الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الحياة في قطاع غزة: بذخ وترف مقابل فقر وحرمان
 الحياة في قطاع غزة: بذخ وترف مقابل فقر وحرمان

إعداد: دنيا عبد القادر

يعيش قطاع غزة، أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان في العالم، أسوأ فتراته؛ ففي عام 2020، بلغت نسبة البطالة في القطاع غزة 46%، وفق بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني، بينما في عام 2022 الجاري وصلت تلك النسبة إلى 75 في المئة. وبالإضافة إلى ذلك ارتفعت مؤشرات الفقر لتصل إلى 60%، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ‏في الأراضي الفلسطينية. لا شك أن تراجع التمويل الدولي عام 2019، وتقليص حصص المنح المالية للمؤسسات والجهات الحكومية في الأراضي الفلسطينية، شكل أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى ذلك. لكن هناك عامل آخر وهو إدارة «حماس» ظهرها للقطاع، بل وتخليها تدريجيًا عن تخفيف معاناته، في الوقت الذي تدور تساؤلات بين الحين والآخر بشأن حياة قادة حركة «حماس» في ظل معاناة القطاع.

أدوات «حماس» الذاتية لجمع الأموال

1. الأنفاق

قبل ثورة يناير عام 2011، كانت الأنفاق أداة هامة لزيادة ثروات قادة «حماس» من خلال تهريب البضائع والسلع المهربة بين قطاع غزة ومصر. وكانت الحركة حينها تفرض ضرائب تُقدر بـ20% على هذه البضائع لمواطني قطاع غزة، ومن خلال حفر هذه الأنفاق استطاعت «حماس» جمع ثروات كبيرة، كانت تستثمرها بعد ذلك في شركات تابعة لجماعة الإخوان في مصر والعالم، وتحصل على نسبة 35% من أرباحها، ثم بعد ذلك يتم استقطاع نسبة من هذه الأرباح للإنفاق على أنشطة الحركة في غزة، وتوزيع الباقي على قادة الحركة الذين كانوا يضعونها في حساباتهم في بنك «HSBC» البريطاني أو بنوك في تركيا، ومن خلال بنوك تركيا كانت الحركة تقوم بنقل الأموال إلى القطاع من خلال شركة فلسطينية، تعود ملكيتها إلى عنصرين تابعين لها هما «عبد الله فقها»، و«أيمن مضري»، وذلك حسبما أفاد موقع «العربية. نت».

من خلال هذه الأنفاق تمكنت كذلك مجموعة صغيرة من الغزيين المقربين من «حماس» من جمع أموال طائلة، وقد استغل رئيس وزراء حماس «إسماعيل هنية» ووزراؤه في غزة هذه الحيلة لإحكام سيطرتهم التامة على السلع والبضائع التي يتم نقلها عبر أنفاق محافظته، لتخضع المنتجات الغذائية من لحوم أبقار ودجاج وإسمنت وأثاث ونفط وبنزين ومواد طبية لضرائب باهظة. ويعتبر الهدف الرئيسي لتلك الأنفاق هو التهرب من المراقبة الحدودية المصرية وسلطات الاحتلال.

وفي وقت سابق، قال «أحمد عساف»، المتحدث السابق باسم حركة (فتح): «أكثر من 1,700 من قيادات حماس حققوا ثروات طائلة، وأصبحوا يملكون الملايين من تجارة الأنفاق». وأضاف: «حركة حماس تريد أن تحصل على مليارات الدولارات بحجة استخدامها في إعادة الإعمار، رغم أن الهدف الأساسي هو منح مهمة إعادة الإعمار لشركات يملكها قادة الحركة».

 

2. قرصنة أموال الغزاويين

وفي هذا الشأن قال الناشط الفلسطيني «حمزة المصري»، الذي تعرض للاعتقال أكثر من مرّة بسبب تتبعه لكشف فساد الحركة، إنّ «حماس» عمدت، منذ احتلالها للقطاع في عام 2007، قرصنة أموال الغزاويين بقوة السلاح، فقبل حكم «حماس» للقطاع كان هناك العديد من التجار الناجحين، ولكن عندما بدأ حكم الحركة وكان الوضع المادي لقيادات الحركة حينها سيء جدًا، بدء القادة في التسلط على التجار الناجحين لتدميرهم وتوجيه التهم الباطلة لهم، حتى أصبحوا هم أصحاب رؤوس الأموال في غزة، لذلك حاليًا كل التجار وأصحاب رؤوس الأموال في غزة أصبحوا تابعين لحركة «حماس»، ومن عصى يكون السجن مصيره.

وأضاف «المصري» أنه منذ تسلم الحركة السلطة تحولت كل الأراضي الحكومية في القطاع من مشاعات وأملاك عامة إلى أملاك خاصة، وذلك عن طريق تشريع حكومة «حماس» بيع أملاك الدولة للموظفين الحكوميين التابعين لحركة حماس والذين لديهم رواتب متراكمة على الحكومة، ثم يقوم هذا الموظف ببيع هذه الأرض إلى تاجر ومن التاجر إلى قيادي في حركة «حماس»، مما ادى إلى تحويل الأملاك العامة، إلى أملاك خاصة تابعة لقيادات الحركة. وبالإضافة إلى ذلك تمتلك الحركة كل المنتجعات السياحية والمولات التجارية الموجودة في القطاع.

3. الضرائب

تعتمد حركة «حماس» في جمع أموالها على عدد من الوسائل أهمها الضرائب الباهظة التي تعتبر مصدر الحركة الأساسي في التمويل، وتفرض الحركة تلك الضرائب على مواطني قطاع غزة، ووصل الأمر إلى فرضها ضرائب على البضائع القادمة من الضفة الغربية، على الرغم من أن كلا المنطقتين واقعتين داخل وطن واحد. وأثار هذا الأمر غضب الشعب الفلسطيني باعتباره يزيد الضغوط والأزمات المالية على أكتافهم ويعمق كذلك من حالة الانقسام التي تشهدها القضية الفلسطينية.

4. رواتب العاملين

اعتمدت «حماس» كذلك في تمويل أنشطتها السياسية والعسكرية على استقطاع جزء من رواتب العاملين والتابعين لها في الداخل.

أبرز مصادر التمويل الخارجية لـ«حماس»

يقول بعض المراقبين إن حركة «حماس» تتلقى دعمًا ماليًا من جهات بعضها معلوم والبعض الآخر غير معلوم. ومن المعروف أن الحركة تحصل على تمويل من قطر وإيران. وكان التمويل القطري قد ساعد الحركة في حكم قطاع غزة ومن ثم تكريس حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي. كما أن أغلب المشاريع القطرية، التي أُقيمت في القطاع وُظفت لخدمة الحركة وأنصارها. تعد أحد أجزاء التمويل القطري هو منحة 100 دولار شهريًا، والتي تذهب لبعض الفئات في غزة، جزء منها مرتبط بـ«حماس».

تشير تقديرات لتقارير ومصادر فلسطينية إلى أنه في عام 2020، بلغت المساعدات القطرية حوالي 240 مليون دولار، وفي 2018 قدمت قطر 200 مليون دولار من المساعدات إلى قطاع غزة، كمساعدات إنسانية ووقود ورواتب المسؤولين في الحركة. وتهدف هذه الأموال إلى مدفوعات المساعدة للأسر المحتاجة، 100 دولار شهريًا لحوالي 100 أسرة فلسطينية في القطاع، لتمويل الرواتب وشراء الوقود ومشاريع أخرى في مجال التعليم والصحة وغير ذلك.

وكانت آلية دفع الأموال القطرية إلى العائلات الفلسطينية، تتم عبر جلب الأموال نقدًا في حقائب وتودع في البنوك التابعة لـ«حماس»، وطبيعة الحال سهل هذا الأمر انتهاء هذه الأموال في جيوب قادة الحركة. أشارت التقديرات الدولية إلى أن قطر حولت أكثر من 1,1 مليار دولار إلى قطاع غزة، خلال الفترة من عام 2012 وحتى 2018، بموافقة حكومة الاحتلال، بعد التحقق من ذلك من قبل متخصصين معنيين.

مظاهر الترف لقادة «حماس»

1. محفظة «حماس» السرية

في 10 آب/أغسطس 2021، كشف تقرير لصحيفة «دي فيلت» الألمانية بالاستناد إلى وثائق حصل عليها، بشكل حصري، من مصادر أمنية غربية، أن قيمة محفظة حركة «حماس» الاستثمارية السرية الدولية في عام 2018، التي قدرتها الحركة نفسها بحوالي 338 مليون دولار، تتجاوز قيمتها الحقيقية نصف مليار دولار حسب تقديرات أخرى. وأضافت الصحيفة أن المحفظة تضم 40 شركة دولية تنشط خاصة في قطاع البناء، كاشفة أن مقر الشركات في تركيا والسعودية والإمارات والسودان والجزائر.

2. حفل «محمد غازي حمد»

في أيلول/سبتمبر عام 2019، أثار فيديو متداول من حفل عيد ميلاد «محمد غازي حمد»، ابن عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، غضب العديد من الفلسطينيين إذ أظهر الفيديو حالة من الترف واحتفال باذخ يعبر عن ظروف اقتصادية جيدة ومستوى معيشي عالٍ يعيشه أبناء قيادات «حماس»، في الوقت الذي كان وما زال يعاني أبناء القطاع من أوضاع اقتصادية مزرية ومعدلات فقر وبطالة ضخمة.

اتهامات بالفساد

بطبيعة الحال، تُتهم حركة «حماس» من حين إلى آخر بقضايا فساد، وفي عام 2018، صنفت مجلة «فوربس» الحركة بالمرتبة الثالثة في قائمة أكثر الحركات الإرهابية ثراءً، بمداخيل سنوية تزيد على 700 مليون دولار. كما برزت حينها أسماء قيادية في «حماس» راكمت ثروات كبيرة عبر استغلال أموال المساعدات الدولية والتبرعات الموجهة لقطاع غزة، ومن بين هذه الأسماء كان أحد مؤسسي الحركة «خالد مشعل» والرئيس الأول للمكتب السياسي للحركة «موسى أبو مرزوق».

كما ظهرت فضائح على مدى السنوات الأخيرة هزت ثقة الفلسطينيين في قادة الحركة ومنها اتهامات بالتلاعب بالمساعدات الدولية مثل فضيحة المنحة العُمانية المخصصة لإعمار عدد من المنازل المدمرة في قطاع غزة. وتعود تلك القضية إلى تورط مسؤولين معينين من وزارة التنمية الاجتماعية في قطاع غزة، في منح عددٍ من المنازل المقدمة من المنحة العُمانية لغير مستحقيها، وبتعليمات مباشرة من مسؤولين كبار في الوزارة.

وكان قد تلقى آنذاك أناس يسكنون في بيوت متهالكة وعودًا رسمية بإعادة إعمار منازلهم المتهالكة والمدمرة، وأُجبروا على الخروج عبر الكاميرات لتوجيه الشكر لسلطة عُمان، وفي النهاية لم يتم إعمار منازلهم رغم توقيعهم عقود بهذا الشأن. فضلًا عن فضيحة تزوير كشوفات الحج التي طالت وزير الأوقاف الأسبق «إسماعيل رضوان»، إذ مرّر اسم نجله «أنس» ضمن المكرمة الملكية السعودية لحجاج فلسطين.

وفي هذا السياق، اتهم «صهيب حسن يوسف»، ابن القيادي في الحركة «حسن يوسف»، بالفساد قائلًا «إنهم يعيشون في الفنادق أو الأبراج الفخمة، ويرسلون أطفالهم إلى المدارس الخاصة، ويحصلون على رواتب كبيرة تتراوح بين 4,000 دولار و5,000 دولار شهريًّا، وكل ذلك مع حراس شخصيين وحمامات سباحة ونوادٍ ريفية».