الخميس 18/9/1445 هـ الموافق 28/03/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
حذاري من فخ التعايش مع القوات الأمريكية في العراق...نجاح محمد علي
حذاري من فخ التعايش مع القوات الأمريكية في العراق...نجاح محمد علي

قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أثناء زيارته الأخيرة الى برلين : (يجب تحديد المهام والأماكن والأعداد ضمن وقت زمني محدد) ، ما يعني أنه ظاهرياً على الأقل مع عدم بقاء القوّات الأمريكية ، فهو يدرك جيداً أن الولايات المتحدة ارتكبت الخطأ الفادح بغزوها العراق عام 2003 تحت ذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل ولتحرير العراق من الديكتاتورية وإقامة نظام ديمقراطي نموذجي في الشرق الأوسط. وأن بقاءها يكلف العراق الكثير  من أمنه واستقراره، بل ويشكل اعتداءً صارخًا كما حصل في اغتيال قائدي النصر على التنظيم الارهابي. 

يتذكر السوداني جيداً ، وغيره من السياسيين العراقيين الذين جاؤوا بعد حقبة صدام حسبن ، أن إسقاط النظام السابق لم يكن من أجل أن يحكم هو أو يحكم العراقيون بلادهم على أساس من العدل والحكمة دون تهديد جيرانهم والسلم العالمي لأنه حتى الصقور في إدارة بوش ، في عام 2001 ، لم يعتبروا العراق تهديدًا وشيكًا. 
في كتاب "مواجهة صدام حسين: جورج بوش وغزو العراق"، الصادر عن جامعة اوكسفورد، وهو للمؤرخ ملفين ليفلر، يقول:  إنه من السهل دحض الاسطورة القائلة بان ادارة بوش قررت مهاجمة العراق مباشرة بعد 11 سبتمبر/ايلول، ثم كذبت على الجمهور بشأن المعلومات الاستخبارية. ويتابع قائلا ان الاسطورة الاخرى تتمثل في ان واشنطن غزت العراق في سياق مشروع للمحافظين الجدد لتحقيق الديمقراطية في الشرق الاوسط. 

باعتراف وزارة الدفاع البنتاغون ، كانت تكاليف الحرب على العراقيين مذهلة . قُتل ما يقرب من 5000 جندي أمريكي ، وجُرح عدة آلاف ، وقتل وشوه مئات الآلاف من العراقيين ، وتم إنفاق 2 تريليون دولار أُخذت أضعافها بعد ذلك من أموال العراق ، وتم تمكين المنظمات التكفيرية ، وايجاد حالة استقطاب شديد و تقسيم المواطنة الى مكونات عرقية وطائفية ، وتدمير الثقة بين العراقيين وبينهم وبين الحكومة (مهما كان شكلها) ، وأُلحق الضرر بسمعة العراق في جميع أنحاء العالم. 
في ضوء الكارثة ، اتخذ الأمريكيون البارزون الذين أيدوا تلك الحرب وجهاً متقدماً . المؤرخ ماكس بوت المختص في شؤون الأمن القومي، الذي كان في يوم من الأيام من أبرز المدافعين عنها ، يصفها الآن بأنها "خطأ فادح". ويشير بصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، الى أن "شرطي العالم قد أصبح خارج الخدمة رسميًّا".ورأى بوت  أن الولايات المتحدة فقدت شهيتها لبناء الديمقراطيات خارج حدودها بعد إخفاقها الذريع في كل من العراق وأفغانستان.
عبر عن ذلك أيضاً  المعلق أندرو سوليفان ، وهو من صقور الحرب المتحمسين بندم غزير لكونه على خطأ . 
ثم هناك العديد من السياسيين ، مثل هيلاري كلينتون ، الذين اعتذروا عن تصويتهم بالسماح باستخدام القوة العسكرية الأمريكية، وكشفوا بعد ذلك ، عن دور لعبته الولايات المتحدة في إيجاد تنظيم داعش وغيره من المنظمات التكفيرية الأخرى لتبرير بقاء القوات الأمريكية. 

في العام الماضي 2021 ، بعد الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان ، أعلن الرئيس الأمريكي بايدن في الأمم المتحدة أن الولايات المتحدة لم تعد "تخوض حروب الماضي". لكن في العراق وسوريا ، يحتفظ البنتاغون بوحدات قوامها حوالي 2500 و 900 جندي ، على التوالي ، لا يزالون يعرضون حين لآخر أمن المواطنين المدنيين للخطر .
لم تجلب القوات الأمريكية الغازية ،  "الديمقراطية" إلى العراق ، بل خلقت أوضاعًا أمنية داخلية لكي تعتمد على بقاء تلك القوات بحجة الدفاع عن نظام يعتمد على المصالح الطائفية والعرقية المتباينة . 
تشير البيانات الرسمية الصادرة عن المؤسسات العسكرية ذات الصلة ، إلى أن بقاء القوات الأمريكية بذريعة تعزيز الديمقراطية وحفظ الأمن ، يمكن أن يؤدي إلى فشل سيئ ، وتكثيف الانقسامات ، وجعل البلد عملياً غير قابلة للحكم .

قال البنتاغون إن القيادة المركزية الأمريكية نفذت في العام الماضي ، 313 عملية في العراق وسوريا كجزء من مهمة مزعومة لهزيمة تنظيم داعش في العراق وسوريا.  أكثر من 95٪ من تلك العمليات - بحسب البنتاغون- تمت بالشراكة إما مع قوات الأمن العراقية أو قوات سوريا الديمقراطية. 
ونتيجة لذلك قُتل ما يقرب من 700 من مقاتلي داعش واعتقل 374 آخرين. لم يُقتل أي من أفراد الخدمة الأمريكية كجزء من الجهود. 
 في هذا السياق قالت دانا ستراول ، نائبة مساعد وزير الخارجية الدفاع عن الشرق الأوسط خلال مؤتمر عبر الهاتف يوم الأربعاء ،  إن مهمة هزيمة داعش في العراق وسوريا تظل أولوية رئيسية لاستراتيجية الدفاع الوطني . وقالت أيضًا وهي تبرر بقاء القوات القتالية في البلدين ، إنه على الرغم من النجاحات ، فإن داعش لا يزال يمثل تهديدًا ، ولا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به. 
وقالت مشيرة الى بقاء قوات أوروبية الى جانب القوات الأمريكية في العراق بالرغم من مزاعم بالانسحاب وتحول القوات القتالية الى قوات استشارة وتدريب :  "ما كان مذهلا بالنسبة لي هو الالتزام الدائم ليس فقط من جانب الولايات المتحدة ، ولكن" لشركائنا الأوروبيين ، وكذلك نيوزيلندا وأستراليا وغيرهما ". "يدرك شركاؤنا في جميع أنحاء العالم أهمية هذه المهمة ، ويدركون أن داعش لا يزال يمثل تهديدًا ، وملتزمون بهذا التحالف".

من جهته قال الميجور جنرال ماثيو ماكفارلين ، قائد قوة المهام المشتركة - عملية العزم الراسخ ، إن من المفيد أيضًا التقدم الذي أحرزه العراق منذ انتقال الولايات المتحدة قبل عام إلى مهمة تقديم المشورة والمساعدة والتمكين وتبادل المعلومات الاستخباراتية هناك. وقال إن الولايات المتحدة تواصل الاحتفاظ بوجودها (القتالي)في العراق ، بدعوة من الحكومة العراقية. 
ولفت إلى أنه "في العراق ، تستمر الأمور في التحسن من حيث قدرتها على إظهار وتنفيذ عمليات مستقلة فعليًا ، حيث يقومون ببناء القدرات والقدرات والكفاءات من أجل اكتساب قدرة مستقلة على إجراء عمليات دائمة ومستدامة ودائمة ضد داعش". . وهذا اعتراف واضح بانتفاء الحاجة الى بقاء القوات الأجنبية في العراق. 

وبينما تبرر تواجدها العسكري في البلدين بوجود داعش ، وتحاول اقناع الحكومة العراقية الجديدة ببقائها تحت نفس الكذبة السابقة أي "المشورة والتدريب" ، تلوح الولايات المتحدة  باستمرار هذه الأيام - مع إقرارها السابق بقدرة القوات العراقية على مواجهة التعديلات - ،  بمعتقلي داعش - وعددهم يصل إلى 10000 - المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا. 

داعش لا يزال يضع عينيه على هؤلاء المعتقلين ويعتبرهم طريقًا لإعادة التشكيل والعودة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وتحديدًا العراق حيث الحاضنة السياسية والجغرافية ، ولهذا السبب يجب أن يتواصل المسار التفاوضي ، والعمل مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ، من أجل إخراج القوات الأجنبية  ، وتعزيز قوات الأمن العراقية في مناطق الحدود مع سوريا ، لمنع تسلل  داعش ثانية الى العراق . 
يجب الآن  تفعيل قرار مجلس النواب في 5 يناير / كانون الثاني 2020 الذي لم يصبح رسميًا بعد ولم يٌنشر في الجريدة الرسمية ، أو التصويت على مشروع قرار جديد يلزم الحكومة بإخراج القوات الأمريكية. 
وحذاري من فخ القبول بهذه القوات تحت عنوان مخادع كاذب هو : 
الحاجة ، و المشورة والتدريب.  

•    نجاح محمد علي هو صحفي استقصائي مستقل من العراق يكتب عن قضايا السياسة والمجتمع وحقوق الإنسان والأمن والأقليات. ظهرت أعماله في BBC العربي والفارسي ، و RT Arabic ، وقناة العربية ، وقناة الجزيرة ، و رأي اليوم ، و القدس العربي ، و انترناشيونال بوليسي دايجست ، من بين العديد من المنافذ الإعلامية الأخرى.
لمتابعته على تويتر @najahmalii