ما يتعرض له قطاع غزة من قتل وتدمير يطال كل مظهر حياة, يفوق أي خيال, ويفوق أي جريمة حصلت في التاريخ المعاصر, إن لم يكن عبر التاريخ كله, فالإبادة الجماعية تطال الإنسان الفلسطيني لمجرد أنه إنسان, أو باعتباره وفق توصيف قيادة الكيان " حيوانات بشرية " الإبادة الجماعية تطال الرضّع والأطفال والنساء والشيوخ والشباب, ولا تستثني أحداً, الرضّع والأطفال تقتل وتدفن تحت الركام,
وعلى بصر كل العالم, في مشهد يندى له جبين الإنسانية, ويلحق أكبر صور العار للكيان, ولأمريكا وتوابعها من الغرب... ورغم وضوح مشهد الدم والقتل والموت والدمار على مدار شهراً كاملاً, والعالم عاجز عن وقف الحرب المدمرة, ورغم فظاعة وأهوال ما يحدث, ترفض أمريكا حتى اللحظة الاستجابة لأي مطلب لوقف النار... لا يمكن فهم ما يجري في غزة إلا في سياق "رؤية أمريكية اسرائيلية لمستقبل غزة" خالية من أي مظهر من مظاهر المقاومة بكل أشكالها, ليس من حماس أو فصيل آخر, إنما خالية من أي حركة وطنية فلسطينية, أي استئصال الوعي الوطني والشخصية الفلسطينية الوطنية, وضرب الهوية الوطنية في الصميم,
وحين تفرغ غزة من محتواها الوطني والمقاوم وتتصحر, وتزال من الوجود مظاهر الحياة فيها, من بنى تحتية وبيوت وعمران, ومؤسسات سياسية واجتماعية, يأتي دور "تصميم غزة من جديد, خلق غزة بإنسانها الجديد, وبنيانها وعمرانها الجديد, ونخبها السياسية الجديدة, واقتصادها الجديد, وانتماؤها الجديد لغير الوطني ولغير المقاوم" غزة لا يجب أن تكون إلا غير ما هي الآن...!!
غزة ليست من فلسطين, وفلسطين ليس من غزة, محو ذاكرة غزة الوطنية, لتبقى ذاكرتها ما حل بها من حرب "السيوف الحديدية"... وضمن هذه الرؤية فإن "فتح باب التهجير لأهل غزة" سيكون مفتوحاً على مصراعية لمغادرته إلى خارج الدول العربية هروباً من محرقة لا تتوقف... إن التهجير والتطهير هي ذاتها سياسة الساسة الاسرائيليون الأوائل التي مارسوها عام 48 وما بعدها باعتبار أن الحل الجذري للكيان هو التخلص من عبء الوجود الفلسطيني في فلسطين,
والبعض الصهيوني اليوم يساورهم الندم على إبقاء (75 ألف ) فلسطيني عام 48 في فلسطين, وقد أضحوا اليوم (2مليون) فلسطيني أحدثوا خطر ديمغرافي داخل الكيان... إن التخاذل العربي في نصرة غزة وعدم قدرة الأنظمة العربية على وقف العدوان, وحيادية الأنظمة في هذا الصراع المحتدم قد شجع الكيان على تنفيذ أجنداته السياسية من وراء الحرب دون اكتراث لهذا الكم من الحكام العرب... إن تنفيذ هذا المخطط التهجيري, وما ينطوي عليه م إبادة وتطهير ومجازر ومحارق يتوقف على مجريات مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني, وعلى تطورات المواقف العربية التي لا تبعث على الثقة أو المراهنة, فلا زال الخذلان العربي هو سيد الموقف, وفي أحسن حالاته لا يتجاوز الشجب والاستنكار, ورفض التهجير من منطلق الخوف على بلدانهم لا الخوف على القضية الفلسطينية كمبدأ ورؤية, وفي السياق تتبدى الكثير من المواقف التي تنطوي على التخلص من الوطنية الفلسطينية ومقاومتها, وإفساح المجال لإقامة أفضل العلاقات الاستراتيجية مع الكيان... هذا الواقع كحدث, صمود فلسطيني وخذلان عربي لم يزل في بداية التطورات النوعية التي سيواجهها أهل غزة في مشهد كارثي لم يحصل على مدى قرون...
عارف عرفات سورية