اجتماع تشاوري أم تنبيه لمسؤول في مطعم هي "الحمد لله.. عنا ما بنكّب شيء" وهو ما "يغيظني" دائمًا، بالأخص وأنني أخذت على عاتقي التخصص في إدارة النفايات العضوية وأراقب مُنذ أعوام حاويات النفايات وأرصد الأرقام حول ما يُهدر.

كان أول بحث عملتُ عليه في عام 2017 وذلك خلال دراستي في ألمانيا حول مخلفات زراعة الفليفلة ثم لاحقًا بحثت في إشكاليات صناعة الكومبوست من بقايا الطعام والمخلفات العضوية، ولاحقًا في الماجستير تخصصتُ في النفايات العضوية التجارية حتى وصلت أخيرًا إلى "جغرافيّة هدر الطعام"؛ وفي كُل هذه الرحلة أرى الهدر بشكلٍ مذهل.. ويزعجني أن نتنّصل من مسؤوليتنا بأننا "الحمد لله.. عنا ما بنكّب شيء" ولعل أحد أسباب هذا التنصل هي أننا لا نهدر لأننا نحب الهدر، بل لأننا نهدر بشكل لا إرادي.

هدر الطعام.. وما بعد الحداثة!

الحقيقة أن أحد أسباب اعتقادي هذا، هي دراسة حول هدر الطعام في المجتمع الفلسطيني في الداخل.

شاركتُ في إعدادها في جمعية الجليل بمدينة شفا عمرو، وفيها استطلعنا رأي حوالي 400 شخص، ووجدنا أن حوالي 90% من المشاركين لا يشعرون بالراحة عندما يرون الطعام يُلقى في القمامة، وهذا يدعو للتفاؤل للوهلة الأولى بَيد أننا عندما نتأمل سلوك نفس الأشخاص، فإننا نجد أن هذا الشعور لا يمنعهم من الهدر!

وفي محاولتي لتفسير هذا "الهدر اللا إرادي"، لا أجد أفضل مما قرأته للــدكتور عبدالوهاب المسيري الذي لاحظ خلال دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية في ستينيّات القرن الماضي حين بدأت مرحلة ما بعد الحداثة (بعد عام 1965) بأن "الهدف النهائي من الوجود في الكون هو الاستهلاك والمزيد من الاستهلاك" كما أصبح "الاختراع أبو الحاجة" بعد أن كانت "الحاجة أم الاختراع" وهو ما أسهم بتحريك عجلة الإنتاج بشكل غير مسبوق، عندما بدأ الإنسان يشتري ما يحتاج وما لا يحتاج، محاولًا الوصول إلى السعادة بالتسوق والاستهلاك، وقد كان للإمبريالية النفسيّة (احتلال العقول) دورًا كبيرًا في هذه التغييرات.

وقد لاحظ المسيري هذه التغيّرات في قمامته المنزلية التي كانت تتزايد مع الوقت، فبعد أن كان يُخرج سلة واحدة من القمامة صار يُخرج ثلاث سلال يوميًا – رغم كُل خبرات التدوير والتدبير التي تعلّمها هو وزوجته في مصر – وهنا راح يسأل ويناقش زملائه في قضية النفايات والأزمة البيئية فالقمامة المتزايدة دليل على الإفراط في الاستهلاك وأن هذا سيودي بالبشرية جمعاء، فكانوا يَرون ذلك حسدًا من شخص من العالم الثالث، ومع مرور الوقت – في السبعينيات – اتضح أن شكوك المسيري كانت في مكانها حيث بدأت المُشكلة البيئة بالتفاقم فعلًا.

والآن، بعد حوالي 40 عامًا، نجد أننا أكثر هدرًا من أي فترة مرت على التاريخ البشري، فنحن اليوم نستهلك الهواتف المحمولة بجنون، والأحذية وحتى اللحوم نستهلكها بشكل مجنون.

وقد سمعت من أحد الباحثين بأن استهلاكنا للحوم هو أضعاف ما كان يعتمده البشر في "مرحلة الصيد" قبل آلاف السنين وكُل هذه الثقافة الاستهلاكية.

كما أن استهلاكنا لم يعد حسب احتياجاتنا بل أصبح الاستهلاك معيارًا للمستوى الاجتماعي، وبالتالي فإن كُل هذا الهوس الاستهلاكي لا بُد وأن يترجم في النهاية إلى "نفايات"، وما دُمنا نستهلك "بجنون" فإن معدلات الهدر عندنا ستكون هي الأخرى "جنونية"!

الهندسة ليست الحل!

قد يقول أحدكم، بأن العالم الغربي، استطاع رغم معدلات الاستهلاك المرتفعة أن يحقق إنجازات عظيمة في مجال تدوير النفايات، ومع تأكيدي بأن الغرب قد حقق إنجازات عظيمة في مجال النفايات وغيره، إلا أن ما شاهدته ودرسته بل وقُمت ببحثه خلال وجودي في ألمانيا يؤكد بأن التغيير لا يُمكن أن يكون بالهندسة فقط.

لماذا؟ في ألمانيا تُلزم البيوت بفصل النفايات العضوية لتؤخذ كُل هذه النفايات إلى معامل الكومبوست (التسبيخ) وفعلًا تُحوّل المخلفات إلى كومبوست، فأين المشكلة؟ المشكلة أننا عندما نطبق الأمر على مستوى منطقة ضخمة، لا يمكن التحكم بجودة المدخلات؛ فمثلًا، بعض "الألمان" يضعون كُل المخلفات العضوية في كيس بلاستيكي ثم يلقونه في حاوية المخلفات العضوية، وهكذا فإن كُل عملية الفصل تصبح بلا فائدة، بالأخص عندما يتفتّت كيس البلاستيك إلى قطع صغير جدًا يصعب فرزها وهكذا تختلط بالكومبوست ويصبح السماد ملوثًا بالبلاستيك و"مواد أخرى" ولن يقبل أي مزارع باستخدامها في الأرض الزراعية.. فتبدأ محاولات "هندسية" بائسة لإنقاذ الموقف؛ تتبعها إجراءات قانونية معقدة كان يمكن الاستغناء عنها، أو عن جزء منها على الأقل، لو غيرّنا نمط استهلاكنا و"التقليل في المصدر".

ثقافتنا الاستهلاكية هي المصيبة

الثقافة الرأسمالية التي طغت وجعلت من الاستهلاك غاية من غايات الوجود، هي المحرك الرئيس للشركات حول العالم وبالتالي، وبالتالي فإن أي تغيير في أنماط حياتنا وعودتنا إلى "طبيعتنا" و"الفطرة" يعني للكثير من الشركات خسارة فادحة، وهذا ما لن تقبل به بسهولة، وسنجدها تُقاوم بكل شراسة من أجل أن تدفعنا بكل ما أوتيت من قوّة إلى المزيد من الاستهلاك، حتى لو كان ذلك على حساب الكوكب.

ولأن البعض قد لا يرى ما أرى من هَول مصيبتنا "الاستهلاكية"، اقترح دائمًا بتأمل هذا الحديث النبوي الشريف الذي "يفضح" هوسنا الاستهلاكي، ويؤكد أن وضعنا أصعب مما نتخيل فبحسب هذا الحديث: (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)، إذن الأكل حتى الشبع هو كذلك "شر"، ولا شك في أن الأكل حتى التخمة "شر الشرور"، وتحديدًا إن صحّ فينا قول المثل: "الأكل من الزيق للزيق والمي بالتزريق والهوا أجا وإلا ما أجا.. عنو ما أجا".

وهذا الحديث، يجسد أنموذجًا استهلاكيّا يتجلى في آيات وأحاديث ونصائح كثيرة، ففي القرآن "كلوا واشربوا ولا تسرفوا" وفي حِكم عُمر بن الخطاب "إياكم والبطنة، فإنها مكسلة عن الصلاة، مفسدة للجسد، مورثة للسقم".

 وفي أقوال السلف: "قُم عن الطعام وبك خصاصة" وحتى في أقوال طبيب العرب الحارث بن كلدة "إدخال الطعام على الطعام، هو الذي أهلك البَرية، وقتل السباع في البرّية".

من نظرية الثلث إلى التصميم الذكي! 

فلنتخيّل مثلًا، لو كُنا نخطط لوجباتنا، حسب نظرية الثلث "ثلث لطعامك وثلث لشرابك وثلث لنفسك" ماذا تكون النتيجة؟ الحقيقة أنه يصعب جدًا أن يبقى شيء حينها من الطعام للهدر، وسنوفرّ على أنفسنا أموالًا طائلة في مشتريات رمضان، ونوفرّ على بلديّاتنا أموالاً هائلة في إدارة النفايات، ونوفرّ كذلك على الكوكب الكثير من الموارد المُهدرة كالماء والطاقة، وكذلك "الأمراض"، فالعديد من أمراضنا المعاصرة سببها الشبع لا الجوع!

المؤسف، أننا نفعل العكس تمامًا، فحجم وجباتنا في ازدياد، وفي هذا تشير الكاتبة "Dana Gunders" في كتابها "مطبخ بلا نفايات" إلى أن مساحة سطح أطباقنا ازدادت بنسبة 36%  منذ عام 1960 وحتى عام 2007، وهو ما يعني زيادة في حجم الوجبات لكل فرد، كما يتضح ذلك من التغييرات التي حصلت في كتب الطهي الشهيرة مثل كتاب "Joy of Cooking" الذي زادت حجم وجباته بنسبة 33.2% منذ عام 1996، وهو ما يعني أن الوجبة التي كانت تكفي لـ 12 شخص، أصبحت اليوم لـ 9 أشخاص.

 

 

 تمامًا كما هو متوقع، فإن الجسد البشري وحاجته من الغذاء لم تتغير بنفس الوتيرة التي تغيّرت بها "الأطباق"، وبالتالي فإن مصير الكثير من الطعام "الإضافي" هو الهدر وهو ما تشير إليه دراسة دنماركية أجريت على أثر اختيار الأطباق في الحد من هدر الطعام في مطاعم "البوفيهات المفتوحة"، حيث اتضح أن تصغير حجم الصحن من 27 سم إلى 24 سم يُمكن أن يقلل نسبة الطعام بـ 25 بالمئة.

هذا السلوك يرتبط بنوع شهير من الخداع البصري يسمى “ديلبوف” Delboeuf Illusion الذي يجعلنا نشعر بأن حجم الطعام أقل كلما كان حجم الطبق أصغر. وبالتالي كلما كان الطبق أكبر، نزيد كميّة الطعام مما يجعلنا نتناول ما يفوق حاجتنا أحيانًا وبالتالي تزداد احتمالية هدر الطعام.

ومن تجربتي الشخصية، أثناء إقامتي في ألمانيا، كُنت أفضل الإفطارات "الرمضانية" في المساجد الأقل هدرًا، ومعظمها كانت من المساجد التركية لا العربية، وكانت تقدّم الطعام في صحون/صواني مخصصة للإفطارات الجماعية ومن لم يعتدها أو يَرها للمرة الأولى، يسأل نفسه، هل يُعقل أن تشبعنا هذه الأطباق؟

ولعل منظرها ليس مثاليًا إذا ما قورنت بالموائد الفاخرة، إلا أنها للإفطارات الجماعية أنسب وتساهم في تقليل الهدر بنسبة كبيرة والأهم رُبما أن من يأكل منها يكتشف "فجأة" أن تطبيق الحديث النبوي" ثلث لطعامك" ليس صعبًا، لأن كميّة "الثلث" يمكنها أن تشبعنا!

 

في نفس هذا السياق، فإن فكرة "صحن مشعل" الذي طوره المهندس السعودي "مشعل الخراشي" ليحل مشكلة "مظهر الطعام" على نحو أفضل يمكن اعتباره خيارًا ممتازًا للولائم، بالأخص عندنا نحن العرب حيث يعد تقديم طبق غير "ممتلئ" منافيًا لمعايير كرم الضيافة، وبالتالي فإن المظهر الخارجي للطعام على صحن مشعل يبدو كأي طبق آخر، ولكنه يختلف من الداخل، فهو مرتفع من الوسط كي يبدو وكأنه "ممتلئ" بينما في الواقع فيه كمية أقل ويوفر 30% من احتمالية الهدر. 

 

 

يزيد ولا ينقص!

مع أهمية طرق تقديم الطعام و"حجم الأطباق" وهي تساعد حقًا في المناسبات الكبيرة، إلا أن هناك حلولًا لا تتطلب جهدًا ولا حتى بحثًا عن أطباق خاصة، وهي "اختياراتنا للطعام" كونها مسألة جوهرية جدًا ويمكن أن تساهم في تقليل الهدر أو حتى في منعه بدرجة كبيرة.

فهُناك أطباق "بايتة" لا تتغير للأسوء إذا باتت، بل يُمكن أن تكون "أشهى" في اليوم التالي، فمثلًا طبق "اللازانيا" أو "البامية" أو "الملوخية" يُمكن أن يبقى "لذيذًا" حتى في اليوم التالي.

وهناك أطباق أخرى بلا شك مثل الدوالي - ورق العنب المحشي- وكذلك الملفوف المحشي وأطباق أخرى كثيرة سمعتها خلال أحاديثي مع الكثير من النساء اللواتي شاركن في ورشات نظمتها حول هدر الطعام، وتحديدًا عند نقاش إشكالية "الأكل البايت". 

بالتالي، الأحرى بنا عندما نعجز عن تحديد كميّة الطعام (كما يحصل في أكثر الولائم) أن نُكثر من الأطباق التي لا تتطلب جهدًا خاصّا كي نتناولها في اليوم التالي أو حتى لا تتطلب أي جهد، بل نأكلها كما هي!

وبالتالي، نتخلص من فكرة أن يخرج أحدهم من بيتنا وهو جائع، وهو أمر نادر الحدوث، لأننا لا نطبق نظرية الثلث.. وكيف أن الانسان ليس بحاجة إلى أن يملأ معدته، بل يكفيه الثلث كما في الحديث وينبغي عليه أن يقوم عن الطعام وبه "خصاصة"، وفي حالة رمضان والولائم، فإن الحلويات التي تؤكل بعد الوجبة، يمكن أن تكفي الإنسان حاجته من الشبع وأكثر!

 

 

 

وعلى سيرة موائد رمضان، فإن هذه الموائد غالبًا ما تتألف من "ألف طبق". وبالتالي، فإن هذه الوفرة كثيرًا ما تساهم في الهدر بشكل لا إرادي، بالأخص إن كانت الأطباق غير متناسقة، فهناك أطباق تتسق مع بعضها البعض وتتكامل ولكن هناك أطباق، لا يُمكن أكلها معًا، كأن تُحضّر اللازانيا مع المقلوبة على مائدة واحدة، غالبًا عندئذ سيكون الهدر من نصيب أحد الأطباق، وربّات البيوت وجماعة الطهي أكثر خبرة مني في تناسق الأطعمة وهي مسألة مهمة إذا ما أردنا التنويع في الأصناف.

إحدى "الشعائر الرمضانية" التي اختفت من معظم البيوت، والتي برأيي تسبّب في الشعور بأن "كل طعام العالم لن يكفي الصائم" هي غياب سنّة الإفطار على التمر واللبن أو الماء، ثم صلاة المغرب، ثم الراحة قليلًا وتهيئة المعدة للوجبة الكاملة، وهذا ما يجعلنا نأكل أقل من الكمية التي كان يمكن أن نأكلها لو لم نطبق هذه السنة، لأن التمر واللبن يعطي الجسم حاجته الأولية من الطعام.

إحدى التجارب الرمضانية التي تستحق أن نجربها ولو ليوم واحد، خاصة أننا كثيرًا ما نربط الصيام بالشعور بالجوع حول العالم، هي أن نفطر على العدس فقط، وهو طعام الفقراء، كي نستشعر "شيئًا" مما يشعر به الفقراء ولو ليوم واحد، لنقدّر النِعم أكثر ونقلل الهدر أكثر.

أما الإفطار كل يوم على موائد ألف ليلة وليلة، فإنني لا أدري كيف سيجعلنا نشعر بالفقر والفقراء ونحن نهدر الكثير مما طُهي أصلًا.

 

الحلول البسيطة تأتِ من الناس

 

الحقيقة أنني ورغم كُل ما قرأت وتعلمت في هذا المجال، إلا أنني لا أظن بأن هناك حلاً سحريًا لهدر الطعام غير الإيمان بأن الطعام نعمة ينبغي تقديرها وأننا سنُسأل يوما مًا عنها، وأن علينا أن نحفظها كي لا تزول.

 فمعظم من قابلتهم ممن يحافظون على الطعام من الهدر لم يكونوا من الباحثين ولا حتى الأكاديميين، بل إنني أذكر أنني حضرت مؤتمرًا محليًا عن هدر الطعام وفوجئت بأن الطعام الذي هُدر يومها كثيرًا.

في المقابل، في رمضان الأخير (2021)، تعرفت على رجل في المسجد الأقصى يدعى "أبو أحمد" من مدينة الطيبة، يُمكن وصفه بالمصطلحات البيئية الغربية: "محاربًا لهدر الطعام"، فقد كان يبدأ عمله بعد الإفطار بالتجوال بين عُمّار الأقصى ليحثهم على عدم إلقاء ما فاض من الطعام في القمامة وينصحهم بجمعه في زاويا مُختلفة، وبعدها يأخذ كُل ما جُمع في زاوية مُحددة، ثم يبدأ هو و"أنصاره" بفرز ما جُمع ويعملون وفق قواعد مميزة، يفرزون الخبز اولًا إلى صنفين، ثم يفرزون ما لم يُستخدم بتاتًا (من بقايا الوجبات) كما أنهم يتخلصون مما لا يُمكن استخدامه ويأخذون أفضل ما جُمع ويقدمونه من جديد للمُعتكفين في وجبة السحور.

من رأى أبو أحمد، وهو يعمل بجد ونشاط على "حفظ النعمة" يدرك أنه يعمل ولا ينتظر جزاءً ولا شكورًا، وإنما فقط لإيمانه العميق بـ "ولا تسرفوا" و "لتُسألنّ يومئذ عن النعيم"، وهي أمور ليس من السهل أن نفهمها في عالمٍ مادي كعالمنا، وباعتقادي أن الحلول التي تنبثق عن إيمان من هذا النوع تكون أقرب إلى الناس وأقل كلفة وأكثر استدامة، ولهذا أنا مع دراستها وبحثها والتأمل فيها أكثر، كي نحاول أن نطور حلولًا تكون عونًا لأمثال أبو أحمد، لا بديلًا عنهم.

 

 

لا حلول بلا مواجهة .. و"تكمية"!

أخيرًا، إلى أن يكثر أمثال "أبو أحمد" وإلى أن نعود إلى ترشيد استهلاكنا و"نظرية الثلث"، برأيي أن الخطوة التي تستحق أن نتخذها قبل الشروع في الحلول هي ما يُعرف بالتكمية quantification ، أي تحديد كميات الطعام المهدر في بيوتنا ومتاجرنا وموائدنا الرمضانية (الجماعية)، فمن المؤسف أن الكثير من الحلول البيئية التي نراها تنتشر في وسائل التواصل ونصفق لها جميعًا، نكتشف أنها تفشل سريعًا والسبب في هذا غالبًا، يكون بسبب عدم توافر هذه المعلومات، وعدم الاهتمام بحسابات الجدوى الاقتصادية للمشاريع، والتي يا للأسف هي التي تقرر مصير الكثير من المشاريع، أكثر من كُل الجوانب البيئية في مجالسنا والبلديات.

 وعمومًا، فإن القاعدة في علم الإدارة تقول: "ما لا يمكن قياسه، لا يمكن إدارته". وإذا أردنا أن نحل المشكلة، علينا أن نكفّ عن الزعم بأننا لا نكب شيئًا، فبحسب الأرقام والمعطيات القليلة المتاحة، نحن نهدر الكثير الكثير، وما خفيّ أعظم!

خاص بآفاق البيئة والتنمية