الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قاتل النساء الصامت – غياب الحقوق عن الصحة الجنسية والإنجابية

ماريان مولمان - كبيرة مستشاري السياسات العامة بمنظمة العفو الدولية

اتهمت الشرطة المحلية الفتاة الإندونيسية، لطيفة البالغة من العمر 14 عاماً، بارتكاب الزنا عندما توجهت للإبلاغ عن تعرضها للاغتصاب.
فيما وُجهت إلى الفتاة اليافعة، لويزا من بوركينا فاسو إساءات كلامية، وتعرضت للصفع أثناء وضعها لطفلها في إحدى المستشفيات المحلية.  
وأما الإندونيسية، مارتا (30 عاماً) والتي تعمل كخادمة في المنازل، فلقد حُرمت من الحصول على وسائل منع الحمل في أحد المراكز الصحية بجاكارتا كونها لمّا تنجب أطفالاً بعد.
وتعرضت إيلينا البالغة من العمر عشر سنوات للاغتصاب في نيكاراغوا، ومورست ضغوط عليها كي تلزم الصمت حيال ما تعرضت له من إساءة، قبل أن تجري مقاضاة مغتصبها فيما بعد، والحكم عليه بالسجن 30 سنة في نهاية المطاف.
لقد تعمدنا تغيير أسماء هؤلاء الفتيات والنساء، بيد أن قصصهن جميعاً تظهر تبعات التمييز المتجذر والقائم على النوع الاجتماعي، والذي تواجهه ملايين النساء والفتيات في أنحاء العالم كافة.
وبحسب ما أفادت به منظمات عاملة في مجال حقوق الإنسان، وخصوصاً منظمة العفو الدولية، فثمة تبعات كارثية في أغلب الأحيان تترتب على حرمان النساء والفتيات من الخدمات الصحية الفعالة، واطّلاعهن على المعلومات ذات الصلة.  وفي العديد من البلدان، يؤدي افتقار النساء والفتيات لإمكانية الاستقلال بقراراتهن، وعدم امتلاكهن لسلطة صنع القرار إلى مزيدٍ من الانتقاص من حقوقهن .
وبحسب ما أوردته الأمم المتحدة مؤخراً، تموت حوالي 800 امرأة يومياً أثناء الحمل والوضع، وفي مقابل كل حالة وفاة من تلك الوفيات، ثمة 20 امرأة أخرى يعانين طوال حياتهن جراء التعرض لإصابات، والتهابات، وأمراض أو أعاقات ناجمة عن الحمل، أو الولادة، أو الإجهاض غير الآمن.
وفي ومعرض تعليقها على الموضوع، قالت كبيرة مستشاري السياسات العامة بمنظمة العفو الدولية، ماريان مولمان: "من إندونيسيا إلى البيرو، ومن سييراليون إلى الولايات المتحدة، تدفع ملايين النساء والفتيات حياتهن ثمناً لفشل السياسات الصحية، والرعاية غير الكافية، والقوانين التمييزية.  كما إن العديد منهن يتعرضن للتمييز والعنف في مجتمعاتهن المحلية وأُسرهن، ودون أن تتوفر لهن بارقة أمل بتحقيق العدل أو الحصول على المساندة والدعم من الحكومات".
التكلفة المترتبة على التمييز
تدرك النساء والفتيات في العديد من البلدان أنه يستحيل عليهن الحصول على الخدمات الصحية الأساسية في مجال الصحة الجنسية والإنجابية، والمعلومات ذات الصلة.
ويُعزى السبب في بعض الحالات إلى تقاعس الحكومات عن جعل ذلك الأمر أحد أولوياتها، أو استثمار ما يكفي من موارد على هذا الصعيد.  وفي بلدان أخرى حيث تتوفر الخدمات الصحية، فنجدها تتركز في  مناطق الأثرياء، مما يحد من حصول العديد من النساء على تلك الخدمات إن كن من القاطنات في أماكن تبعد كثيراً عن مناطق سكناهن، أو إن كن غير قادرات على تحمل نفقات الوصول إليها. 
ولقد خلُصت منظمة العفو الدولية إلى أنه حتى عندما يتمكنَّ من الوصول إلى المراكز الصحية، فإن النساء اللواتي يعشن في براثن الفقر يتعرضن في بعض الأحيان لسوء المعاملة على أيدي العاملين في مجال توفير الرعاية الصحية، والذين لا يتفهمون بدورهم احتياجاتهن، أو أحياناً، لا يتحدثون لغة أولئك النسوة.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال،قالت العديد من النساء المهاجرات أنهن مُنعن من دخول المراكز الصحية طوال فترة الحمل وحتى ما قبل ساعة الوضع نظراً لافتقارهن للمال الكافي لتغطية نفقات العلاج.
وأضافت مولمان قائلةً: "تواجه ملايين النساء والفتيات كل عام عقبات كأداء تحول دون حصولهن على خدمات الرعاية الصحية الأساسية، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بصحتهن الجنسية والإنجابية.  إذ يتم حرمانهن على الدوام من الحصول على المعلومات، وموانع الحمل، وخدمات القبالة والنسائية والتوليد في حالات الطوارئ، وحتى الحصول على العلاجات توفر رعاية دون المستوى المطلوب".
وأضافت مولمان أيضاً: "تُظهر الحقيقة المأساوية أنه من الممكن الوقاية من العديد من حالات الوفاة والإصابة المرتبطة بالحمل والولادة".
نقص المعلومات
عقب الوقوف على مدى توافر خدمات الرعاية الصحية النوعية في ما يزيد على دستة من البلدان، ومدى إمكانية حصول النساء والفتيات على تلك الخدمات، خلُصت منظمة العفو الدولية إلى أن من بين أبرز الأسباب المسؤولة عن وفيات النساء هو نقص المعلومات حول خدمات الرعاية الصحية المتاحة. 
ففي إندونيسيا على سبيل المثال، ذكرت النساء اللواتي أجرت المنظمة مقابلات معهن أنهن لم يُتح لهن الاطلاع على المعلومات المناسبة المتعلقة بحقهن في الحصول على وسائل منع الحمل.
ومصحوباً بتقييد فرص الحصول على وسائل للإجهاض، يدفع نقص المعلومات بالعديد من الفتيات واليافعات إما إلى الاستمرار في الحمل غير المرغوب فيه، أو السعي وراء أساليب إجهاض غير قانونية، والتي عادة ما تتصف بكونها أساليب غير آمنة صحياً.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، تخضع المراهقات لحوالي 2,5 مليون عملية إجهاض من إجمالي 19 مليون عملية إجهاض غير آمنة صحياً تُجرى في بلدان العالم النامي كل عام، فيما كانت 70% من الحالات التي جرى إدخالها إلى المستشفى جراء الإجهاض هي لفتيات ضمن الفئة العمرية من 10-19 سنة. 
وفي عام 2011، أورد برنامج الأمم المتحد لمكافحة مرض فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة/ الإيدز تقارير تفيد أن ما نسبته 34% فقط من الشابات في البلدان النامية كن قادرات على الإجابة بشكل صحيح على خمسة أسئلة أساسية حول فيروس نقص المناعة، وسُبُل الوقاية منه.  كما شكلت ذات الفئة التي طُرحت الأسئلة عليها ما نسبته 41 بالمائة من إجمالي عدد الإصابات الجديدة بالمرض.
خطة عالمية
في عام 1994، عُقد في القاهرة مؤتمر مفصلي أكد خلاله قادة 179 بلداً على حق النساء والفتيات في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهن الجنسية، والحمل، والأمومة، وتعهد المشاركون في المؤتمر بجعل موضوع تمكين المرأة في صميم سياساتهم المعنية بالتنمية والسكان.
وخلال المؤتمر الدولي حول السكان والتنمية، تبنى قادة الدول أيضاً برنامج (البرنامج) عمل يهدف إلى إحداث تحول جذري في طريقة صياغة السياسات والبرامج السكانية وتنفيذها.
وهدفت الفكرة في حينه إلى ضمان إبراز الحقوق الخاصة بالصحة الجنسية والإنجابية بشكل كبير في جميع السياسات السكانية التي تتبناها دول العالم، وبما في ذلك قضايا من قبيل الوقاية من تبعات التمييز الذي تلاقيه النساء لدى محاولتهن الحصول على الرعاية الصحية، ووضع الردود المناسبة للتدخل بهذا الصدد.  
وتضمّن البرنامج المنبثق عن المؤتمر تدابير تركز على تقليص معدلات وفيات الرضع والأطفال والأمهات؛ والتنمية والبيئة، والهجرة الداخلية والخارجية، والوقاية من مرض فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة/ الإيدز ومكافحة انتشاره، والمعلومات والتعليم والاتصال والتواصل، والتكنولوجيا، والأبحاث والتطوير.
وتعتقد منظمة العفو الدولية أنه قد تحققت بعض الخطوات الهامة على هذا الطريق منذ انتهاء أعمال مؤتمر القاهرة المذكور، وذلك في سبيل الوفاء بالالتزمات والتعهدات التي أُبرمت.  بيد أن مثل ذلك التقدم قد ظل بطيئاً من حيث ترجمته إلى واقع ملموس – وبل في بعض المجالات مثل الصحة الجنسية والإنجابية، فيمكن القول بأن ذلك التقدم قد كان عشوائياً وغير منتظم في أفضل حالاته.
وتابعت مولمان تعليقها قائلةً: "لقد رأينا على مدار العقود الأخيرة زيادة حجم الاستثمارات في مجال الرعاية الوالدية على وجه الخصوص.  وإذ ندرك أن ذلك من شأنه أن يقود إلى تحسن مطلوب وضروري في مجال رعاية الرُضّع، فلن تقدم تلك الزيادة الكثير من أجل التصدي لأوجه انعدام المساواة الكامنة في المجتمعات عندما يتعلق الأمر بالحصول على المعلومات والرعاية الصحية".
وأردفت مولمان القول أنه "من الجلي أن النساء يواجهن مشاكل تتعلق بالرعاية الصحية في مجالات أخرى لا تتصل بالوضع والولادة.  وحقيقة الأمر أن الحكومات تتردد في الحيلولة دون وقوع التمييز، وعلاج أشكال الإساءة".
مستقبل حقوق المرأة
من المزمع أن تجتمع في العام 2014 الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من أجل مراجعة مدى التقدم الذي أُحرز في إطار (البرنامج) بعد عقدين من انطلاقته في مؤتمر القاهرة.  وسوف تعرض الدول على وجه الخصوص إلى تمحيص الجهود التي قامت بها البلدان بغية الوفاء بالتزاماتها.
وفي نهاية تعليقها على الموضوع، قالت مولمان موضحةً: "يحدونا الأمل بأن تُفضي هذه المراجعة المزمعة إلى الدفع بتلك المسائل والقضايا قُدماً.  ولا زالت مطالبنا أساسية الطابع على حالها – إذ ينبغي أن يكون بوسع الجميع اتخاذ قرارات مستقلة وقائمة على حُسْن الاطلاع على المعلومات عندما يتعلق الأمر بصحتهم، وأجسادهم، وحياتهم، وأن يتمكنوا من العيش في حياة تخلو من العنف".
واختتمت مولمان تعليقها قائلةً: "وكحد أدنى، يتطلب تحقيق ذلك كله استفادة الجميع من خدمات التثقيف الجنسي الشاملة".

2013-02-19