الثلاثاء 14/10/1445 هـ الموافق 23/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
فيلم "الطنطورة".. هل بات ورقة قانونية لمحاكمة إسرائيل؟
فيلم

 يثير فيلم "الطنطورة" الذي يتحدث عن اعترافات 4 جنود من لواء "ألكسندروني" الذين شاركوا في مجزرة الطنطورة عام 1948، الجدل عن إمكانية أن يتحول الفيلم الذي أنتج وعرض العام الماضي، إلى ورقة قانونية يمكن من خلالها محاسبة إسرائيل وأولئك الجناة الذين لا زالوا على قيد الحياة.


مجزرة وقبر جماعي


تقع قرية الطنطورة جنوب حيفا، وراح ضحيتها ما يقارب 230 شهيداً، بعضهم استشهد بعد أسره وإطلاق النار عليه بواسطة مدفع رشاش كان بحوزة جندي أفرغ 250 طلقة في أجساد عزّل، فيما استشهد آخرون بعد حشرهم في براميل من الحديد وإطلاق النار عليها، ليسيل دمهم من الثقوب، كما أخرج ضابط مسدسه وقتل من جاء أمامه واحداً تلو الآخر، ووضعوا بقبر جماعي بعد ذلك.


ليلة 22 مايو\ أيار، ونهار 23 مايو\ أيار 1948، احتلت عصابات "الهاغاناة" الإرهابية الصهيونية "الطنطورة" وأجبرت العشرات منهم على حفر خنادق، قبل أن تطلق النيران عليهم، وتدفنهم في تلك الخنادق، وفي مقابر جماعية.


وقرية "الطنطورة" تتميز بموقع هام اعتبارها ممراً إلى حيفا، كون جزء من أراضيها يصلها بالطريق الساحلي السريع، ووجود محطة قطار للخط الساحلي، وأقيم على أرضها كيبوتس "نحشوليم" 1948، ومستوطنة "موشاف دور" 1949، وتم تجريف المقبرة الجماعية، وبُنيت فوقها مواقف للسيارات.


تبلغ مساحة أراضي الطنطورة 14520 دونما، وقدر عدد سكانها سنة 1929 حوالي 750 نسمة، وفي عام 1945 حوالي 1490 نسمة، قبل أن تقوم المنظمات الصهيونية المسلحة بهدم القرية وتشريد أهلها البالغ عددهم عام 1948 حوالي 1728 نسمة.


وقبل المجزرة، اشتهرت الطنطورة بمحطة سكة القطار الساحلية، واشتهر أهلها بصيد السمك، وما تبقى منها اليوم، مقام المجيرمي، وبيت "آل اليحيى"، ومدرسة بنيت أوائل الأربعينيات، حيث قامت الكتيبة 33 من لواء الكسندروني بإقامة نصب تذكاري فوق رابية المدرسة المستخدمة اليوم كمحطة لأبحاث الصيد التابعة لوزارة زراعة الاحتلال.


"الطنطورة".. الفيلم الوثيقة


بني فيلم "الطنطورة" عـلى دراسـات أكـاديـمية، ويسـتعرض وثـائقاً وتـوثيقاً لـشهادات جـنود وقـيادات لـلواء "الكسندروني" الذي نفذ المذبحة، وأخرج الفيلم المخرج الإسرائيلي ألون شفارتس، فيما قوبل الفيلم بالتشكيك من المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، رغم الاعتراف الواضح للقتلة.


وأظهر تصوير جوي ثلاثي الأبعاد للمنطقة أن حفرة حُفرت بعد ارتكاب المجزرة، بطول 35 مترًا وبعرض 4 أمتار وبعمق متر واحد، لتتحول الحفرة إلى قبر جماعي دفن فيه ضحايا مذبحة الطنطورة، الذين يراوح عددهم بين 90 إلى 200، وفي 1949 حُفر القبر الجماعي وانتشلت جثث الضحايا، ولا يعلم إلى الآن مصيرها، ورغم تلك الاعترافات تصر إسرائيل على إنكار المذابح التي قامت بها ضد الفلسطينيين.


يقول مدير مؤسسة "الحق" شعوان جبارين لـ"القدس" دوت كوم: "إن المذبحة حدثت عام 1948، وانضمنت إسرائيل لاتفاقية جنيف بعد 3 سنوات من تلك المذبحة، وإمكانية محاكمة المجرمين بحاجة لجهد كبير، وبالإمكان محاسبتهم إن توفرت المنظومة للمحاسبة في بلد ما، لكن في المحكمة الجنائية الدولية أمر ليس سهل".


وبحسب جبارين، فإن الفيلم وثيقة مهمة يعترف فيها المجرم بما فعل، لكن لا يعول بـ"الجنائية الدولية"، بهذا الشأن، وفلسطين حددت حيز النفاذ في 2014 وما قبلها ليس للمحكمة اختصاص، "نعم هي وثيقة مهمة، لكن المحاكمة بحسب الدولة واحترامها للحقوق والاختصاص القضائي على الجرائم الدولية والاختصاص بالجرائم ضد الإنسانية في كل بلد".


ويؤكد جبارين أن الأمر مهم جداً، في قضية النشر والاحتفاظ بالفيلم لإظهار الرواية لشعب ارتكب بحقه جرائم إبادة ومجازر فظيعة، خاصة أن الاحتلال يتنصل منها، وبالتالي الفيلم جاء في إطار وثيقة إضافية أخرى لإظهار جرائم الاحتلال.


وثيقة لدحض رواية الاحتلال


يؤكد مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية 'شمس،" عمر رحال لـ"القدس" دوت كوم، أن الفيلم وثيقة هامة لإدانة الاحتلال فهو شهادة من المصدر الأولي واعتراف بمحض الإرادة دون أي ضغوطات، وعتراف على الملأ من أشخاص ارتكبوا بشكل فعلي الإعدامات المجازر والمذابح التي ارتبكتها الحركة الصهيونية وعصابتها خلال نكبة فلسطين عام 1948.


ويتابع رحال، كما أنه لا بد من استخدام الفيلم إلى جانب المسارات القانونية والقضائية الجنائية أو تقديمه كوثائق إلى الأمم المتحدة وهيئاتها المختصة، بأن يكون الفيلم كروايات يجب استخدامها أمام الراي العام لدحضن الرواية الإسرائيلي، خاصة مع وجود إنكار إسرائيلي، وتعاطف دولي بموضوع النكبة بتصديق إسرائيل، فالفيلم وثيقة هامة في دحض الرواية الإسرائيلية.


ووفق رحال، فإن الفيلم وثيقة هامة جدًا في دحض رواية من يروج بأن الفلسطينيين تركوا أراضيهم، وأن ذلك يجب أن يظهر أن الهجرة جاءت نتيجة المجازر وعمليات القتل الممنهجة التي قامت بها عصابات الحركة الصهيونية.


اعترافات واضحة


يؤكد الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل في حديث لـ"القدس" دوت كوم، أن الفيلم هو اعترافات واضحة من القتلة، ولا يوجد مجال للإنكار، وبالإمكان الذهاب بهذا الملف إلى منصات العدالة الدولية، لتثبت هل هي قادرة على محاسبة إسرائيل أم لا؟.


الفيلم بحسب عوكل، يراكم عملياً على طبيعة الهوية العنصرية الفاشية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ويجب الاستفادة من هكذا وثيقة، على الصعيد الدولي، خاصة مع التحولات التي تأخذ اتساعاً وتأثيراً بتفعيل الرواية الفلسطينية، وهو وثيقة داعمة للقضية الفلسطينية أمام المؤسسات الدولية، وربما المحكمة الجنائية الدولية، فهو ملف موثق لتلك الجريمة، ولا بد لمؤسسات حقوق الإنسان من دعمه.


ويشير عوكل إلى أنه حتى ولو لم نقدر على محاسبة إسرائيل دوليًا، يجب على الأقل أن يتم تفعيل هذا الفيلم عربياً، خاصة لبعض العرب الذين طبعوا علاقاتهم مع إسرائيل، كما أن الفيلم يعطي حافزًا للجماهير العربية ما يعزز استعادة المكانة الهامة للقضية الفلسطينية عربياً.


من جانبه، يشدد الكاتب سامر عنبتاوي في حديث لـ"القدس" دوت كوم، على أن الفيلم وثيقة هامة بالتوجه لمواجهة إسرائيل أمام المحاكم الدولية لمحاسبتها، وهو يعزز إمكانية محاكمة غسرائيل بتعزيز دور حركة مقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها "بي دي اس".


ويشير عنبتاوي إلى وجود إمكانية لمحاكمة إسرائيل وفرض العقوبات عليها في هذه الفترة، في ظل الحكومة الحالية المتطرفة، والفيلم وثيقة هامة في هذا السياق.


يشار إلى أن العصابات الصهيونية المُسلّحة ارتكبت خلال أحداث النكبة الفلسطينية عام 1948، عشرات المجازر التي راح ضحيتها آلاف المدنيين الفلسطينيين "العُزّل" في مختلف القُرى والمُدن، وهجر من تبقى من أهاليها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، والدول العربية المجاورة.

صحيفة القدس