الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
كتاب جديد عن أزمة حركة فتح "ثورة في الثورة- فتح والأزمة" للمتوكل طه
كتاب جديد عن أزمة حركة فتح

صدر قبل أيام  كتاب "ثورة في الفكرة-فتح والأزمة" وهو قراءة نقدية في الفكر السياسي لحركة فتح، على ضوء النقاش الدائر بين الكوادر والدارسين لما آلت إليه الأمور في "فتح". وصدر الكتاب عن دار الرعاة للدراسات والنشر في فلسطين بالتعاون مع دار جسور ثقافية للنشر والتوزيع في الأردن ، وجاء في مئتين وخمسين صفحة ضمّت عدداً من الموضوعات والعناوين منها؛  لماذا هذا الكتاب؟ الأخطاء الاستراتيجية –السلطة الكينونة المانعة - غياب الكُتّاب - والمؤتمر الثامن. ومفاهيم على الطريق - بين التحرير والتسوية - لماذا فتح؟. واستعراض شامل للحالة – توصيف للمشهد الكابي – ملاحظات على ما يجري - استخلاصات واجبة- تطلعات – وجوهر الأزمة. ثمّ عود على بَدء - دعوة للخوف - الوَهْم واستبدال المهمّات. وكذلك: على ضفاف الحركة - فتح؛ الثقافة،الفنون،والإعلام - فتح بين الدّين والأيديولوجيا  - التغيير الآمن والانتخابات المرجوّة  - خطّة "سلام" وصفة للحرب!. والثورة والأزمة الوطنية، والسُلطات - حتى تكون "ثورة" - أزمة اليسار  - وأزمة حماس - ملاحظات أمام التيارين –ثمّ قراءة بين النظام والسلطة. وفصل عن عرفات؛ بورتريه المؤسّس الرمز . و"فتح" في المكتبة.

و جاء على الغلاف الأخير للكتاب (لقد هشّمت حركة فتح   نظامها الأساسي لحظة توقيع الاتفاق من قبل أعلى مستويات القيادة في المنظمة، ولم تُبقِ لنفسها هامشا لخطة بديلة، أو أي طوق للنجاة، بل قفزت بكلّها وكليلها إلى وحل الاتفاق،  وأنجرت بوعي أو دون ذلك إلى التأسيس لفكرٍ جديد، تجاوزت به نفسها وبرنامجها، وناقضت ذاتها، وخذلت مبادئها، وتورّطت في السلطة، ولم تجد المسافة بين السلطة وبينها، حين اعتقد بعض من قيادتها  أن السلام استراتيجية بديلة لإستراتيجة الحرب "الثورة" ، بينما في الواقع النظري ، الفلسفي والفكري والعسكري والسياسي ، فإن استراتيجية السلام هي جزء من استراتيجية الحرب وليست بديلا لها، ومن يفصل بينهما يسقط في إدارة الحرب كما في إدارة السلام،  وهذا ما كان ، وكان أحرى بفتح أن تضع بديلاً إذا انهار السلام-وقد انهار-، وأضعفت م.ت.ف. من أجل السلطة، وغابت عن التأثير في م.ت.ف.،وهجرت عوامل التواصل مع العروبة والجماهير وعُمْقها الإسلامي والثوري، وخلقت طبقة مستفيدة، وأضعفت الكوادر وفتّتتهم، وأفسدت بعض الذمم، ولم تخلق ثقافة فتحاوية، واستبدلتها بثقافة التسويات. واعتمدت على المساعدات الخارجية واستحقاقاتها، ولم تعتمد على موارد داخلية أو بعيدة عن الشروط. ولم تحقق مكتسبات أو إنجاز  لافت، سوى منجزات بسيطة إعلامية أو رمزية. بل وتكاد تشطب هذه الانجازات بتخلّفها عن خطّ المواجهة مع الاحتلال، وهذا ما يفسّر ابتعاد الجماهير ،إلى حدّ كبير،عنها.

ثم أنها قدّمت نموذجاً سيّئاً للقيادة واستبداد السلطة واستغلالها، ما خلق رؤوساً ومراكز قوى وتيارات. وعلى مدار ربع قرن من السلطة، فقد سيطر الارتباك والتردّد والضبابية في إدارة فتح تنظيمياً وجماهيرياً وسياسياً، لأن فتح -عملياً- وضعت كلّ بيضها في سلّة العملية السلمية التسووية، والتي لم يلمس المواطن منها سوى الموت والاستيطان والحواجز والفقر والحصار. كما أن فتح غرقت في التيارات والاستقطابات العربية، ولم تستطع أن تحيّد نفسها تماماً، أو تجد مسافة متساوية بين المتناكفين العرب. لهذا فقد فَقَدت فتح، كثيراً،من الشرعيتين اللتين كانتا تمدّانها بالحيوية والحضور والنفاذ، وهما الشرعية الانتخابية والشرعية الثورية.

والآن، فإن من أخطائها القاتلة، أنها قد تستقوي بقوى مختلفة لتثبيت أو انتزاع الشرعيتين أو إحداهما، وهاتان الشرعيتان لا يمكن الحصول عليهما أو إنجازهما إلاّ عبر الجماهير وبها.)

وقد تناول المفكّر الفتحاوي الأخ أحمد غنيم الكتابَ ، وعنون مقالته عنه بأنه صرخة قاسية ؛ قد تكون إنذاراً أخيراً ! وأسهب قائلاً :"في كثيرٍ من جلسات الحوار بيننا يُعيدني المتوكل طه إلى جدليّة الكتابة وهدفيّة النصّ، هل الكتابة هي الواقع أم هي صورة عنه، هل بالضرورة على الكتابة أن تنقل الحقيقة، أم التنقل ما بين الحقيقة والخيال، بين الصدق والكذب.. استسلاماً لنظرية سلام العلاقات في ممارسة الحياة الطبيعية اليومية؟ وهل المكتوب هو الحقيقي أو هو المسكوت عنه؟ ولماذا نكتب؟ وما قيمة الكتابة؟ وأراني أميل إلى الاعتقاد أن الأخ المتوكل ينتمي للمدرسة البنائية في الكتابة وما ينضوي تحتها من اتّجاهات تغوص في فهم الواقع الّذي يلفّه الالتباس والغموض، فتراه يركّز على دور الثقافة والقيم والمثل والهوية وتداخل المصالح، فيرى الواقع نتاجاً للتفاعل بين مكونات البناء الاجتماعي، وليس بالضرورة قانوناً، بل قد تكون مجرد بنى اجتماعية متأصلة أو غير متأصلة ، يطغى فيها تأثير جماعة بعينها تمتلك مصادر التأثير والقوة، ، فتغرق في الواقعية الليبرالية المادية وتُركز على الجوانب المادية، وتتجاهل بقصد الجوانب الفكرية والثقافية، فتهبط بالمجتمع إلى هاوية الانحطاط والسطحية، بينما تعتقد أنها ترتقي فيه قياساً لمظاهر التطوّر المادي. يقابل المتوكل هذا التغافل،عن أهمية الفكر والثقافة ، بعزيمة الكاتب المفكر المنتمي، الذي يركز على عنصر الهوية كمسألة جوهرية في تفاعل قضيتي المعتقدات والمصالح،  والتوازن بين الهدف والتهديد في أزمات الواقع السياسي والاجتماعي والوطني، ويراهن على تأثير الأفكار بشكل كبير، في عملية التغير والإعتماد على الإنسان، وعلى أهمية اللغة والكتابة،  وعلى وعي النص،  وهذا منحنى فلسفي "ابستمولوجي"  يؤمن أن الحقيقة الاجتماعية يعاد تشكيلها عبر الأفعال الجماعية والتفاعلات القائمة على الفهم السوي للواقع،وعبر الفعل النضالي الواعي القصدي في البعد الوطني.   

مبكراً، تلمّس المتوكل طه أزمة التحوّل الدراماتيكي في السياسة الفلسطينية، بل وأدرك إلى جانب عدد من الكُتّاب والمفكرين والسياسيين، خطورة المغامرة السياسة التي أقدمت عليها القيادة الفلسطينية، ببعض من النوايا الحسنة وكثير من الارتجال، تحت ضغط الحصار المالي والسياسي، واستعصاء الحصاد المرّ للانتفاضة المجيدة، وازدواجية المعايير لدى القوى العظمى بالتعامل مع القضايا الدولية، خاصة العربية منها، وبالأخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى وقع دوي الصواريخ في حرب الخليج التي سمع صداها صفيراً في تل أبيب وبني براك، وما تبعها من حرب دامية وانقسام الأُمّتين العربية والإسلامية في حرب الخليج، وانهيار الاتحاد السوفيتي، كمتغيّر كبير في خارطة حلفاء الفلسطينيين، وقّعت م.ت.ف. اتفاق أوسلو مع حكومة دولة الاحتلال، فكانت بضاعة الوَهْم مغلّفة بإغراء الوعد، وباعتراف دولة الاحتلال بمنظمة التحرير،  ما جعل البعض يتوهّم أننا نغادر مطار الثورة لنحطّ في مطار الدولة والاستقلال! كان المتوكل طه ممن تميزوا بالبوح بمخاوفهم، فأصدر بشكل مبكّر كتاب الاجتياح والحصار، عشية اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الذي أقرّ الاتفاق، فهدر في جموع الخيول التي تغادر هيجائها قبل أن يكتمل الصهيل، وصاح في الفرسان الذين هرولوا من على مواقعهم في قمة الجبل إلى مصيدة الغنائم،  والناس تتعلّل بالآمال ترقبهم، من على حافة هاوية سحيقة، وقد ضاق عيشها والأحلام تنتحر. كان نصّ المتوكل المكتوب في غير كتاب ودراسة إنذاراً مبكراً تغافل عنه الكثيرون. واليوم يضع المتوكل طه الأزمة في مرآة عكاظنا الجارح، لنقف أمام عُرينا المبذول نبتاع الوَهْم المفضوح، فلم تعد البضاعة مغلّفة بالوعد، بل بالسراب!  فنحن والنخّاس وعموم مَن في السوق، ندرك أننا نبتاع الوَهْم، وكنا نشتري به الوقت حتى نفذ الزمن المتاح . كتاب "ثورة في الفكرة- فتح والأزمة" صرخة متكررة للمتوكل طه، قد تكون إنذارا أخيراً،  يحتاج ليس لثورة في الثورة فحسب ، بل لثورة في الفكرة، وخروجا عن المتوقّع والنمطي والمألوف في تفكيرنا وسلوكنا وأدائنا.. وإلا فليس سوى الهاوية وقعرها السحيق المظلم.

في هذا الكتاب قراءة نقدية عالية وصريحة، بل جريئة لأن الحالة لم تعد تحتمل التدليس والمجامله .. لهذا؛ يضع المتوكل طه رؤيته من خلال مرآة الحوار بين عدد من الكُتّاب والسياسيين، حول أزمة الواقع الفلسطيني، محلياً وإقليمياً ودولياً ، ولا يجامل أحداً ، كما لا يقف على جدار الشماتة واللعنات، بل يعرض تفاصيل الأزمات وتكدّسها، في الحالة الفلسطنينية. أزمة حركة فتح البنيوية وأزمة حركة حماس في بُعديها الوطني والدولي، وأزمة اليسار الذي أهدر كل ما ميّزه وأطاح بموقعه في الخارطة الوطنية،  وأزمة التيار اليبرالي الذي بدأ طريقه معتمداً على التمويل المشبوه، كل هذا الأزمات أدخلت الحالة الفلسطينية إلى أزمة وجودية عميقة، لم يعد هناك أي إمكانية لتجاوزها أو تجاهلها، لأنها باتت تعصف بالمشروع الوطني، وتكاد تطيح به. فإذا كان قدر حركة فتح أن تكون طليعة الثورة الفلسطينية، وإذا كان قدر حماس  أن تشكل طوق الإنقاذ من الانهيار الوطني، فإن قدريْهما معاً هو الوحدة الوطنية لتحطيم القيود التي تكبّل الحالة الفلسطينية.. وهذا يتطلب من حركة فتح ،التي جاءت إلى شعبنا في واقع وظروف معينة باتفاق سياسي كبّل أي إمكانية لمواجهة ومقاومة الاحتلال، أن تنزل هذا الحمل عن كاهل الشعب الفلسطنييي . إن المهمة التاريخية لحركة فتح في هذه المرحلة إنزال حمولة هذا الاتفاق الثقيل عن كاهل الشعب الفلسطيني ، ليتمكن شعبنا من استعادة قدرته على مقاومة الاحتلال".