السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
في العراق التطبيع بقانون تجريم التطبيع ....نجاح محمد علي
في العراق التطبيع بقانون تجريم التطبيع ....نجاح محمد علي

 لا يحتاج العراق إلى قانون يُجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني في ظل وجود قانون العقوبات الحالي الذي يعتبر هذا الكيان دولة معادية وأنه معها في حالة حرب، وأن من يتخابر مع هذا الكيان اللقيط، يحكم بالاعدام . 

كانت عبارة "باستثناء إسرائيل" وهي الجملة التي أُزيلت من جواز السفر العراقي بعد العام 2003 ، علامة واضحة تكفي لتثير الرعب في قلوب العراقيين الذين لم يكونوا يفكروا أصلاً في زيارتها ولو بلغ مابلغ. 
لايعني هذا أن النظام السابق كان مخلصاً للقضية الفلسطينية خصوصًا وهو الذي عمل طوال سنوات السيطرة على مقدرات العراقيين، على إضعاف حركة التحرير الوطني الفلسطيني، وتمزيق النضال الفلسطيني عبر تأسيس جبهة التحرير العربية التي كانت خنجراً في خاصرة الفلسطينيين. 
قمة بغداد 
تاجر  صدام بالقضية الفلسطينية واستخدمها كدعاية رخيصة يحتمي وراءها لخدمة الكيان الصهيوني .فهو الذي استضاف في بغداد مؤتمر القمة العربية عام 1978 بحجة الاعتراض على توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد الخيانية مع اسرائيل، لكنه خرج بقرارات أكدت الاعتراف الجماعي بالكيان المؤقت عبر القبول بالقرارين الدوليين 242 و 338 اللذين يتحدثان عن استعادة أراضي محتلة بعد حرب العام 1967 والقبول بدولة إسرائيل غير المشروعة، وهو ماعبرت عنه رائعة أحمد مطر (الثور والحظيرة ). 

الثور فر من حظيرة البقر، الثور فر ، فثارت العجول في الحظيرة ، تبكي فرار قائد المسيرة ، وشكلت على الأثر ، محكمة ومؤتمر ، فقائل قال : قضاء وقدر ، وقائل : لقد كفر وقائل : إلى سقـر ، وبعضهم قال امنحوه فرصة أخيرة ، لعله يعود للحظيرة ؛ وفي ختام المؤتمر ، تقاسموا مربطه، وجمدوا شعيره وبعد عام وقعت حادثة مثيرة لم يرجع الثور ، ولكن ذهبت وراءه الحظيرة

كان صدام ومعه حزب البعث يرفع شعار الوحدة طريق فلسطين وفلسطين طريق الوحدة ولكنه مزق الدول العربية وزج بالمنطقة في النهج الأمريكي، و كان بذلك يعمل على إبعاد العراق عن القيام بدوره الحقيقي في الصراع مع الكيان الصهيوني  سواء بالحرب التي شنها على الجمهورية الاسلامية وبدفع من أمريكا وبريطانيا ، أو في قيامه بغزو الكويت مما فتح الباب واسعاً لدخول الأساطيل الأمريكية وجيوشها من الى المنطقة ،بأكملها.

أقدم صدام على محاربة إيران التي وضعت فلسطين على رأس أولوياتها،  واستنزف في تلك الحرب التي استغرقت ثماني سنوات القسم الأعظم من طاقات العراق وايران العسكرية والاقتصادية والبشرية، وخدم بذلك، إسرائيل، و أضعف قوى المقاومة الفلسطينية لأن هذه الحرب وأهدرت طاقات العراق وايران لسنوات طويلة.

بعد توقف تلك الحرب العبثية ، قام صدام  بغزو الكويت واحتلالها، وتسبب في شق الصف العربي وأدى إلى قيام أمريكا بتكثيف تواجدها العسكري في جميع دول الخليج العربية، ودفع معظم الدول العربية إلى الاصطفاف بجانب أمريكا حيث أرسلت جيوشها إلى الخليج بغية إخراج العراق من الكويت. 

دمرت حرب تحرير الكويت التي قادتها أمريكا وحليفاتها ، البنى الاقتصادية والعسكرية ووسائل الاتصالات والمواصلات ومنشآت تنقية المياه ومنشآت الصرف الصحي ، الأمر الذي تسبب في انتشار الأمراض .
أدت سياسات صدام ، ليس فقط إلى إفقار الشعب العراقي وإنما إلى تدمير بنية المجتمع وقيمه ومثله.كما عانى عشرات الألوف من الفلسطينيين الذين تم إخراجهم من الكويت وبعض الدول العربية.

في نفس الوقت واصل صدام سياسة الخداع والتضليل عبر بعض القرارات ومنها منح مكافآت لعوائل الشهداء الفلسطينين ، وارسال صواريخ لم تكن تحمل متفجرات لضرب إسرائيل. وكانت النتيجة أن دفع العراق مئات الملايين من الدولارات إلى الكيان اللقيط كتعويض عن هذا القصف الكاذب، كما فعل مع الكويت.

يقول محمد المشاط سفير العراق في واشنطن سابقاً وهو يكشف زيف صدام في دفاعه عن القضية الفلسطينية ( بعد تعييني سفيراً للعراق في واشنطن عام 1989، إذ قبل مغادرتي إلى العاصمة الأمريكية استدعاني طارق عزيز وكان وقتها وزيراً للخارجية ليبلغني توجيهات صدام حسين وقال بالحرف الواحد «عليك أن لا تتطرق إلى مشكلة فلسطين وذلك بانتقاد إسرائيل» وقال أيضاً بما معناه عليك أن لا تتحرش بإسرائيل، والإشارة إلى الأعمال التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين. ثم أشار إلى أن توجيهات الرئيس صدام حسين تقضي بالتغاضي عن القضية الفلسطينية والامتناع عن انتقاد إسرائيل. هذا وإن السيد نزار حمدون الذي كان يشغل منصب وكيل الوزارة آنذاك، استدعاني وقدم لي قائمة بأسماء بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي وطلب مني بضرورة الاهتمام بهم ولقائهم باستمرار وتمتين العلاقة بهم مع ضرورة عدم التطرق إلى موضوع إسرائيل خلال أحاديثي معهم. كما أكد عليّ بضرورة الامتناع كلية عن توجيه أي انتقاد لها, هذا وكانت الأسماء التي قدمها لي هم من الموالين جداً إلى إسرائيل كما اكتشفت ذلك بعد وصولي إلى واشنطن بأسابيع قليلة).

 بعد العام 2003 ، أصبح كل شيء على المكشوف ، وماعاد ذكر اسرائيل محظوراً في أدبيات قوى فاعلة في العملية السياسية وتحديداً في إقليم كردستان ، و ماعادت السلطات فيه تخفي علاقتها بالكيان الصهيوني، وتجرأ  عدد من السياسيين والصحافيين على الإعلان عن سفرهم  إلى إسرائيل والدعوة الى مايسمونه "السلام".  البعض زار اسرائيل سراً  أما الأكثرية فإنها لم يردعها أيّ وازع وطني لا تمتلكه أصلاً ففخرت بما فعلته و دافعت عنه باعتباره سلوكاً "حضارياً"

كثرت المقالات التي بدأت تُنشر في عواصم غربية تبشر بعهد جديد في العلاقات مع اسرائيل . وانتشرت في الصحف الاسرائيلية مقالات وتقارير تتحدث عن الزيارات الدينية حيث المزارات وأماكن التراث اليهودي الموجودة في العراق . ويبدو أن الأمر مبيت بشأن قانون تجريم التطبيع الذي يشرعن التطبيع من خلال الرحلات الدين، ودافع زعماء سياسيون عراقيون ومنهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ، عما سموه حق اليهود العراقيين الذين هاجروا الى إسرائيل بالعودة بحجج واهية أقلها زيارة الأماكن التي يقدسها اليهود ، وهي كثيرة، في العراق، وهم  يشيدون باليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل زاعمين أنهم أساس النهضة المدنية التي شهدها العراق أثناء الحقبة الملكية.

في هذا الواقع، جاء الحديث عن فقرة السماح لتبادل الرحلات الدينية في القانون الجديد (بما يتعارض مع قانون العقوبات العراقي رقم 111 سنة 1969، ويستوجب الطعن بها في المحكمة الاتحادية العليا) ،  في خضم  الحديث في الامارات التي تدعم أطرافاً فاعلة في العملية السياسية عن الإبراهيمية بحجة الدعوة لنبذ الخلافات بين أتباع الشرائع السماوية الثلاث، والبحث عن المشتركات من أجل تجسيد قيم الإخوة والتسامح والتعايش في المنطقة، بهدف إنهاء ما يسمونها حالة الصراع العربي -الإسرائيلي المستمرة منذ احتلال فلسطين عام 1948، ومن ثم تحقيق ما يسمى السلام الشامل. 

هنا، يظهر خطر التغاضي عن فقرة السماح بالرحلات الدينية ، بما يحقق هدف الابراهيمية الجديدة التي تمثل وصفة ناجعة لتعايش إسرائيل ككيان غريب في محيطها الإقليمي ، ووسيلة جديدة للسيطرة والتحكم بدول وشعوب ومقدرات المنطقة، وتحويل بوصلة العداء الى المسلمين أنفسهم، لتبقى اسرائيل ، ولتتمدد. 

نجاح محمد علي كاتب متخصص في الشؤون الايرانية والاقليمية
للمتابعة على تويتر @najahmalii